- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
علي محمد علي يكتب : زمن الباله
علي محمد علي يكتب : زمن الباله
- 9 أغسطس 2021, 11:01:44 م
- 1490
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حارتنا قديمة وربما تسبق التاريخ ، فهي تضرب في عمقه حتى إخترقت قاعه ، وكلما ظننت أنك أمسكت ببداية ، سقطت بك إلى بداية أخرى ، وهكذا دواليك ، فلا أنت ولا أنا مهما كان حماسنا مهيئون للجزم ببدايات حضارتنا ، أقصد حارتنا ، فلا ترهق نفسك ، و افعل مثلي ، ومثل علماء الأركيولوجيا والبليونتولوجيا ، حيث أقر الجميع أنها أقدم حارة في التاريخ البشري ، وإن كل ما بها الآن ماهو إلا إستنساخ لما كانت عليه من قبل ، قل ماشئت و شكك في كل المعلومات التي تقع تحت يديك - والتي في الإساس - هي التي تمدك بها ، حتى لو قلت أنها لا تخرج عن كونها ميثولوجيا ، حتى لو إدعيت ذلك ؛ فأنت تقر إقرارًا ضمنيًا بأحقيتها وتربعها على عرش القِدم ، فحتى الأساطير لها جذور ولم تخرج من فراغ أو من فقاعات هواء .
إنها قبل النيل ، قبل حتى تجمعات الماء ، فقد كان هنا في الأعالي أجدادنا ، بنوا تلك البيوت ونحتوها ، نعم لقد رأيت جزءًا منها قبل التجديد والإحلال ، فقد كانت حجرية متراصة تشبه تمامًا الكهوف .
حارتنا بها الآن من كل شيء شيء ، فعندنا الإنسان البدائي ، بهمجيته و شراسته و سذاجته ، وذكائه الفطري أحيانًا ، ورغم كل ذلك فمازال يحتفظ بقلب رقيق ، يبكي بكاء الأطفال حينما يتأثر عاطفيًا ، وتمثل هذه الفئة " عائلة أبو خطوة " والتي يعمل معظم أبنائها في مهنة " السواقة " و " نقل البضائع " فقد كان لهم زمان في آخر الحارة " إصطبل " للحمير والجمال والبغال والأحصنة ، ومخزن كبير لعربات الكارو ، أما الآن فقد استجابوا للتطور وأصبحوا يمتلكون جراجات كبيرة ومعارض للسيارات بجميع أنواعها ، وباعوا كل ماهو قديم حتى لا يذكرهم بالماضي ، وأصروا أن يكون البيع لأوناس من خارج الحارة ، ومن هنا جلبوا لنا فئة غريبة ، أشد شراسة منهم ، نطلق عليهم " الغجر " إنهم المشترون الجدد ، الذين لا نعلم لهم أصل ولا فصل ، ويعملون في كل ما هو ممنوع " المخدرات ، الدعارة ، السرقة ، القتل ، شهادة الزور ، رجالهم يجلسون في البيوت لرعاية الأطفال و أشياء أخرى ، ونسائهم يخرجن من الصباح الباكر سعيًا وراء الرزق ، المرأة عندهم تتكفل بكل شيء حتى مصاريف الدكر و أيضًا " الكيف " ومنذ أن حلوا في الحارة وبدأت معدلات الجريمة ترتفع ، ونسمع عن حوادث ما سمعنا بها من قبل في قصص الأولين .
وعندنا أيضًا عم " أبو الخير " من أصول " شركسية " و كان يعمل في مصنع للملابس الجاهزة ، ثم لأسباب نحن نعلمها تم إغلاق المصنع ، فالتوجه العام حاليًا هو التضيق وخنق كل الصناعات الوطنية ؛ بيعت مصانع الغزل والنسيج بأبخس الأثمان ، وتم تشريد العمال وتسريحهم ، كان " أبو الخير " يغطي إحتياجات الحارة من الملابس بسعر المصنع ، ملابس جديدة لم يستعملها أحد قبلك ، ثم قام أحد أبناء " أبو خطوة " بفتح سلسلة محلات للملابس المستعملة " باله " مستغلًا رغبة الدولة في ملئ فراغ صناعة الملابس الوطنية على حساب إستيراد مخلفات الأجانب ، لن أخفي عليكم كنا نذهب في البداية لتلك المحلات على إستحياء ولا نريد أن يرانا أحد ، أما الآن ف " أحد " نفسه يذهب هناك ليشتري هدوم بالة ، وساءت أمور عم " أبو الخير " الإقتصادية والمالية والإجتماعية ، لكنه يقاوم ، هو وأسرته وإشترى ماكينة خياطة لتصليح الملابس ليسد رمق أسرته ، بعد ما كان كبير فنيين المصنع لسنوات .
وفي منتصف قلب الحارة يوجد الأستاذ " رفعت البلتاجي " وهو من أصول عربية بدوية ، فكان يعتز أنه من الأشراف ، هذا الرجل كان موظفًا كبيرًا في الدولة ، وكان يسارع في فعل الخيرات ، فكثيرًا ما جهز للزواج بنات من الحارة ومن خارجها ، فكان يشتري كل ما ينقص من شوار العروسة بكل نفس راضية و رحيمة بالفقراء والمحتاجين ، وفجأة تم فصله من عمله وإعتقاله بزعم أنه ينتمي لجماعة إرهابية ، ويعمل على زعزعة الأمن ، وإشاعة الفوضى في البلاد ونشر أخبار كاذبة ، وترك وراءه أسرة بلا عائل ، نحاول نحن أن نكفيهم شر السؤال والحاجة .
