- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
عمرو حمزاوي يكتب: بين آثار التغير المناخي والبحث عن سياسات بديلة… حال الزراعة في مصر
عمرو حمزاوي يكتب: بين آثار التغير المناخي والبحث عن سياسات بديلة… حال الزراعة في مصر
- 26 سبتمبر 2023, 1:09:39 م
- 524
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على الرغم من أن القيود البيئية والسياسات الزراعية المُجْهِدّة هي أهم مسببات ندرة المياه في مصر، إلاّ أن تغير المناخ سيضع ضغوطاً إضافية على أنظمة المياه غير المستقرة في البلاد. حيث ستهدد درجات الحرارة المرتفعة ومعدلات هطول الأمطار غير المنتظمة ونوبات الجفاف المتكررة الموارد المائية المصرية تهديداً كبيراً. وبما أن النسبة الكبرى من معدلات استهلاك المياه تذهب لتلبية الاحتياجات الزراعية ورعي الماشية، فإن ندرة المياه التي تتفاقم بسبب تغير المناخ ستؤثر بدورها سلباً على الإنتاج الغذائي في مصر، وسَتُعَرّض أرزاق الرعاة والمزارعين المصريين للخطر.
ومبدئياً، من المتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى تراجع معدلات هطول الأمطار في البلاد، وهي معدلات شحيحة يتركز معظمها حول ساحل البحر الأبيض المتوسط في المناطق السفلى من القطر المصري. وبما أن تغيير المناخ يعرقل الأنماط الجويّة ويدفع بالسحب الممطرة في اتجاه الجنوب، فقد يصبح من الصعب الاعتماد حتى على الحد الأدنى لمعدلات هطول الأمطار، وهو ما قد يكونُ مدمّراً بالنسبة لدولة مثل مصر تعاني من شح المياه وما يترتب عليه من مشاكل تؤثر على الأمن الغذائي وسُبُل العيش والموارد الاقتصادية لمزارعي الأراضي الجافة الذين يعتمدون على الري البعْلي (المَطَري) في ري أراضيهم ورعي مواشيهم. وبالنظر إلى أن «معظم المزارعين في مصر يُصَنّفون على أنهم من أصحاب الحيازات الصغيرة، حيث يمتلك ما يزيد عن 80 في المئة منهم أقل من هكتارين من الأراضي ذات المحاصيل، بينما يمتلك 50 في المئة منهم أقل من 0.4 هكتار من الأراضي» فإن تغير المناخ سيُعمق، لا محالة، انعدام المساواة الاقتصادية القائمة بين مزارعي الكفاف الذين يعتمدون على الأمطار اعتماداً كلياً، والمزارعين التجاريين الذين يعملون على نطاق أوسع بفضل مواردهم الكبيرة.
أما ارتفاع درجات الحرارة فمن شأنه أن يؤدي إلى مزيدٍ من القصور في إمدادات المياه في مصر، مما سيؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالإنتاج الغذائي، وهو أمر يدعو للقلق بالنسبة لدولة كانت تعاني من تنامي درجات الحرارة على مدار عقود. إن تزايد حرارة الأجواء في مصر يعني أن البلاد ستتعرض لمعدلات نتح نباتي متنامية، وأن معدلات تبخر المياه السطحية ستتزايد وهو ما سيقلل من كميات المياه المتاحة للزراعة. والحقيقة أن التوقعات المناخية في مصر تبدو غير مُبشّرة بالمرة في ظل الأوضاع الراهنة، حيث من المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار 2.1 درجة مئوية قبل منتصف القرن الحالي، وبمقدار 4.4 درجة مئوية قبل نهاية القرن. وسيرافق هذا الارتفاع طردياً تزايد الطلب على المياه اللازمة لري المحاصيل الزراعية، حيث ستتطلب المحاصيل الشتوية زيادة تقارب 7.1 بالمائة بحلول عام 2050، وزيادة تصل إلى 13.2 في المئة بحلول 2100. أما المحاصيل الزراعية الصيفية فإنها ستحتاج إلى زيادة تصل إلى حوالي 11 في المئة في معدلات مياه الري السنوية لتتمكن من التغلب على اشتداد الحرارة.
