- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
فؤاد راشد يكتب حكايات من دفتر الزمن
فؤاد راشد يكتب حكايات من دفتر الزمن
- 15 أبريل 2021, 1:13:10 ص
- 928
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مسلسل بهانة بنت محروسة !
ذات يوم قائظ , قرب المغرب , كان أحد الضيوف قد انصرف بعد زيارة قصيرة لدارنا , وعقب انصرافه بقليل حلت ضيفة أخري .
كنت في نحو السادسة من عمري , ولم يكن يشغلني من جاء ولا من رحل , لكن الضيف المنصرف كان ذا أهمية , مما استتبع – مبالغة في اكرامه – تقديم زجاجة كوكاكولا له , وهو أمر خارج عن الضيافة المألوفة – وقتها - بتقديم كوب من الشاي للضيف العابر..
ظلت عيناي تتابعان الضيف حتي فرغ من تناول شرابه والقي غطاء الزجاجة علي الأرض , وسرعان ما زحف الغطاء المجنون تحت احدي الكنبات الاستنابولي العتيقة واختفي ..
جلست الضيفة وبدأت تحكي حكايتها لأبي – رحمه الله - ولم أكن أحفل بشيء مما تقول, كان كل همي العثور عن الغطاء الملعون الذي اختفي كأن عفريتا التقطه .
كنت أوشك أكمل ( العجلة الثانية ) المصنوعه من تجميع عدد من غطاء زجاجات الكوكاكولا بعد تهيئتها ليمر منها جميعا خيط مطاط , ثم تثبيت العجلتين بعصا أو عود جاف من الغاب , ثم تكون عربة أتنقل وهي أمامي بين ربوع القرية و تكون وسيلة لمكايدة باقي الصبية بمنظرها البديع ..
كان الصبي الذي يمتلك لعبة كهذه , أو كرة ( كفر ) يرتقي درجات في سلم الأهمية والسطوة بين سائر الأقران ..
بدأت الزائرة تحكي حكايتها ..
كانت تجلس علي كرسي خشبي قديم , بينما يجلس المرحوم والدي علي بعد نحو متر منها ينصت لحكايتها ..
مررت بجوار الزائرة مرارا , وفي كل مرة القي نفسي تحت احدي الكنبات باحثا عن الغطاء دون جدوي , وبدأ والدي يزجرني بنظراته , وتجاهلت زجره وواصلت البحث , غير آبه بغضبه البادي , فالأمان من العقاب باق مابقيت الضيفة ....
بدأ صوت الشابة يتحول الي البكاء ..
لتبكي كما شاءت , فذلك أمر لايخصني ..
بعد قليل تحول البكاء الي نشيج موجوع , وتجمدت مكاني , ووقفت أنظر اليها , ونسيت – مؤقتا – رحلة البحث عن ضالتي المنشودة ..
كانت تقول كلمات من قبيل ( طيب ذنبي ايه اني يتيمه ؟ بتعايرني بفقر المرحوم أبويا , أنا ذنبي ايه في موت أبويا وفقره . الدنيا سودا في وشي .. ثم رفعت يديها وقالت ( ربنا ينتفم منك يا بهانة يابنت محروسه ) ..
كانت دموعها صادقة وحزنها حقيقي وعميق , وشعورها بالقهر كاسح , ومع البكاء احمر وجهها واحمرت عيناها ..
نسيت ماكنت مهموما به , واكتست روحي بحزن عارم ...
انصرفت الشابة , ومن باب الفضول الطفولي , وربما لأني أردت التحقق من صدق ما فهمت , سألت أبي , فأمن علي مافهمت وقال , ان ست الدارين – اسم الشابة – تشكو حماتها وتطلب اليه التدخل لحث الحماة علي حسن معاملة زوجة ابنها..
ودون وعي رحت أردد ( يارب تموتي يابهانه يابنت محروسة ) ...
.........................................................
..........................................................
.................................................................
مضي أقل من عشرين عاما ..
تخرجت خلالها من الجامعه ..
وذات يوم طلب والدي مني أن أجلس وأستمع لمشكلة سيدة من أقاربنا ينتظر قدومها.
الدار نفس الدار
ونفس الكنبات الاستانبوللي والكراسي الخشبية العتيقة علي نفس حالها القديم ..
وأقبلت شابة وجلست علي كرسي خشبي , وعلي بعد متر جلس والدي وأنا بجواره , نستمع الي شكاية الضيفة ( حسنات ) ..
جاءت حسنات لتشكو حماتها ..
وبدأت تتكلم بصوت هاديء , وسرعان ما انخرطت في البكاء , ثم تحول البكاء الي نشيج حار ..
كانت دموعها صادقة تسبقها وهي تردد نفس مضمون ما سمعت منذ نحو عشرين عاما , من ست الدارين ...
كل شيء في مجلس الوجع والقهر بقي كما هو , نفس الرجل المستمع الي الشكوي المريرة , بنفس الهدوء والصبر غير المحدود , يجلس علي نفس الكرسي ليستمع الي مضمون ما كان استمع اليه واستمعت منذ نحو عشرين عاما ..
كل ما تغير هو وجه الشاكية ..
كانت ( ست الدارين ) هي المجني عليها السابقة ..التي لعنت الظلم وتفننت – بصدق – في ذمه ..
ثم – ومع أول فرصة – تحولت الي جلاد لزوجة ابنها حسنات ..
.......................................................
...................................................
انقطعت عن هذه المجالس منذ سوات طوال ..
لا أشك كثيرا , أن حسنات تحولت – بدورها – الي جلاد , فور أن واتتها الفرصة !!