- ℃ 11 تركيا
- 27 ديسمبر 2024
عماد عفانة يكتب: "أونروا" ضرورة أم ضرر ... فلسفة اللجوء والعودة
عماد عفانة يكتب: "أونروا" ضرورة أم ضرر ... فلسفة اللجوء والعودة
- 4 ديسمبر 2021, 2:58:10 م
- 647
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تنبع أهميّة دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في حفظ الأمن والاستقرار الإقليمي، كي لا يشكل اللاجئون هاجسا قد يشكل تهديدا وجوديا لكيان العدو الذي أقيم مكان كيانهم، فزرع ارضهم، ونام على أسرتهم، وتمتع بالنظر من شرفات منازلهم، وتلذذ بثمار اشجارهم.
في الوقت الذي فشلت فيه هذه المنظمة الأممية في المحافظة على تجمعهم البشري، فساهمت في توزيعهم على دول اللجوء والشتات، من خلال ما قدمته لهم من مساعدات تبدوا في ظاهرها إنسانية، لكن في باطنها سياسية، ساهمت في تأبيد اللجوء إلى الأماكن التي لجأوا إليها بقهر وقوة السلاح.
تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في العودة إلى وطنه السليب، وإلى بيوته التي أخرج منها على وقع القتل والمجازر، والمقاومة التي مارسها لهذا الكيان الكولينالي الاحلالي، هو ما ساهم بحفظ تماسك الشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا، وليس الأونروا التي ولدت بقرار من القوى الاستعمارية الذين صنعوا نكبة الشعب الفلسطيني، لتصبح الأونروا أطول حقنة مخدر في التاريخ.
إن الابداع الذي صنعه الشعب الفلسطيني وما زال بتخريج المفكرين والمخترعين والأدباء والشعراء وقادة الرأي، والشخصيات العالمية المعروفة، ارتكز بشكل أساس على حجم الإصرار والتحدي الذي تميز به الشعب الفلسطيني، وتصديه لمحاولات محو هويته، عبر حملة التشريد والنفي والتذويب التي تعرض لها وما زال، فكانت هذه المساهمة الفعالة والمميزة في التقدمين الإنساني والبشري، في إطار المحافظة على الهوية الفلسطينية، وحرصا على التمايز كي لا تذوب هويته في المجتمعات التي اندمج فيها، ولم يكن بفعل مدارس الأونروا التي اتسمت بضعف إمكاناتها وقصورا مناهجها، وازدحام مزمن في فصولها.
التحديات المعروفة التي تواجه الشعب الفلسطيني، تحتم عليه الإقلاع عن النمط القديم في التعامل مع وظيفة الأونروا، لناحية الانتقال من التركيز على الهدف التي أنشأت من أجله، وهو تخذيل الشعب عن العودة من خلال اشغالهم بالمساعدات، ثم ربط هذه المساعدات بالتنكر لهويتهم الوطنية، واتفاق الذي وقعته الأونروا مع أمريكا خير شاهد ودليل، إلى الانتقال نحو الهدف الذي يصبوا إليها شعبنا وهو تحقيق حق العودة إلى وطنه ودياره وبيوته التي هجر منها.
يجب ألا ينخدع شعبنا الفلسطيني وجميع الداعمين لحقوقنا المسنودة بالقرارات الدولية الانشائية، بالمقولة المضللة التي تقول: يجب أن تبقى الوكالة على قيد الحياة "بأي ثمن"، لأن الثمن الذي يمكن أن يدفعه العالم من فقدان الامن والاستقرار الإقليمي والدولي جراء عجز الأونروا المالي وعدم قيامها بدورها في خدمات التعليم والصحة والمساعدة الاجتماعية وتنمية قدرات مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بصورة خاصة، أكبر بكثير من الآثار السلبية لهذا العجز على واقع ومستقبل الشعب الفلسطيني.
فالمحافظة على بقاء الأونروا مصلحة دولية وإقليمية أكبر منها فلسطينية، لذا لا يجب أن ننشغل ببقاء الأونروا ودعم العجز المزمن في موازنتها، قدر انشغالنا بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بتحقيق حق العودة لشعبنا المشرد واللاجئ في دول الشتات، وبإحياء الأمل في نفوس أبناء شعبنا الموزع على أصقاع الأرض، وحثهم جميعا على الانخراط بالعمل على إنجاز حق العودة.
إن التحديات التي باتت تواجه الأونروا والتي تتزايد يوماً بعد يوم، تحتم على شعبنا الفلسطيني الإقلاع عن النمط القديم في التعامل مع وظيفة الأونروا، لناحية قيام النخب الفلسطينية الذين يزدحم بهم شعبنا على امتداد رقعة العالم، لأخذ دورهم والمبادرة إلى تنظيم أنفسهم والعمل على مواكبة التحوّل والتحديات الدقيقة في المنطقة وفي العالم، وتوظيف الخلخلة التي يشهدها العالم بفعل ثقل القوة العالمية الذي يوشك على الانتقال من الغرب الى الشرق، والعمل على توظيفها باتجاه المساهمة في قيام الدولة الفلسطينية، ولم شمل أبنائها ونخبتها في فلسطين وفي الشتات، بما يجدد الأمل في حتمية العودة إلى فلسطين بحدودها التاريخية المعروفة.
بعد أكثر من 73 عاما على نكبة الشعب الفلسطيني 1948، وبعد أكثر من 72 على انشاء الأونروا 1049، هل تستحق الأونروا مكافأة، أم تستحق توجيه اللوم لها لكونها مثلت النموذج الأممي الأوّل في احتواء آثار الحروب الاستعمارية لجهة تحقيق مصالح المستعمرين، عبر اشغال الشعوب المستعمرة والمنكوبة في الشراكة عبر التعليم، وبتنمية قدرات الشعوب المشردة والمهجرة!
قد يقول البعض أن الأونروا تستحق الشكر والمكافأة من ناحية إنسانية باعتبارها نموذجاً مميزاً بين كل التجارب الدولية والإنسانية، لكنها تستحق اللوم والتقريع باعتبارها أداة سياسية في يد القوى الاستعمارية، لتأبيد نكبة اللجوء لشعب أنشأها من شرده وصنع نكبته.
بعد 73 عاما على النكبة، وبعد كل ما تراكم لدى شعبنا من علم وتجارب ومعرفة ووعي، وجب علينا تخطي الآليات والذهنيات المرتهنة إلى ما تقدمه الدول المانحة للأونروا التي باتت تستهدف -باتفاق الإطار- مسح هويتنا الوطنية، لصالح مطالبة هذه الدول بالاعتذار عن الخطيئة التي ارتكبوها بمساهمتهم او على الأقل بصمتهم على إقامة دولة استعمارية فوق أرض شعبنا مسالم بالقوة المسلحة التي وفروها لها.
لن يشعر شعبنا الفلسطيني بالكرامة أبداً بالأموال التي تقدمها الدول المانحة للأونروا، ولا بالخدمات الاغاثية التي تقدمها، فالكرامة للشعب الفلسطيني لن تتحقق إلا بعودته إلى وطنه السليب، وإلى أرضه المنهوبة، وإلى بيوت ومزارع وشوارع وبيارات الآباء والأجداد، وفي سبيل تحقيق ذلك قدم شعبنا وما زال الأرواح والأموال والبوت والأبناء، فالكرامة لا تقدر بثمن.