- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عمرو حمزاوي يكتب: لتذهب تفضيلات الطبقة الوسطى إلى الجحيم
عمرو حمزاوي يكتب: لتذهب تفضيلات الطبقة الوسطى إلى الجحيم
- 5 سبتمبر 2022, 10:48:59 م
- 666
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أجلس في غرفة ابنتي وأنظر في محتوياتها. يشدني صندوق من الورق المقوى كتبت عليه العبارة التالية: قديم جدا لكي تأخذه معك، ولكن جيد جدا فلا تلقي به – اتصل بنا!
أفتح الصندوق، فأجد بعض أوراقي القديمة وبعض المتعلقات الشخصية القديمة أيضا، وسرعان ما أتذكر حكاياتها الصغيرة.
هاروكي موراكامي، رواية «كافكا على الساحل»، صفحة 23: لا معنى لكل ذلك، بافتراض بحثك عن معنى. جميعا نأتي من مكان ما، ونتوجه إلى مكان ما آخر. هذا هو كل ما تحتاج إلى معرفته، أليس كذلك؟
أبعثر أوراقي القديمة. تظهر قصاصات صحف تعود إلى التسعينيات، مقالات عن الفاشية الجديدة في أوروبا وخطر تجاهل توعية الناس بالمذابح التي ارتكبتها الفاشيات القديمة.
أجد مقالات عن دور القواعد الدستورية والقانونية العادلة في صناعة الديمقراطية وتمكين المواطن من الحياة في حرية والاختيار بحرية.
أعثر على أكثر من حوار مع أدباء وفلاسفة ومبدعين عن بشرية القرن الحادي والعشرين واحتياجها إلى عقد اجتماعي جديد ينقذها من الدمار البيئي ويضع النهايات الضرورية للفقر والمرض والاستغلال والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.
ومن بين الحوارات حوار مع الأديب التشيكي ميلان كونديرا عن الهوية والأحلام وانعتاق الذات من القيود المادية ومن الإملاءات التي تفرضها المجتمعات الحديثة على المواطن الفرد.
صراعات الدور والمكانة والسعي العمدي لترك شيء ما، جميعا ليست سوى عناصر رؤية المنتمين إلى الطبقات الوسطى للحياة، ولا شأن لها بصراعات الوجود التي تنخرط بها الطبقة الفقيرة
بعض الهموم والاهتمامات الشخصية تتجاوز، إذا، حدود الظروف المتغيرة للحياة الشخصية والمهنية. بل وتأبى أن يهال عليها التراب بمرور الزمن. هي زاد الرحلة من «مكان ما» إلى «مكان ما» آخر، على حد تعبير موراكامي. هي المعنى الوحيد القابل للبحث عنه حين يهدأ الضجيج الذي نحدثه وننسحب من صراعات الدور والمكانة والسعي العمدي لترك «شيء ما» عند الرحيل.
أبعثر المحتويات، وأتذكر مقالا طالعته منذ سنوات عن احتياج عالمنا لبشر لا يتركون شيئا عند الرحيل ولا ينشغلون كثيرا بما يتعين عليهم تركه.
هاروكي موراكامي، رواية «كافكا على الساحل»، صفحة 448: حسنا، لنفترض إنني أريد قتله. كيف لي أن أفعل ذلك؟ أنا لا أعرف حجمه ولا أعرف شكله. صعب أن تخطط للقتل عندما لا تعرف الحقائق الأساسية عن الضحية.
صراعات الدور والمكانة والسعي العمدي لترك شيء ما، جميعا ليست سوى عناصر رؤية المنتمين إلى الطبقات الوسطى للحياة، ولا شأن لها بصراعات الوجود التي تنخرط بها الطبقة الفقيرة والفئات محدودة الدخل ولا صله لها أيضا بصراعات السلطة والنفوذ التي تشغل نخب الحكم والثروة.
وإذا كانت الطبقات الوسطى تعجز بانتظام عن انتزاع شراكة حقيقية مع الأغنياء وعادة ما تتوقف حتى في لحظاتها الثورية دون مساءلة ومحاسبة الفاسدين منهم، فإنها كثيرا ما تخضع الفقراء ومحدودي الدخل لسطوة أحلامها هي وتدعي الملكية الحصرية «للحقيقة» وللحديث باسم المبادئ السامية والمثل العليا.
بل أن الطبقات الوسطى، في إدارتها لعلاقتها غير المتوازنة مع الأغنياء من جهة ومع المهمشين من جهة أخرى، قد تتورط في عنف مجتمعي واسع إن للإبقاء على تفوقها على الفقراء ومحدودي الدخل أو لإزاحتهم بعيدا عن الفضاء العام (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) حين تشعر بتهديد لامتيازاتها، امتيازات الدور والمكانة وترك شيء ما.
لم أعد مهموما بما سأترك عند الرحيل، ولم تعد تفضيلات الطبقة الوسطى وتناقضاتها الكثيرة تشغلني. فقط، أبحث عن شيء من الصدق والعدل والسعادة اليوم وهنا في لحظة مصرية وعربية وعالمية بالغة القلق وعالية الصعوبة.
كاتب من مصر