- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
علي فخرو يكتب: مواجهة عودة الاستعمار
علي فخرو يكتب: مواجهة عودة الاستعمار
- 10 أغسطس 2023, 4:11:40 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لقد ظنت الأجيال السابقة بأن دحر الاستعمار وإخراجه من أوطانها سينهي الحقبة الاستعمارية وسينقل تلك الأوطان إلى رحاب حرية الاستقلال الوطني والقومي. لكن الاستعمار، وجله تقريباً هو استعمار غربي من قبل أمريكا وبعض دول أوروبا، لا يعرف الخجل من أفعال ماضيه ولا من أفعال حاضره، ولا يعرف لأطماعه وتدخلاته في شؤون الغير وتذكيرهم بتميز وهيمنة حضارة الغرب الكونية الأبدية على حضاراتهم المتخلفة في كل مجال… لا يعرف حدوداً لأطماعه في الاستيلاء على كل ذرة من خيرات وثروات الآخرين.
تدخل الدول الاستعمارية ما كان لينجح ويخلق الفوضى في كل مكان ويهين كل تلك الشعوب لولا وجود الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي
هذه العقلية المتجذرة في أنظمة حكم ومؤسسات اقتصاد دول الاستعمار هي التي تفسر ما نراه أمامنا، هنا في بلاد العرب وفي بلدان الآخرين، من مشاهد سياسية وأمنية استخباراتية وعسكرية تذكرنا يومياً بأن حقبة الاستعمار السابقة تعود بصور أقبح وبمخاطر أشد وبتسهيلات داخلية وإقليمية أسهل وأيسر وأقل كلفة، وإلا كيف تسمح فرنسا لنفسها أن تغضب وتهدد بالتدخل العسكري وبشتى أشكال العقاب الإقتصادي والمالي تجاه حدث محلي في دولة نيجر الأفريقية وهو لا يخصها ولا يقع تحت مسؤولياتها القانونية؟ والسبب في واقعه ليس حباً في شعب ذلك البلد الفقير المستباح وإنما طمعاً في الاستحواذ الاستغلالي الأبدي لثروات اليورانيوم وغيرها الموجودة في ذلك البلد. وإلا أيضاً كيف تسمح فرنسا لنفسها للتصرف في الشأن السياسي والمالي اللبناني الداخلي، وكأنها هي التي تحكم وهي التي مازالت متواجدة في مستعمراتها القديمة؟ وإلا كيف تسمح أمريكا لنفسها أن تدير الشأن الفلسطيني واليمني والليبي والسوري والعراقي والسوداني والمصري والخليجي والمغربي وكأن كل تلك البلدان هي ولايات أمريكية خاضعة لسلطة الحكم في واشنطن؟ يومياً تعلن بدون خجل الملاحظات والانتقادات والتهديدات، ويومياً ترسل الوفود لتشعر الآخرين بأن حل هذا الموضوع أو ذاك يجب أن يمر من خلال واشنطن أولاً وإلا فإنه لن يصل قط إلى أي حل، كما فعلوا مثلاً بمباحثات أوسلو الشهيرة حين سرقوا الموضوع الفلسطيني من الأمم المتحدة وأبقوه في أيديهم الملطخة بظلم شعب فلسطين، وبمصالح اللوبيات الصهيونية المالية في كل مكان، وبكل ممارسات عرفها الاستعمار طيلة تاريخه. وإلا أيضاً فما دخل أمريكا في كل أمر داخلي في كل دول آسيا ودول أمريكا الجنوبية وحتى في أوروبا حيث تخيط وتبيط وتوجه وتهدد وتعاقب وتتئآمر على كل محاولة استقلالية، حتى ولو كانت ديمقراطية؟
تدخل تلك الدول الاستعمارية، مما ذكرنا ومما لم نذكر، ما كان لينجح ويخلق الفوضى في كل مكان ويهين كل تلك الشعوب لولا وجود الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي الذي سمحت بوجوده أنظمة حكم ضعيفة في الداخل ومشوشة في محيطها الإقليمي وغير مشاركة لمجتمعاتها المدنية في اتخاذ القرارات وفي حمل المسؤولية.
وكمثال على ذلك ما أصاب الجامعة العربية في وطن العرب، ومجلس التعاون في الخليج العربي، والاتحاد المغاربي في بلدان المغرب العربي ومنظمة التعاون الإسلامي المتفرجة.
لا يعرف الإنسان إذا كان رؤساء كل تلك الدول المستباحة يدركون مدى وشدة التاثيرات المدمرة لنفوس وعقول الشعوب، والذي يقودها إلى الشعور بالدونية والعجز، كلما تصحوا تلك الشعوب يومياً لترى وتسمع عن تلك التدخلات الاستعمارية بينما تظل الساحات بدون من يرفضون أو يدعون للتكاتف لمواجهة تلك الظاهرة المضحكة المبكية، لكأن الشلل أو اللامبالاة قد أصابا تلك الأنظمة عبر القارات كلها.
لسنا في حاجة لمن يذكرنا بهذه المحاولة المحدودة أو تلك، فذلك لن يكفي ولا يليق بإنسانية شعوب كل تلك البلدان في هذا العصر البليد المختطف الذي أفرغت كل طاقاته لتنحبس في ملاعب الرياضة ومهرجانات الغناء المسطح المبتذل والركض وراء الاستهلاك الطفولي النهم وقبول كل أنواع الشذوذ والانحطاط الأخلاقي.
هل من هبات غضب تزيل هذا الغبار الخانق وتحرر الغالبية الساحقة من شعوب العالم من هيمنة قلة أنانية استعمارية لا أخلاقية؟