- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
فورين بوليسي: لن يجدي أي حل في غزة إلا بتسوية القضية الفلسطينية نهائيا
فورين بوليسي: لن يجدي أي حل في غزة إلا بتسوية القضية الفلسطينية نهائيا
- 30 نوفمبر 2023, 4:42:30 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حلل موقع “فورين بوليسي”ـ عبر مقال أستاذ القانون الدولي بجامعة كامبريدج، مارك ويلر، تصريحات بنيامين نتنياهو، لشبكة ABC الإخبارية، بأن الدولة العبرية تخطط للاحتفاظ بـ "المسؤولية الأمنية الشاملة" على غزة إلى أجل غير مسمى بمجرد الانتهاء من الحرب ضد حركة حماس.
وقال ويلر ، إن الترجيحات تصب في أن يتطلب تنفيذ ما صرح به نتنياهو استمرار وجود القوات الإسرائيلية في غزة، وشن غارات على منشآت حماس المشتبه بها، والسيطرة على تحركات السكان، وعزل المنطقة عن العالم الخارجي.
وأضاف أن إسرائيل تسعى إلى حماية مصالحها الأمنية بقبضة من حديد، ومع ذلك ستتنصل من المسؤوليات التي تنجم عادة عن ممارسة السيطرة، ما يجعلها تمارس "احتلالًا مسلحًا باسم آخر".
وتشمل هذه المسؤوليات واجبات رعاية السكان الذين وقعوا تحت سلطة عسكرية أجنبية والترتيب لحكم الإقليم، بحسب ويلر، مشيرا إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، صرح لصحيفة "وول ستريت جورنال" قائلا: "لا نريد أن نحكم غزة. نريد فقط حماية شعبنا".
وأضاف أن هكذا ممارسة تمثل نوعا من مفهوم "الاحتلال المخفف"، الذي يبرز تكاليف الاحتلال ومخاطره وأعباءه، بما يتجاوز الخطوات اللازمة للحفاظ على أمن إسرائيل، التي ستتجه، على الأرجح، للاحتفاظ بسلطة منع وصول المساعدات الإنسانية لتوصيل الغذاء والدواء أو إغلاق وصول المياه والطاقة وغير ذلك من الإمدادات الضرورية للحياة إلى شمال غزة.
وقد تجد الوكالات الإنسانية هذا أمرًا مرفوضًا، ولكن من أجل التمكن من الوصول إلى السكان المحليين، الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، من المفترض أن توافق على العمل في ظل هذه الظروف.
كما ستتنصل إسرائيل من مسؤوليتها عن جهود إعادة الإعمار الواسعة والضرورية لاستعادة البنية التحتية المدنية والمنازل والشركات المدمرة في غزة.
وبدلاً من ذلك، فإن إسرائيل تتوقع من المانحين الدوليين، وخاصة الاتحاد الأوروبي وأعضائه، إلى جانب الدول العربية وربما الصين، أن يصطفوا مرة أخرى للحصول على هذا الامتياز.
وتعتقد الإدارة الأمريكية أن إسرائيل يجب ألا تعود إلى دور القوة المحتلة، وبدلاً من ذلك تجري أعمال تخطيط محمومة، في محاولة لإيجاد طريقة لحل هذه المشكلة، من خلال فرض المصالح الأمنية الإسرائيلية مع تجنب سيناريو الدولة دائمة الاحتلال، بحسب ويلر.
ولكن ما لم يتم دمجها في عملية سلام ذات مصداقية تعد بحل القضية الفلسطينية في النهاية، فإن هذا الجهد محكوم عليه بالفشل، حسبما يؤكد أستاذ القانون الدولي.
سلطة عباس
وتقترح واشنطن أن تقوم السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس، محمود عباس، وحركة فتح، التي تدير الضفة الغربية، ببسط سلطتها على غزة بمجرد انتهاء الحرب، ومع ذلك، فإن فريق عباس لا يتمتع بالمصداقية، ومن المعروف أن إدارته للضفة الغربية غير فعالة وفاسدة.
وتتمتع حركة فتح بمكانة ضعيفة في استطلاعات رأي الفلسطينيين، ومن المرجح أن يكون صمتها العام خلال الحرب في غزة قد أضعف مصداقيتها بشكل أكبر.
وإضافة لذلك، فبعد إزالة وجودها بعنف من غزة على يد حماس في عام 2007، يبدو أن السلطة الفلسطينية بقيادة فتح لا تقدم ضمانة ضد عودة "التطرف" إلى القطاع، وفق التصنيف الأمريكي، ولذا واجهت إسرائيل بالفعل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بمعارضتها لهذا الخيار.
