- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عمرو حمزاوي يكتب: على الرغم من نابولي… سطوة المال على كرة القدم تتواصل!
عمرو حمزاوي يكتب: على الرغم من نابولي… سطوة المال على كرة القدم تتواصل!
- 23 مايو 2023, 4:20:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لكرة القدم رومانسيتها الخاصة التي تقضي عليها اليوم التناقضات بين مواهب اللاعبين وجماهيرية الفرق وتواريخها مع الألقاب وجولاتها مع منافسيها التقليديين من جهة وأموال الإدارات واستثمارات الرعاة وانحيازات الإعلام من جهة أخرى.
يندر ألا تجد في الدوريات العريقة في أوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وافريقيا فرقا يشجعها خليط من علية القوم من الأغنياء وأصحاب الامتيازات وبعض شرائح الطبقات الوسطى، وفرقا تنافسها ينتمي مناصروها إلى الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل والطبقات العمالية وقد تنضم إليهم في بعض الأحيان شرائح وسيطة تسكن إما المدن أو المناطق الريفية. ويندر أيضا ألا تجد فرقا ذات جماهيرية طاغية في مدن أو مناطق بعينها تنافسها فرق لها مشجعوها في مدن ومناطق أخرى، وقد تتصارع بعض الفرق على المناصرين في نفس المدينة أو المنطقة وتكون الفوارق إما فوارق الغنى والفقر أو فوارق الخلفيات العرقية المتنوعة أو فوارق الخصوصيات المحلية لأحياء بعينها.
اليوم، صار من غير المحتمل أن تنافس على البطولات الفرق التي يناصرها الفقراء ومحدودو الدخل والطبقات العمالية أو التي تتواجد في المدن والمناطق البعيدة عن مراكز المال والاستثمارات. اليوم، صار من المعروف مسبقا وقبل أن تنطلق مسابقات كرة القدم في إنكلترا أو الأرجنتين أو مصر أو جنوب إفريقيا هوية الفرق التي ستتقاسم الألقاب فيما بينها.
كبرت في حي من أحياء مدينة القاهرة (حي المهندسين) كان العدد الأكبر من سكانه يشجع فريق النادي الأهلي المصري (الشياطين الحمر كما كنا نسميهم) وغير بعيد عنه كانت هناك أحياء بأكملها (حي ميت عقبة مثالا) تحمل رايات المنافس التقليدي نادي الزمالك (مدرسة الفن واللعب والهندسة كما كان يحلو لمناصريه الإشارة إليه). وكانت الفوارق بين الأحياء ترتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة بين الأغلبيات، فهنا طبقات وسطى وهناك طبقات عمالية مع بعض الاستثناءات.
وعلى الهوامش، بين هنا وهناك في القاهرة، مشجعون لفرق ذات حضور جماهيري في دوائر جغرافية أو مهنية محددة، فرق كانت لها صولات وجولات في منافسات كرة القدم المصرية وأعدت لاعبين متميزين كفريق نادي الترسانة (التابع لشركة ورش الزي الحكومية والذي كان مشجعوه يطلقون عليه لقب «الشواكيش» ويوجد ملعبه في حي ميت عقبة غير بعيد عن مقر نادي الزمالك) الذي فاز ببطولة الدوري الممتاز في موسم 1962/1963 وحصل عدة مرات على لقب كأس مصر وأخرج للكرة المصرية لاعبين من طراز رفيع (كالمهاجم حسن الشاذلي ولاعب خط الوسط الهجومي مصطفى رياض والمدافع بدوي عبد الفتاح).
وبينما اعتاد «الأهلاوية» و«الزملكاوية» اقتسام البطولات والألقاب، وأيضا الاستحواذ على نصيب الأسدين من الاهتمام الإعلامي والدعم المالي والمجاملات الإدارية والتحكيمية، برزت في المنافسات المصرية حتى ثمانينيات القرن العشرين فرق من خارج العاصمة كانت في سنوات عديدة تنازع ناديي القاهرة سيطرتهما وقدم بعضها مستويات بدنية وجمالية رائعة للغاية وحصد بعض البطولات على الرغم من التهميش الإعلامي وقلة المال والظلم الإداري.
صار من غير المحتمل أن تنافس على البطولات الفرق التي يناصرها الفقراء ومحدودو الدخل والطبقات العمالية أو التي تتواجد في المدن والمناطق البعيدة عن مراكز المال
هنا يذكر فريق النادي الإسماعيلي (نسبة إلى مدينة الإسماعيلية والملقب لاعبوه بالدراويش) الذي تميز منذ الستينيات بأسلوب في لعب الكرة هو إلى فرق البرازيل أقرب واعتمد على فلسفة هجومية لا تعرف التحفظ الدفاعي كان لها أبطالها كالمهاجم علي أبو جريشة). هنا يذكر أيضا فريق النادي المصري البورسعيدي (نسبة إلى مدينة بورسعيد) الذي يعشقه مناصروه بجنون ولعب له في السبعينيات أحد أفضل المهاجمين المصريين في تلك الفترة، مسعد نور الملقب بالكاستن، وفريق مدينة المحلة في دلتا مصر أو فريق «الفلاحين» الذي حصل على بطولة الدوري الممتاز في السبعينيات (موسم 1972/1973) بفضل لاعبين بديعين كعمر عبد الله وحنفي هليل وعماشة، والفريق السكندري نادي الاتحاد (الملقب بسيد البلد) والذي كان له أيضا في السبعينيات مجموعة رائعة من اللاعبين أبرزهم بوبو والبابلي والجارم وحصد كأس مصر عدة مرات.