الشيخة صباح . تزوجت فوق العشر مرات ، ولما ملت من كثرة الزواج ومشاكل الرجالة ، عملت فيها شيخة وبخور وأعمال وشغل الثلاث ورقات ، وقراءة الفنجان ، والبخت ، أصبحت ثرية من الأثرياء الجدد بالحارة ، إكتشفت بذكاء أن الرجالة لم يعد منهم رجاء فاستبدلتهم بالأموال ، وعرفت مبكرًا أن موضوع السحر والشعوزة هم شعار المرحلة ، واللعب بأحلام البسطاء هو مهنة من لا مهنة له ، أنا بفكر أعمل علاقة غير شرعية بيها ، عسى أن ينوبنا م الحب جانب ، أنا عارف تاريخها كله وكثيرًا ما حضرت حل مشاكل بينها وبين أزواجها السابقين والتي كان معظمها مادية ، فعرفت أكثر عن سيكولوجيتها وطبيعة الرجل الذي في خيالها ، لكني كلما هممت بمصارحتها في رغبتي فيها ، وجدت شيئًا ما يمنعني ، يظهر أنها ربطتني أو عملتي سحر فوشيا أو نبيتي " مش أسود " .
الأسطى سيد عبفتاح ومراته : كان سيد صنيعي منجد وإيده تتلف في حرير ، وكان يكسب من عمله ومحجوز سنتين أدام ، بعد سوء الحالة الإقتصادية الناس لم تعد تتزوج أو تجدد الفرشة بتاعتها ، فضاقت الدنيا علىه وعلى أهل بيته ، وبدأت حالته النفسية تسوء يومًا بعد يوم ، فتصدرت زوجته المشهد ، وتطوعت للعمل وأفهمته أنها تخدم في البيوت ، وكل يوم تخرج من الصباح وتعود منتصف الليل ، إلا أن فهمت الشغلانة ، فلم تعد ترهق نفسها بقت بتطلع بالطلب ، والحارة كلها لاحظت التغير المفاجئ الذي حل بها ، فتغير في طريقة اللبس ، وطريقة الكلام والدلع كله والفلوس اللي زي الرز ، تقلش بتشتغل في الخليج ، هي فعلًا بتشتغل في الخليج بس من مكانها وهي في مصر ، وزوجها الأسطى سيد آخر من يعلم ، وليه يعلم طالما أمور بيته ماشية تمام والعيال بيروحوا مدارس أجنبية ، وهو عايش في " مية البطيخ " مش عارف الناس عاوزين من الناس إيه ؟ ماتسيبوا مرات الأسطى سيد و الأسطى سيد وولاده في حالهم ، ولا هي الكحكة في إيد اليتيم عجبة ؟ والإنحراف للفقير عيب وحرام ، ما كل الأغنياء منحرفين ، بدليل أن كل زباين الست حرم الأسطى سيد من الأغنياء ، لماذا لا تحاسبوهم هم وجايين على أضعف حد في السلسلة ، الست المكافحة مرات سيد ، والتي دفعت بنفسها في غابة من "جدور القصب الناشف" كي تنقذ نفسها وأسرتها من الفقر و التشرد ومد اليد ، حقيقي الناس لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل على عبادة .
وطالع جيل جديد في الحارة ، اللي هو في الأساس تربية " مرات سيد " و " الشيخة صباح " جيل مهبب وزي الزفت ، عيال معاها فلوس كتير ، وأخلاق قليلة ، وقدوتهم الفنان " محمد رمضان " و " حمو بيكا " جيل كل القوى الداخلية والخارجية إجتمعت على تضليله ، وتغييبه ، و جاء وزير التعليم وزاد الطين بله ، ونفذ فيهم مشىروعًا لا يثمر إلا فشل ، منكم لله ، ضيعتم الأمل الوحيد إللي كان باقي للحارة أنه يخرجها من ظلمات الجهل والفقر والرزيلة ، إلى أنوار العلم والخير والأخلاق والجمال والفن والذوق الرفيع ، لكي الله يا حارتنا ، أدعو لكي وأنا مخمور ، عل الله يتقبل الدعاء ، أوليس على المجنون أو المسطول حرج ؟
إنكِ يا حارتنا تحتاجين ثورة حقيقية على سوء الأوضاع ، لتصححين مساركِ ، وتعودين كما كنت سباقة رائدة بين الحارات الأحدث منكِ ، هيا يا حارتنا استعدي و تحضري وتهيأي ، وإحتوى أبنائك و اخفيهم في شوارعك القديمة من عيون المخبرين ، وأنتم يا شباب حارتنا ، أيرضيكم ما آلت إليه الأمور ؟ زوجة سيد بتطلع تقابل رجالة الحارات التانية وسايبه رجالة الحارة ، والشيخة صباح ربطت نص رجالة الحارة ولم يعودوا يمارسوا الجنس مع حريمهم بشكل طبيعي ، والغجر هايكلونا هايكلونا ، وأنا بحذركم منهم من سنين ، هايستولوا عليها وهايطردونا منها ، ولن نجد مأوى ، إستفيقوا يا شعب الحارة ، إن تاريخكم جبار ، و إنكم لجبارين ، فلما الدنية والذل والهوان ، إعلنوها ثورة لتصحيح الأوضاع ، قبل أن يخرج الأزل منكم الأعز ، وأنا بهرمي هذا أولكم ، إني منتظركم عند باب الحارة .