وإذا ظلت إسرائيل مسؤولة عن الأمن الصارم في شمال غزة، فمن المرجح أن يُنظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها ليست أكثر من مجرد وكيل تنفيذي إسرائيلي أو أمريكي.
وفي السياق، قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، لصحيفة الجارديان إن "ذهاب السلطة الفلسطينية إلى غزة وإدارة شؤون غزة دون حل سياسي للضفة الغربية سيكون كما لو أن السلطة الفلسطينية تصعد على متن طائرة من طراز إف-16 أو دبابة إسرائيلية".
واقترح عباس أن تعود السلطة الفلسطينية إلى غزة، ولكن فقط إذا كان هناك طريق واضح للتوصل إلى تسوية في الضفة الغربية، وغزة، وأيضاً القدس الشرقية.
ثمة بديل مطروح لحل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، يتمثل في نشر "بعثة حوكمة دولية" في القطاع، ومن شأن هذه المهمة أن تجمع بين حفظ السلام وخطوات الإشراف على الحكومة المحلية وبناء هياكل أكثر موثوقية للحكم الذاتي مع مرور الوقت.
وهنا يلفت ويلر إلى نموذجي تيمور الشرقية وكوسوفو، وكلاهما كان بمثابة انتشار دولي كبير يعتمد على مئات المديرين المدنيين وآلاف الجنود، مشيرا إلى أن طرح القوى الغربية نفسها كقوات حفظ سلام محتملة غير مرجح، إذ "سيتحولون على الفور إلى مغناطيس حقيقي لضربات الجهاديين"، حسب تعبيره.
ونوه إلى أن القوات الأمريكية المدججة بالسلاح انسحبت بشكل مخزي من لبنان في عام 1983، عندما قُتل 241 من مشاة البحرية، ومن الصومال بعد عقد من الزمن بعد وفاة 18 من أفراد الخدمة في حادث سقوط طائرة بلاك هوك.
لكن هناك فرق جوهري بين غزة من ناحية، وتيمور الشرقية وكوسوفو من ناحية أخرى، بحسب ويلر، موضحا أن إطلاق عملية الحوكمة الدولية في تيمور الشرقية جرى بعد أن قامت القوات الإندونيسية بنهب المنطقة في عام 1999، وبعد أن اختار السكان الاستقلال في استفتاء برعاية الأمم المتحدة، وبعد أن قُتل حوالي 1400 من مواطني تيمور الشرقية، وشُرد نصف مليون بطريقة عنيفة.
وإزاء ذلك، نفذت الأمم المتحدة مهمة حوكمة دولية يدعمها 1600 فرد من الشرطة الدولية و9 آلاف جندي. وعلى مدى عامين ونصف، وفرت المهمة الطمأنينة والاستقرار للسكان المرعوبين، في حين تم الاستعداد للاستقلال النهائي في مايو/أيار 2022.
وضع مختلف
وفي غزة، يرى ويلر أن الوجود الدولي قد يكون موضع ترحيب في البداية، ومن المفترض أن يعني ذلك نهاية الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي أودى بحياة نحو 15 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وأدى إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية، "لكن هذا الترحيب قد لا يدوم طويلا".
ففي تيمور الشرقية، كان هدف المهمة واضحاً: إعداد الإقليم للاستقلال خلال فترة قصيرة متفق عليها، في حين يبدو الوضع في غزة مختلفاً تماماً، حسبما يرى ويلر، مؤكدا أنه "ما لم يتم ربط القطاع بتنفيذ تسوية سلمية، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية الكاملة، فإن الإدارة الدولية لن تؤدي إلى أي شيء، وستصبح رمزًا آخر لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه وسيُنظر إليها على أنها أداة للحفاظ على الوضع الراهن إلى الأبد".
ونوه ويلر إلى أن هذا النوع من المخاطر أصبح واضحاً بعد سنوات قليلة من بدء العملية الدولية في كوسوفو، فقد كانت المهمة المدنية الدولية هناك مدعومة بوجود عسكري كبير بقيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكان سكان كوسوفو الذين ينحدرون من أصول ألبانية ينظرون إلى الحلف باعتباره المنقذ البطولي من القمع الصربي.
