- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
علاقات الجزائر وفرنسا والعودة إلى مربع الأزمة (تقرير)
علاقات الجزائر وفرنسا والعودة إلى مربع الأزمة (تقرير)
- 31 يوليو 2023, 9:00:11 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الجزائر/ عباس ميموني/ الأناضول
- وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية اتهمت في برقية قناة "فرانس 24" الفرنسية الرسمية بالتضليل في معالجتها لحرائق الغابات في البلد العربي لخدمة أهداف حركة انفصالية، كما اتهمت مسؤولا (من أصول جزائرية) مقربا من ماكرون بتوجيه القناة.
- برقية الوكالة جاءت في ظل تأجيل متكررة لزيارة الرئيس تبون إلى باريس وانتقاد وزيرة الخارجية الفرنسية لمقطع في النشيد الوطني الجزائري وبعد سويعات من تقديم سفير فرنسي جديد أوراق اعتماده إلى الخارجية الجزائرية.
- أستاذ الإعلام د. عبد الحكيم بوغرارة: "فرانس 24" أداة هجومية تستخدمها فرنسا ضد البلدان التي ترى أنها ابتعدت عن فلكها، والهجوم يأتي بعد جولة الرئيس تبون إلى قطر الصين وتركيا، حيث تسعى لإفساد الزخم الذي تعرفه الجزائر على الصعيد الخارجي.
- أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية مبروك كاهي يقول إن الجزائر وفرنسا دخلتا مجددا في نفق أزمة والعلاقات بين البلدين أثبتت أنها معقدة ويستبعد تحسنا وشيكا ويرجح أن اللجان المشتركة ستعمل على استعادة التهدئة.
في مؤشر على تأزم جديد للعلاقات بين البلدين، هاجمت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بحدة قناة "فرانس 24" الفرنسية الرسمية، على خلفية معالجتها للحرائق الأخيرة في البلد العربي.
ونشرت الوكالة، منتصف ليلة 27 يوليو/ تموز الجاري، برقية وصفت فيها "فرانس 24" بـ"الحثالة" و"قناة الشر والفوضى والتلاعبات"؛ متهمة إياها بمعالجة موضوع الحرائق بشكل "يخالف ضوابط وقواعد الإعلام".
الوكالة اتهمت باريس بالوقوف وراء معالجة القناة التي تخدم، بحسب ما قالت، مخططات حركة "ماك" الانفصالية (تطالب بانفصال منطقة القبائل في الجزائر)، التي تصنفها السلطات الجزائرية منذ 2021 كتنظيم إرهابي.
وتكشف حدة لغة البرقية عن تدهور جديد للعلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي يبدو أن بوادره بدأت في مايو/أيار الماضي، على خلفية تأجيل زيارة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كانت مقررة إلى باريس.
وفي 25 يوليو/تموز الجاري، شهدت الجزائر حرائق غابات مهولة أودت بحياة 34 شخصا وأصابت أزيد من 80 بجروح.
وبعد يومين، أعلن مجلس قضاء الجزائر (العاصمة) القبض على 12 مشتبها بهم في إضرام النيران عمدا، وتم تقديمهم أمام قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في محكمة سيدي محمد.
كثير من التضليل
وكالة الأنباء الجزائرية انتقدت تركيز "فرانس 24" على الحرائق بـ"كثير من التضليل"، رغم استمرار حرائق الغابات في عدة دول أوروبية، وفقا للبرقية.
وقالت :"في كورسيكا وفرنسا وإسبانيا والجزائر، تتعدد المشاهد وتتكرر: الهكتارات (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع) من الغابات المشتعلة التي دمرتها ألسنة النيران مخلفة عشرات الضحايا. إلا أن قناة "فرانس 24"، باستهدافها الجزائر، لم تحترم القواعد الأساسية لأخلاقيات المهنة من خلال تعديها بشكل كلي على ضوابط وقواعد الإعلام".
