- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عزات جمال يكتب: هل تعيد تهديدات الاحتلال الردع المفقود؟
عزات جمال يكتب: هل تعيد تهديدات الاحتلال الردع المفقود؟
- 23 أبريل 2023, 11:49:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لطالما رفع الاحتلال سيف "الردع" عالياً مشرعاً من أجل القضاء على أي فرصة للمقاومة، ووأد محاولات التفكير حتى بالإضرار بأمن الكيان ومصالحه، وقد اعتمد على مبدأ الردع كأساس بنا عليه رؤيته الأمنية، ودشن من خلاله عقيدته العسكرية التي ترى فيه الضامن للاستقرار والرفاه في الكيان المحتل ولدى سكانه من المستوطنين.
وقد سعى الاحتلال ومنظومته الأمنية والعسكرية لتطبيق ذلك عبر اتخاذ سلسلة من التوصيات والقرارات التي تساهم في بناء هذا الردع وتزرعه في قلوب وعقول كل الأعداء وصولا لكل دول العالم، وقد جاء على رأس هذه القرارات والتوصيات احتكار كيان الاحتلال لامتلاك أحدث المنظومات والإمكانات والأسلحة، بحيث يبقى الكيان المتفوق على كل دول المنطقة، كما أولى الاحتلال أهمية بالغة لمنظومات الكشف والاعتراض الدقيقة والمتفوقة، والتي تعطيه ميزة اكتشاف الأعمال العدائية قبيل انطلاقها باتجاه الكيان ليقوم بدوره بإحباطها في أرضها؛ كما أنه أولى اهتمام كبير للاختراق والتجسس للوقوف على نوايا دول المنطقة والأعداء من أجل تفادي أي مفاجأة محتملة، إضافة لزرع الفتن والمشاكل بين دول المنطقة حتى تنشغل فيها عن مقاومته.
وقد أفلح كل ما سبق وغيره في الصمود بعض من الوقت في ظل التفوق الذي امتلكه الاحتلال أمام الجيوش الكلاسيكية، والتي ظلت الإمكانات نقطة ضعفها الأبرز طول السنوات الماضية، وقد تجلى ذلك في الصراعات والحروب التي خاضوها مع الكيان المحتل، فكان التفوق دائما للطائرة والدبابة الصهيونية ولمنظومات الاعتراض والتشويش وغيرها من وسائل ووسائط الحرب الحديثة التي امتلكها الاحتلال وجيشه.
إلا أن الأمور لم تعد تسير وفق ما خطط الاحتلال وسعى، فقد تلاشى دور الجيوش الكلاسيكية وتراجعت أهميتها، ولم تعد في سلم أولويات التهديد لأمنه، فقد ظهرت قوى جديدة تتبع أسلوب حرب العصابات وهي ما عرفت بقوى المقاومة التي نجحت في إدخال تكتيكاتها الجديدة، والتي غيرت عبرها شكل الصراع مع المحتل، وهنا نتحدث عن القوى الفلسطينية والعربية المختلفة، وقد سعت هذه القوى على مدار سنوات لبناء قوة ذاتية قادرة على الصمود والبقاء والتطور، وقادرة على تعريض أمن الكيان ومصالحه للضرر؛ وهنا الضرر المقصود يشمل كل النواحي "العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ...الخ" فقد كسرت قوى المقاومة على ضعف امكاناتها، الكثير من المبادئ الأساسية لنظرية الأمن لدى الاحتلال ولعل على رأس هذه المبادئ، إنهاء فكرة نقل المعركة لأرض الغير وخوض المعارك خارج حدود فلسطين المحتلة، فباتت كل فلسطين ساحة مواجهة وأصبح بمقدور قوى المقاومة التحكم بجدول الحياة في "تل أبيب" وكل منطقة "غوش دان" وهذا أمر لم يحصل في كل الحروب السابقة مع الجيوش العربية والإسلامية على مدار عقود الصراع
بل إن قوى المقاومة تبني قوتها وتزيد من إمكاناتها بشكل مستمر ويظهر ذلك جليا مع كل مواجهة تخوضها، وقد نجحت قوى المقاومة في مفاجأة الاحتلال وجيشه في كثير من المرات ولا يخفي ذلك قادة الاحتلال وكبار مسؤوليه، وهو إعلان ضمني بفشل كل جهود منظومات الكشف وفشل أجهزة الأمن في قراءة توجهات قوى المقاومة، وقد استندت هذه القوى على الاحتضان الشعبي والإسناد الجماهيري، فلم تفلح معها الاغتيالات ولا الملاحقة ولا الحروب الطاحنة على انهاءها عوضا عن تطورها ، وقد شكلت شيئا فشيئا معادلات وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، فلم يعد العدو المحتل يمتلك إمكانية واسعة للحركة والمناورة، لمعرفته المسبقة بأن أي تصعيد محتمل قد يتسبب به، سيضع سكان الكيان ومراكزه الحساسة في دائرة النار، ولن تفلح كل ترسانته العسكرية بجلب الأمن لمواطنيه من المستوطنين حينها.
فبات يضطر في كثير من الأحيان للعمليات الأمنية التي تهدف للإحباط والتخريب وتعطيل مسار تقدم قوى المقاومة وهو ما يعرف بسياسة المعركة بين الحروب، دون أن يحقق ردع يجبرها على التوقف أو يحظى بنزع إرادة القتال من صدور قادتها وجنودها كما نص عليه تعريف الردع الذي يتبناه ويروج له.
لذلك أرى أن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، أن فكرة الردع لم تعد قائمة ولا يمكن أن تتحقق حتى مستقبلاً، في ظل تنامي شعور شعبنا وأمتنا بوجوب قتال الاحتلال ومواجهته بكل السبل وفي كل الساحات والسعي المستمر لذلك، وهو أمر يدركه قادة الاحتلال جيدا، وهم يمارسون الكذب والتضليل عندما يطالبون جيشهم باستعادة الردع، لأنهم يعلمون بأن الردع لم يعد ممكنا وبأن قوى مقاومة شعبنا وأمتنا تجاوزت إمكانية تحقيقه بالعمل الجاد والمثابرة والكثير من التحدي، حتى بات الاحتلال يحاول اظهاره من خلال الحرب النفسية والماكنة الإعلامية لعله يحوز نصرا يسوقه للمستوطنين وللمطبعين المرتهنين للكيان.
إن نجاح الاحتلال في تنفيذ أي عملية هنا أو هناك ليس نهاية المطاف، فقد اغتال على مدار عقود الصراع الآلاف من قادة وأبطال شعبنا ولم تتوقف المسيرة ولم تخبُ جذوة الثورة، فكل شعبنا الثائر المنتفض هم مشاريع شهادة وفي مقدمتهم قادة المقاومة الذين يضعون أرواحهم رخيصة على أكفهم وهم لا يهابون بدل الدماء، بل إن هذا الدماء دوما كانت المحرك والمحرض للثأر والاستمرار بالمقاومة والمواجهة، واليوم في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتفعيل الاغتيالات، نقول بأن الاحتلال لم يأت بالجديد فهو كيان بني على القتل والتهجير والتشريد وهذا ما يتقنه منذ النشأة، لكن الذي يختلف اليوم هو أن أي قرار من هذا القبيل لم يعد بتلك السهولة، وهو لا يستطيع معرفة تبعاته المتوقعة وما هو شكل رد الساحات على اجرامه، فلشعبنا درع وسيف.