غير أن حقائق الجماهيرية الطاغية وتوفر المال والاهتمام الإعلامي والانحياز الإداري لفريقي العاصمة الكبيرين الأهلي والزمالك ميزت ضد نوادي الأقاليم وحدت من فرصها في الفوز بالبطولات ودفعت الكثير من لاعبيها المتميزين إلى الالتحاق بفريقي العاصمة للحصول على نجاحات رياضية وعوائد مادية وأدبية كثيرة. وما أن أصبحت كرة القدم رياضة احترافية في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، إلا وصارت الفوارق بين «من معهم» المال كالأهلي والزمالك وبعض أندية العلامات التجارية الشهيرة (فريق سيراميكا كليوباترا) أو الاستثمارات المصرية (فريق البنك الأهلي) والعربية (فريق بيراميدز) ومن «ليس معهم» غير قابلة للتجاوز رياضيا وإداريا وأضحت احتمالية حصول من ليس معهم كأندية الأقاليم المشار إليها أعلاه على بطولات الدوري والكأس تقترب من صفر بالمائة.
وإذا كانت مثل هذه التناقضات بين المال والاستثمارات والإمكانات المتوفرة للأندية الكبيرة في العواصم من جهة وبين التواريخ العريقة والمواهب العظيمة لأندية الأقاليم التي لم تعد قادرة على المنافسة تحضر في السباق المصري وتجرد كرة القدم من رومانسيتها المرتبطة بمفاجآتها والارتباك المستمر لحسابات الفوز والهزيمة، فهي تتكرر بذات الحقائق والتفاصيل في سياقات شرق أوسطية وأوروبية وأمريكية لاتينية وإفريقية عديدة. ولا شك في أن الهيمنة شبه المطلقة لفرق الأغنياء على المسابقات في إنكلترا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا طوال السنوات الماضية تقدم دليلا جليا على أن كرة القدم كادت تصبح لعبة رياضية معلومة النتائج مسبقا.
نعم فاز بلقب الدوري الإنكليزي نادي ليستر سيتي في موسم 2015/2016 وحقق بذلك مفاجأة فوز فريق ليس من فرق الأغنياء ويتواجد خارج المراكز الكبيرة المال والاستثمارات. وحصد لقب الدوري الإيطالي في الموسم الحالي 2022/2023 نادي نابولي منتزعا إياه من بين أنياب أسود الشمال في تورينو (يوفنتوس) وميلانو (حيث يتواجد فريقان كبيران) وقد يكون نادي الطبقة العمالية الصناعية الألمانية بروسيا دورتموند قاب قوسين أو أدنى من الحصول على لقب الدوري الألماني في الموسم الحالي وكل ما يحتاجه هو الفوز في مباراته الأخيرة على ملعبه وبين أنصاره العاشقين له بجنون (إلا أن دورتموند، وأنا منحاز له، يظل فريقا غير مضمون النتائج وصعب الخواتيم).
غير أن نادي المال الوفير والاستثمارات الواسعة في إنكلترا، مانشستر سيتي، صار اليوم يحتكر لقب الدوري الإنكليزي وحسمه لصالحه في الموسم الحالي بعد منافسة شرسة من قبل نادي الأرسنال (ترسانة لندن) الذي انهار في الجولات الأخيرة مع طول الموسم وضعف بدلائه مقارنة بفريق المدرب بيب جوارديولا الذي يملك دكة بدلاء لا تقل موهبة ولياقة عن اللاعبين الأساسيين. وفوز نابولي بالدوري الإيطالي وانتصار نادي الجنوب الفقير على أندية الشمال الغني بمثل استثناء بديعا جاء بعد فوزين سابقين في موسمي 1986/1987 و1989/1990 حين كان يلعب له خالد الذكر دييجو أرماندو مارادونا. وحصول «عمال» دورتموند على لقب «البوندزليجا» في 2022/2023، أن حدث، سيكون الانتصار الأول لفريق غير البافاري الغني، بايرن ميونيخ، بالدوري الألماني منذ 2012/2013. وينطبق نفس التحليل على هيمنة العملاق الإسباني ريال مدريد على الدوري هناك وإن لم يحصل عليه هذا الموسم، وعلى النجاحات المتكررة لفريق باريس سان جيرمان في فرنسا.
تختفي رومانسية كرة القدم تدريجيا، ولم يعد للمنتصرين في ملاعبها من أسماء اعتيادية سوى مانشستر سيتي وبايرن ميونيخ وريال مدريد ويوفنتوس وباريس سان جيرمان أوروبيا والأهلي المصري والوداد المغربي إفريقيا وبوكا جونيورز في أمريكا اللاتينية مع استثناءات قليلة هنا وهناك. صار المال والاستثمار الرياضي والإمكانات الإدارية هي العناصر المحددة مسبقا لهوية المنتصرين، وفي المقابل باتت فرص الفرق البعيدة عن مراكز المال في الأحياء الفقيرة والأقاليم البعيدة (فرق المظاليم كما كان يسميها في السياق المصري الصحافي الرياضي الراحل الأستاذ نجيب المستكاوي) في المنافسة بالغة المحدودية.