إذا أرادت مصر أن تتغلب على تحديات النمو السكاني المتسارع وآثار تغير المناخ، فسيتعين عليها، عاجلاً أو آجلاً، مواجهة واقع محدودية مواردها وما يفرضه هذا الواقع من ضرورة إجراء تخفيضات كبيرة في معدلات استهلاك المياه
ومن ناحية أخرى قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في البلاد إلى زعزعة استقرار سلسلة الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعار الحبوب وإلحاق الضرر بالاقتصاد الريفي المعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية. حيث سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة على أطوال مواسم النمو وسيقلل من كميات المحاصيل المُنْتَجَة وسيغير من طبيعة الأراضي التي كانت تناسب زراعة محاصيل بعينها. على سبيل المثال فإن ارتفاع الحرارة في مصر قد يدفع المزارعين إلى زراعة القمح وأشجار الفاكهة الموسمية متساقطة الأوراق في المناطق الشمالية التي تتمتع بمناخ ألطف نوعاً ما وتربة أكثر قابلية لإنتاج مثل هذه المحاصيل. وكذا فإن مواسم النمو القصيرة وانخفاض غلة المحاصيل وتغيير الأماكن الزراعية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، بل وقد يؤدي إلى نقص حاد في المنتجات الغذائية. أما بالنسبة للمواشي فإن ما تتعرض له من إجهاد حراري سيؤثر على انتاجها من الألبان وهو ما قد يؤثر بدوره على مصدر هام من مصادر الغذاء والدخل في المناطق الريفية.
باختصار سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيير المشهد الزراعي في مصر تغييراً جذرياً وإلى تعطيل إنتاج الغذاء في البلاد.
وباجتماع آثار انخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة معاً، فإن القطاع الزراعي المصري الكبير والمعتمد اعتماداً كلياً على مياه الري سيتعرض لهزة جبارة كلما تواترت موجات الحرارة والجفاف. فازدياد حرارة الأجواء وندرة الأمطار يرافقها طردياً ازدياد معدلات بخر المياه السطحية وانخفاض معدلات امتلاء مخازن المياه الجوفية في باطن الأرض مما يعني نقصا حادا في إمدادات المياه العذبة في مصر. وكلما انخفض محتوى رطوبة التربة ومستوى المياه الجوفية المخزونة كلما زادت احتمالات تعرض البلاد لمخاطر الجفاف في العقود المقبلة.
ولا شك بأن الخسائر الزراعية ستؤثر على المصريين في الريف والحضر على حد سواء. حيث كان القطاع الزراعي، في عام 2021، مسؤولاً عن تحقيق ما يقارب من 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المصري، والتشغيل الرسمي لما يقارب خُمس معدل القوة العاملة في مصر التي شارك حوالي 55 في المئة منها في أنشطة زراعية من نوع ما. وهكذا وعلى الرغم من أن أصحاب الحيازات الصغيرة في المناطق الريفية سيكونون أكثر الفئات تضرراً من الخسائر الزراعية المتوقعة إلا أن المصريين في المناطق الحضرية ايضاً سيتعين عليهم التأقلم مع الأسعار الفلكية للمواد الغذائية ومع النقص الهائل في كميات المياه المتاحة للاستخدام المنزلي. ولمعالجة هذه التحديات المنهجية الصعبة سيتوجب على مصر مراجعة وتنشيط إدارتها المتقاعسة لملف المياه.
وقد وضعت الحكومة مسألة تحلية المياه حجر زاوية في استراتيجية حوكمة المياه طويلة الأجل من خلال تخصيص 50 مليار دولار لتحديث البنية التحتية للمياه في مصر بحلول عام 2037. وتأمل مصر أن تؤدي إضافة أربع عشرة محطة جديدة لتحلية المياه إلى منشآتها الحالية، البالغ عددها 82 منشأة، إلى زيادة كبيرة في قدرتها اليومية على تحلية المياه. وعلى الرغم من أن هذا التوسع الصناعي في إمدادات المياه في مصر قد يكون خطوة أولى إيجابية، إلا أنه لن يعالج فجوة الطلب على المياه على المدى الطويل. فلا يمكن لمصر الاعتماد بشكل حصري على تعديل وتنظيم استخدامات المياه، حيث إن تحسين الري ومعالجة مياه الصرف الصحي والمزيد من تحلية المياه ليست حلولا هيكلية لأزمة المياه في مصر. وبدلا من ذلك، يحتاج صانعو القرار إلى إعادة النظر بشكل أساسي في السياسات المطبقة. إذا أرادت مصر أن تتغلب على تحديات النمو السكاني المتسارع وآثار تغير المناخ، فسيتعين عليها، عاجلاً أو آجلاً، مواجهة واقع محدودية مواردها وما يفرضه هذا الواقع من ضرورة إجراء تخفيضات كبيرة في معدلات استهلاك المياه وتقليص الحصص المخصصة للقطاع الزراعي.
كاتب من مصر