- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
محمد دوير يكتب : فلسطين من النكبة إلى المحنة
محمد دوير يكتب : فلسطين من النكبة إلى المحنة
- 15 مايو 2021, 11:23:09 ص
- 875
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وفقا للتاريخ الثقافي للقرن العشرين، تعتبر القضية الفلسطينية احدي مخرجات السياسة الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية،
نعم تحمل مقدمات تاريخية قديمة منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام ١٨٩٨، ولكنها خضعت للتنفيذ في 1948 بعد اقرار قرار التقسيم مباشرة...
فأصبحت أحدي محن التاريخ البشري المعاصر الذي تناوبت عليه المتغيرات الدولية، بصورة تدفعك للدهشة، كيف استطاع شعب أن يصمد أمام متغيرات كبري أدت الي تفكيك دول قائمة وعتيدة،
واستطاع هو أن يصمد بقضيته كموضوع راسخ في ذهنية التاريخ الحديث.
تزامنت نكبة فلسطين، أحداث كبري عالمية أهمها نتائج الحرب العالمية الثانية وما احدثته من رسم ملامح مشروع دولي جديد..
تزامنت مع بدايات ظهور قوي التحرر الوطني، مع صعود البترول العربي كقوة اقتصادية دولية، ومع دخول القنبلة النووية الخدمة العسكرية،
ومع وجود قوي دعم كثيرة جدا لنصرة القضية الفلسطينية، والتي تبلورت وعبرت عن نفسها بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964..
.وبدون الدخول في تفاصيل لتقييم الانطلاقة الأولي للثورة الفلسطينية من حروب العصابات وجتي تأسيس المنظمة.. فالمؤكد أنها كانت مرحلة تعبر عن ردة الفعل تجاه النكبة.
.وانتهت عمليا علي مرحلتين، كانت الأولي مع هزيمة 67 والثانية مع أزمة العراق والكويت 1990.
شهدت الانتفاضة الأولي 1987 يقظة الشعب الفلسطيني، وقدرته علي مواصلة الصمود والمواجهة، وشهدت أيضا تلك الفترة بداية دخول التنظيمات الاسلامية في الجهاد من أجل نصرة القدس وفلسطين..
مع تكوين منظمة حماس..وتوسعت التنظيمات الاسلامية عددا قوة، وصار لها الغلبة في ادارة أي صراع علي الاراضي الفلسطينية.
فيما بدأت منظمة التحرير في خيار أخر تمحور حول أوسلو.. واتجه الكيان الصه – يو – ني الي تهويد الدولة، فدفع باتجاه دعم المقاومة الدينية بالضرورة.. واتخذ الصراع صبغة دينية الي حد ما..
ولكن المخاطر التي واجهتها الثورة الفلسطينية لم تكن نتيجة المواقف الدولية فقط، ولا جراء الانقسام الفلسطيني بين التنظيمات فحسب،
ولا حتي نتيجة التخلي العربي والتطبيع..فقط..بل ثمة قضية أخري تهدد مستقبل النضال الفلسطيني بقوة..وتلك في الحقيقة هي محنة الثورة الفلسطينية..
وأعني تحديدا أفكار ما بعد الحداثة التي تهيمن علي الثقافة العالمية الآن، تلك الافكار التي تقفز فوق الصراعات التقليدية، والتي لا تري البشر في صورة جماعات ( وطنية – اثنية – عرقية – تاريخية ...الخ )
بل وتنظر الي فكرة أن الشعوب مصفوفات تاريخة نظرة ريبة وشك ورفض وانكار..والاقتصاد العالمي يدرك تلك الحقيقة ما بعد الحداثية ويقوم بتنفيذها بنفسه عمليا،
وهناك ابحاث ودراسات تتوسع كل يوم في الاكاديميا والمؤلفات الثقافية تدفع باتجاه تفكيك الكتل التاريخية وأفكارها المؤسسة، من بينها فكرة الايديولوجيا نفسها،
ونظرية الحق التاريخي، وتصورات الشعوب عن نفسها باعتبارها متولدة عن أساطير وأوهام...
هذا التصور الثقافي يدفع بعض المثقفين والسياسيين من أنصار الليبرالية الجديدة الي تشويه النضال الوطني بصفة عامة والفلسطيني علي وجه الخصوص،
فلا توجد أرض مقدسة – حتي لو كان تقديسا شعبيا لا دينيا – ولا توجد حواجز اقتصادية، فالاقتصاد علم تلبية الحاجات الفردية..
ولذلك تسير عمليات التبادل التجاري والاقتصادي بين رجال أعمال عرب والكيان الصه- يو – ني باطراد وتقدم مستمر دون توقف،
وينتقل خط الغاز بين الكيان ومصر بهدوء وبساطة دون توقف...
إن محنة القضية الفلسطينية الأن أنها تسير في بحر شاسع كل ما فيه من مياه يدعو الي التفكيك، تفكيك كافة المقولات التقليدية كالنضال والتحرر والاستقلال والوحدة الوطنية.
. فجميعها أفكار صارت من مخلفات القرن العشرين كما تقول ما بعد الحداثة.. واصبح الايمان الوحيد المسموح به هو بالانسان الفرد فقط.
.ان نموذج الاتحاد الاوربي – علي ما به من مميزات كبري – يكشف بوضوح الي أي مدي تغير مفهوم الحدود، ومفهوم الانسان نفسه،
وتحولت بموجبه فكرة المعتقد والعقيدة الوطنية الي مجرد شارة تمييز شكلية، ليس أكثر..
وأشد ما أخشاه.. أن تنتهي النكبة الفلسطينية بمحنة كبري..يقودها الاقتصاد الحر، وتبررها ثقافة ما بعد الحداثة،
وينفذها الفكر السياسي المعاصر بمقولاته الداعمة لحقوق الأفراد وليس لحقوق الشعوب..هنا.. وهنا فقط..
لن تجد فلسطين أمامها من مدافع سوي هؤلاء المؤمنين بشيء، واخشي ألا يصبح هذا الشيء الوحيد سوي الايديولوجيا الاسلامية
التي لن يكن همها الأخير سوي الدفاع عن المقدسات فقط، لأنها لا تؤمن بالمعني الكلاسيكي لفكرة الوطن.