و"على السادة العاملين بقناة "فرانس 24" الحثالة، التي تتلقى الأوامر بخصوص الجزائر من أحد المقربين من قصر الإليزيه...، أن يتحلوا ولو بالقليل من الموضوعية في هذه الأوقات العصيبة والأليمة"، كما تابعت الوكالة.
ووجهت اتهاما صريحا إلى السلطات الفرنسية بالوقوف وراء نهج القناة، بقولها: "فرنسا الرسمية التي هاجمت شبكات التواصل الاجتماعي واتهمتها بتأجيج نار الكراهية بعد وفاة نائل، والتي صرحت عبر المتحدث باسم الحكومة أنه لابد من "إحداث قطع " (تعطيل مواقع التواصل) في حال وجود أزمة، مدعوة إلى أن تلتفت إلى ما يجري في بلدها وترتب أمورها أولا".
الوكالة تعتبر بذلك أن فرنسا ليست في موقع يسمح لها بإسداء الدروس، بينما قمعت وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير أثناء احتجاجات تضامنية مع أسرة الفتى نائل (من أصول جزائرية) الذي قتله شرطي فرنسي بالرصاص.
ونفت الوكالة تهم التقصير أو عجز البلاد عن التعامل مع الحرائق، معددة الإمكانيات "الضخمة" التي جهزتها السلطات لإخمادها، وبينها اقتناء طائرة بسعة 12000 لتر نوع "بيرييف 200" روسية الصنع و6 طائرات خاصة و12 مروحية، و"هذه الوسائل لا تمتلكها سوى الجزائر في المنطقة"، بحسب البرقية.
و"بالرغم من الأحوال الجوية غير المواتية للتدخل الجوي لطائرات الإطفاء في اليوم الأول، تمت السيطرة على جميع بؤر الحرائق في ظرف 48 ساعة، وهو ما لم يحدث للأسف في بعض البلدان الأوروبية التي تقع على البحر المتوسط أين يستمر مكافحة حرائق الغابات منذ عشرة أيام"، كما أردفت الوكالة.
مالك وأملال وماكرون
وكالة الأنباء الجزائرية نددت بتركيز القناة الفرنسية على محافظتين فقط من أصل 17 أخرى شملتها حرائق الغابات.
وتقع المحافظتان، وهما بجاية والبويرة، في منطقة القبائل وسط البلاد، حيث خلّفت الحرائق أكبر عدد من الضحايا، بينهم 10 عسكريين.
وقالت المديرية العامة للحماية المدنية إنها تعاملت، في 25 يوليو/تموز الجاري، مع 97 حريقا في 17 محافظة شمالي البلاد، وسط درجة حرارة قياسية ناهزت الـ50 درجة مئوية ورياح شديدة السخونة.
واعتبرت الوكالة ان تلك الانتقائية من جانب القناة "لعبة خبيثة تخطط لها وتصنعها الحركة الإرهابية ماك وحماتها"، مضيفة أنه "يجدر بقناة الشر والفوضى والتلاعبات أن توقف أكاذيبها المفضوحة".
ودون تسميته، اتهمت الوكالة مسؤولا فرنسيا مقربا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلعب دور محرك الدمى في "فرانس 24" ومجمع" فرانس ميديا موند" العمومي.
وقالت إن هذا الشخص يتقلد وظيفة سامية كسفير فرنسي ومندوب وزاري مكلف بحوض البحر المتوسط، وإحدى قريباته "مختصة" في تشويه سمعة الجزائر.
والمعني، بحسب مراسل الأناضول، هو كريم أملال، من مواليد 1978، وينحدر من أصول جزائرية في منطقة القبائل، ومعروف بقربه من ماكرون، الذي عَيَّنَه منذ 2022 في منصب سفير ومندوب وزاري مكلف بحوض البحر المتوسط.
