- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
علي الصلابي يكتب: الثبات والصبر وأثرهما في التمكين والنصر.. مشاهد من قصة كليم الله موسى عليه السلام
علي الصلابي يكتب: الثبات والصبر وأثرهما في التمكين والنصر.. مشاهد من قصة كليم الله موسى عليه السلام
- 6 مايو 2023, 5:46:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من الأوامر التي تتكرر كثيراً بالقرآن الكريم والسنة النبوية "الصبر" والأمر به، ومدح الصابرين، والثناء عليهم، والأمر بالاقتداء بهم؛ وما ذلك إلّا لأهميّة الصبر في حياة المسلم في سلوكه وحياته على مستواه الشخصي، وأثره العام في التمكين للأمة ونصرها على أعدائها.
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ "الأحقاف: ٣٥".
فصبر أولي العزم من الرسل هو أعظم الصبر؛ لأنهم واجهوا من الأذى والصَّدِّ ما لم يواجهه نبيٌّ قَطُّ، وقد وجب التنويه بذكر صبرهم في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، فموسى -عليه السلام- من أولي العزم، صبر في دعوته لقومه صبراً عظيماً.
فما أصبر موسى -عليه السلام- في دعوته لفرعون وملئِه، وما أصبره على قومه في دعوته لهم!
إن موسى -عليه السلام- تميز في حياته بصفة الصبر، فقد كانت من أسباب الثبات والنصر على الأعداء، وهو محلُّ قدوة وأُسوة إذ صبر على تكذيب فرعون وملئِه وعلى ما لقيه من الإيذاء والسخرية إلى أن جاء نصر الله المبين، ونصره على فرعون وقومه، وهذا يدلنا على حسن عاقبة الصبر، فمن كان أصبر كان أجدر بالنَّصر.
لقد كان موسى -عليه السلام- مدرسة فريدة من نوعها في الصبر والتحمُّل، وقد لَقِيَ الكثير من قومه ومن أذيتهم، وصبر على ذلك.
- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ "الأحزاب: ٦٩".
أي: لا تكونوا مع نبيكم كالذين آذوا موسى وهم اليهود بالقول أو العمل مما يكرهه ولا يحبُّه، ولا تكونوا مثل الذين آذوا موسى، واتهموه كذباً وزوراً أو تعجيزه برؤية الله جهراً، أو تركه يقاتل وحده أو مطالبته بأنواع من الطعام، فبرَّأه الله مما قالوا من الكذب والزور، وكان ذا قدر وجاه ومنزلة عند ربه. (الإيذاء؛ أنواعه، ومظاهره، سبل علاجه في ضوء القرآن والسنة النبوية، 12/121).
- وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ "الصف: ٥".
- ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾: موبخاً لهم على صنيعهم ومقرعاً لهم على أذيته وهم يعلمون أنه رسول الله.
- ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾: بالأقوال والأفعال.
- ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾: والرسول من حقه الإكرام والإعظام والقيام بأوامره، والخُضوع لحكمه، وأما أذية الرسول الذي إحسانه إلى الخلق فوق كل إحسان بعد إحسان الله، ففي غاية الوقاحة والجراءة والزَّيغ عن الصراط المستقيم الذي قد علموه وتركوه.
- ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ أي: انصرفوا عن الحق بقصدهم.
- ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾: عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها، ولم يوفقهم الله للهدى؛ لأنهم لا يليق بهم الخير، ولا يصلحون إلا للشر.
- ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾؛ أي: الذين لم يزل الفسق وصفاً لهم، ليس لهم قصد في الهداية.
وهذه الآية الكريمة تفيد بأن إضلال الله لعبيده ليس ظلماً منه ولا حجة لهم عليه، وإنما ذلك بسبب منهم، فإنهم أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ وتقليب القلوب عقوبة لهم وعدلاً منه بهم، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. (تفسير السعدي، ص ١١٦٥)
إن موسى -عليه السلام- تحمّل الأذى الكثير من قومه، وظهر منه صبرٌ جميلٌ، وقد عرضنا موقفه من مسائل وطلبات قومه المتنوعة والمتشعبة والمتعنتة.
وقد تذكّر رسول الله ﷺ حين تعرّض للأذى ما أصاب موسى -عليه السلام- من بين إسرائيل، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قسم النبي قسماً، فقال رجل: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذيَ بأكثر من هذا فصبر.
والمقام لا يقتضي استيعاب موقف موسى -عليه السلام- في صبره على قومه، فقد صبر كثيراً في تعليمهم وفي دعوتهم وكثرة مسائلهم وعلى سوء أدبهم مع الله ومع نبيّهم موسى -عليه السلام-، وقد مرّ ذلك في هذا الكتاب. (أخلاق الأنبياء، محمد عبد الدرويش، ص ١٤٥)