- ℃ 11 تركيا
- 23 ديسمبر 2024
عمرو علان يكتب: دولة الاحتلال وحركات المقاومة في ظل الهزّة الأوكرانية
عمرو علان يكتب: دولة الاحتلال وحركات المقاومة في ظل الهزّة الأوكرانية
- 24 مارس 2022, 6:22:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تدور الحرب في أوكرانيا كما بات واضحًا بين معسكرين، أحدهما روسيٌ مدعوم صينيًا بشكلٍ أساسيٍ، وبدعمٍ غير مباشرٍ من دولٍ أخرى تسعى لكسر الهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية. وفي المقابل، معسكرٌ غربيٌ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مع بعض الدول التي تخضع كليًا للنفوذ الأمريكي كاليابان مثلًا، لكن في وضع حلفاء أمريكا تفصيلٌ على ما سيأتي لاحقًا.
ويمكن قراءة أهداف كل معسكرٍ على النحو الآتي:
ـ تسعى روسيا بدايةً إلى هدفٍ مباشرٍ يتمثل في تحييد الخطر الأوكراني،الذي باتت تُشكِّله أوكرانيا عليها بعد أحداث "الثورة الملونة" في 2014، التي تم هندستها أمريكيًا، والتي أفضت إلى تنصيب نظامٍ عميلٍ للغرب، حيث باشر هذا النظام بدعمٍ وتوجيهٍ أمريكيين مساعي الانضمام لحلف شمال الأطلسي بصورة فعلية، في خطوةٍ تصب في مصلحة الأمريكي، لكنها تتعارض والمصالح القومية الأوكرانية بصفتها دولة جارة لروسيا، وتربطها بها علاقات تاريخية مميزة. وأما الهدف الروسي الصيني الأبعد، فيتمثل في إلحاق هزيمةٍ إستراتيجيةٍ بالولايات المتحدة الأمريكية عبر إحباط خطتها في أوكرانيا، مما يثبِّت: أولًا، تراجع القدرة الأمريكية على الساحة الدولية. وثانيًا، فتح الباب أمام دينامية بعيدة المدى يمكن أن تفضي إلى إعادة تموضع دول الاتحاد السوفييتي السابقة خارج نفوذ حلف شمال الأطلسي، ويكون هذا حال حصل إعادة لعقارب الساعة إلى 1997.
أما الأهداف الأمريكية المباشرة في هذه الحرب، فتتمثل في محاولة إنهاك روسيا عسكريًا قدر المستطاع في أوكرانيا كهدفٍ تكتيكيٍ، مما سيضعف من مكانة روسيا العسكرية إذا ما نجحت في ذلك أمريكا وحلف شمال الأطلسي. وأما إستراتيجيًا، فتسعى أمريكا إلى تدمير الاقتصاد الروسي وانهياره بشكلٍ كاملٍ، وذلك من خلال الحرب الاقتصادية الشرسة التي تشنها بالشراكة مع حلفائها ضد روسيا، في محاولةٍ لإنهاء الدور الروسي تمامًا، مما يمكن أن يفضي إلى تفكك روسيا الاتحادية لاحقًا، وتعي روسيا أن الحرب الاقتصادية التي بدأها الغرب عليها مستمرةٌ حتى بعد انتهاء المعركة العسكرية في أوكرانيا، ولا أدل على ذلك من تصريح رئيس وزراء بريطانيا حينما قال: إن إعادة تطبيع العلاقات مع بوتين كما حصل بعد 2014 سيكون خطأ، وكذلك تلك الدعوات التي خرجت من بعض الأوساط الغربية والتي تدعو إلى محاكمة الرئيس فلاديمير بوتين كمجرم حرب!
وأما على المدى المتوسط أو البعيد حسب تطورات الحرب ضد روسيا، فتهدف أمريكا من وراء تحييد روسيا عن ساحة التنافس الدولي إلى التفرغ لمواجهة الصين لاحقًا، بعد أن تكون قد أفقدت الصين حليفًا إستراتيجيًا، يعد وجوده عاملًا حاسمًا في المواجهة الأمريكية الصينية، وبعد أن بات الأمريكي يعتقد بصعوبة تكرار تجربة هنري كيسنجر مع الصين في حقبة الحرب الباردة.إذن، فنحن أمام حربٍ دوليةٍ حاسمةٍ، يسعى كل طرفٍ فيها إلى تحقيق نصرٍ إستراتيجيٍ، لذلك الراجح أن تطول هذه الحرب وتزداد تعقيدًا مع مرور الزمن، وبات هذا المسار يتجلى في تصاعد حدة الخطاب الصيني في مواجهة الضغوط الأمريكية عليها، وفي المقابل في التصاعد التدريجي للضغوط الأمريكية على الصين، وذلك في محاولةٍ لإجبارها على الابتعاد عن روسيا في هذا الاشتباك، وتأتي العقوبات التي فرضتها أمريكا مؤخرًا على مسؤولين صينيين من خارج سياق الأحداث في هذا الاطار.