وينتمي أملال إلى حزب ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، ومُني بهزيمة في انتخابات عام 2020، وانتقد خصومه ترقيته إلى منصب سفير بعد فشله السياسي، واصفين إياه بـ"القوقعة الخاوية"، بحسب تقرير لمجلة "جون أفريك".
ولأملال شقيقة تُدعى مريم، وهي صحفية ومقدمة برامج في "فرانس 24" الناطقة بالفرنسية، والتي أعدت التقرير الذي أغضب الوكالة الجزائرية، وقالت فيه إن "عائلات ومواطنون أُحرقوا أحياء في بجاية".
أداة هجومية
المحلل السياسي وأستاذ الإعلام د. عبد الحكيم بوغرارة اعتبر، في حديث مع الأناضول، أن فرانس 24 "أداة هجومية تستخدمها فرنسا ضد البلدان التي ترى أنها ابتعدت عن فلكها".
وتابع أن "القناة تخضع لسلطة الخارجية الفرنسية ومديرية الأمن الخارجي، وتوظف لشن الحرب النفسية على الجزائر، وقبلها مالي وبوركينافاسو، خاصة بعد جولة الرئيس تبون إلى قطر الصين وتركيا، حيث تسعى لإفساد الزخم الذي تعرفه الجزائر على الصعيد الخارجي".
وأضاف بوغرارة أن القناة الفرنسية "دائما ما يُدفع بها من قِبل صانعيها للتركيز على منطقة القبائل، قصد إثارة الفتن السياسية ومحاولة لي ذراع السلطات الجزائرية".
أزمة جديدة
هجوم الوكالة الجزائرية بتلك الحدة على قناة فرنسية رسمية، ومن ورائها باريس، يكشف عن تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية مرة أخرى، رغم محاولات تبون وماكرون المتكررة تطبيع العلاقات الثنائية.
واحتلت فرنسا الجزائر بين عامي 1830 و1962، وتوجد ملفات خلافية متواصلة بين البلدين منذ تلك الحقبة.
وفي أغسطس/ آب 2022، زار ماكرون الجزائر ووقَّع مع تبون اتفاق للشراكة الجديدة يشمل مجالات عديدة، وكان يُفترض أن يرد تبون بزيارة مماثلة في 3 مايو/أيار الماضي لكنها أُجلت إلى نهاية يونيو/حزيران الماضي، ولم تتم حتى الآن.
ويبدو أن العلاقات انهارت مجددا، إذ جاءت برقية وكالة الأنباء الجزائرية في أعقاب أزمة بدأت في يونيو/ حزيران الماضي بانتقاد وجهته وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لمقطع في النشيد الوطني الجزائري "قسما" يتوعد فرنسا على حقبة الاستعمار.
وبتهكم، رد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عليها قائلا: "ربما كان يمكنها أن تنتقد أيضا موسيقى النشيد الوطني، ربما الموسيقى لا تناسبها أيضا.. بعض الأحزاب أو السياسيين الفرنسيين يرون أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية".
استعادة التهدئة
وعلى ضوء تلك التطورات، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور مبروك كاهي للأناضول إن "الجزائر وفرنسا دخلا مجددا في نفق أزمة".
ولفت إلى أن برقية الوكالة الجزائرية جاءت بعد سويعات من إيداع السفير الفرنسي الجديد اوراق اعتماده لدى الخارجية الجزائرية.
وزاد كاهي بأن "العلاقات بين البلدين تثبت دائما أنها معقدة، والرئيسان تبون وماكرون يجمعان على أن "أطراف فرنسية من اليمين واليمين المتطرف تعرقل كل محاولة للتقدم بالتعاون الثنائي".
واستبعد تحسنا وشيكا على صعيد معالجة الأزمة الحالية، مرجحا في الوقت نفسه أن الاستحقاقات الثنائية بين الدولتين، على غرار اللجان المشتركة، ستعمل على استعادة التهدئة.