وتبرز هنا القضية التي يود تقدير الموقف هذا التركيز عليها، فلقد كان لافتًا موقف بعض حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية التقليديين اتجاه الحرب الدائرة، حيث مازالت دولٌ كالإمارات والسعودية وتركيا ومعهم دولة الاحتلال تتململ في اتخاذ موقفٍ واضحٍ، يساند بشكلٍ كاملٍ وعمليٍ الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا، وتتباين التقديرات حول خلفيات هذا التململ، فمنها ما يضع موقفيّ الإمارات والسعودية ضمن مناوراتٍ سياسيةٍ بهدف تحصيل مكاسب من الولايات المتحدة الأمريكية في ملفاتٍ إقليميةٍ، كملف العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وملف الحرب على اليمن، وأخرى تضع موقف تركيا ودولة الاحتلال في سياق حساباتٍ لدى هذين الأخيرين، تتعلق بعدم رغبتهما في إغضاب روسيا، لا سيما بعد أن بات لروسيا حضورٌ حاسمٌ في منطقتنا.
لكن أيً كان الحال، فالراجح أمران:
إن هذا التململ ما كان ليكون لولا تراجع سطوة الولايات المتحدة الأمريكية على حلفائها وفي العالم عمومًا، بغض النظر عن دوافع كل طرف لموقفه الضبابي اتجاه المعركة الراهنة.أنه نتيجةً لطبيعة المعركة الإستراتيجية كما تبين آنفًا، وارتفاع احتمالية أن تطول وتزداد تعقيدًا مع مرور الزمن، فمن الطبيعي أن يزداد الضغط الأمريكي على حلفائه لاتخاذ موقفٍ واضحٍ ضمن أحد المعسكرين المتقابلين، وهذا ما بدأت تظهر مؤشراته بالفعل. وعليه، ستجد دولة الاحتلال نفسها مضطرًة للاختيار عاجلًا أم آجلًا، وعلى الأغلب لن تتمكن من المراوغة في مواقفه كثيرًا مع احتدام المعارك، وستكون من عجائب الدنيا إن اختارت التموضع في المعسكر الشرقي ضد المعسكر الغربي، فدولة الاحتلال ليست حليفًا للغرب وحسب، بل هي صنيعته بالكامل، ومرتبطٌة به عضويًا ووجوديًا، وتظل هذه الحقائق أمرًا حاسمًا في خياراتها، مهما تعددت علاقات دولة الاحتلال بدولٍ أخرى حول العالم كبيرةً كانت أم صغيرةً، ويشار هنا إلى الأنباء التي تم تداولها عن بدء الترتيبات لزيارةٍ محتملةٍ لرئيس وزراء دولة الاحتلال قريبًا للعاصمة الأوكرانية كييف.
توصيف "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا على أنها احتلال، ليس بالأمر الأبيض والأسود حسب القانون الدولي كما يحاول الغرب الترويج، فنجد مثلًا أن دولتين كبيرتين وأساسيتين كالصين والهند قد رفضتا إدانة "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا،وكون هذه المعركة المحتدمة حاليًا تعد معركةً مصيريةً لروسيا وحتى للصين، فلابد أن يكون لتموضع دولة الاحتلال في المعسكر الغربي ـ كما هو متوقعٌ ـ أثرٌ بالغٌ على علاقاتها بروسيا وبالصين كذلك. ويفتح هذا لحركات المقاومة لا سيما الفلسطينية منها، بابًا واسعًا للعب على تناقض المصالح بين روسيا والصين وبين الكيان المؤقت إذا ما أحسنت اقتناص الفرصة، ففي نهاية المطاف، الكثير من السلاح النوعي والكاسر للتوازن الذي حصلت عليه حركات المقاومة كان روسيًا وصينيًا. ويبقى أخيرًا الإشارة إلى كون توصيف "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا على أنها احتلال، ليس بالأمر الأبيض والأسود حسب القانون الدولي كما يحاول الغرب الترويج، فنجد مثلًا أن دولتين كبيرتين وأساسيتين كالصين والهند قد رفضتا إدانة "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا، هذا ناهيك عن أنه لا خلاف على كون العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، التي فرضها الغرب على روسيا، تعد خرقًا سافرًا لقواعد التجارة الدولية، وقوانين حرية التجارة حسب منظمة التجارة العالمية "WTO".
وأما بخصوص الموقف الذي تم وصفه من البعض بموقفٍ "أخلاقي"، والذي قالت به بعض الهيئات العربية التي باتت لبرالية الهوى في جل مواقفها، ومنسجمةً مع الدعاية الغربية في تَقييم غالبية الأحداث الدولية والإقليمية، بغض النظر عن توجه تلك الهيئات سواءً أكانت إسلاميةً أم علمانيةً أم يساريةً، فبإمكانهم مراجعة كلمة الرئيس الأوكراني أمام "كنيست" الكيان المؤقت، حينما ادعى أن ما تتعرض له أوكرانيا من "خطر وعدوان" روسي، يماثل ما يتعرض له الكيان المؤقت من حركات المقاومة، ويحق لنا توقع أن يعتمد الغرب هذه الرواية كونها تدغدغ مشاعره العنصرية وتنسجم مع مصالحه الاستعمارية.