وترك تفويض الأمم المتحدة للعملية الوضع النهائي لكوسوفو مفتوحًا، مع التركيز بدلاً من ذلك على بناء القدرة على الحكم الذاتي المحلي، ومع تقدم المهمة الدولية، أصبح السكان مضطربين، وطالبوا ببدء مفاوضات الوضع النهائي.
وبحلول عام 2004، ورغم مكانة أفراد قوات حلف شمال الأطلسي في البلاد كأبطال محررين، اندلعت أعمال شغب عنيفة تطالب بالاستقلال، وأجبر ذلك الأمم المتحدة على إطلاق محادثات حول الوضع النهائي.
وخلص وسيط الأمم المتحدة في النهاية إلى أن السكان لن يقبلوا أي نتيجة غير الاستقلال، على الرغم من المقاومة الشرسة من جانب صربيا.
وحتى يومنا هذا، لا يزال وضع كوسوفو محل نزاع، وتعثرت محاولات تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، ما أدى إلى توترات عسكرية خففها استمرار وجود حلف شمال الأطلسي.
ولذا يرى ويلر أنه "لا يمكن للإدارة الدولية أن تنجح إلا إذا كان من الواضح منذ البداية أنها تعمل على نقل إقليم ما إلى الوضع السياسي الذي يرغب فيه سكانه، كما كانت الحال في تيمور الشرقية، ثم في كوسوفو في نهاية المطاف".
ولأنه لا يوجد اتجاه واضح نحو هذا الوضع في غزة، فسيتم النظر إلى المهمة الدولية هناك على أنها أداة لإحباط رغبات السكان، ما يثير الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة، وحيثما لا يكون هناك احتمال لتسوية الوضع، فإن المهمة سترتدي عباءة الاحتلال المسلح بعد فترة.
وحتى بعد الدمار الهائل والخسائر في الأرواح التي تسببت فيها إسرائيل، فإن العملية ستظل محصورة بشكل واضح بالمتطلبات التي تفرضها الدولة العبرية العازمة على فرض مصالحها الأمنية في المنطقة إلى أجل غير مسمى، بحسب ويلر، الذي يرى أن الإستراتيجية التي تتبناها إسرائيل في تكليف الخارج بمهام الحفاظ على "احتلال دولي"، مع الحفاظ في الوقت نفسه على قبضتها القوية على السيطرة الأمنية، من غير الممكن أن تنجح.
وبينما تعارض الولايات المتحدة رسميًا استمرار الاحتلال، فإنها تخاطر بخدمة استراتيجية إسرائيل من خلال الجمع بين الجهات الخارجية الفاعلة للمساعدة في تسهيل استراتيجية "الاحتلال الدولي" حسب تعبير ويلر.
ويؤكد أستاذ القانون الدولي أن الحكم الدولي، مهما كان حسن النية، سرعان ما سيرتدي عباءة الاحتلال، مؤكد أن استمرار الاحتلال، بأي شكل من الأشكال، سيولد العنف المستمر الذي يهدف إلى التغلب عليه، والفارق الوحيد في هذه الحالة هو أن المهمة الدولية ستصبح هدفاً للعنف إلى جانب إسرائيل.
تسوية نهائية
والسبيل الوحيد للخروج من هذه المعضلة يتلخص، بحسب ويلر، في الجدية بتضمين الترتيبات الخاصة بغزة ما بعد الحرب في مسار واضح نحو تسوية القضية الفلسطينية نهائيا.
ويشير ويلر إلى أن جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، باستثناء القيادة الإسرائيلية الحالية، تقبل بحقيقة عدم وجود فرصة للحكم في مرحلة ما بعد الحرب في غزة ما لم يكن هناك مسار واضح وموثوق نحو تسوية شاملة.
فمحمود عباس ربط التعاون في مجال الحكم بغزة بالتوصل إلى تلك التسوية، وكذلك فعلت الدول العربية التي يحتمل أن تساهم بقوات هناك.
وإذا كانت الحكومات الغربية، التي من المتوقع أن تدفع المليارات مرة أخرى لإعادة التأهيل وإعادة الإعمار في غزة حكيمة، فستفعل الشيء نفسه، بحسب ويلر، مشيرا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بدأ بتكرار هذا الشعار في زياراته الأخيرة إلى عواصم الشرق الأوسط، سعياً إلى حشد الدعم الإقليمي للمخطط الأمريكي لمرحلة ما بعد الحرب.
ولكن في ضوء التجربة المخيبة للآمال طيلة ثلاثة أرباع القرن الماضي، فإن التحدي يكمن في جعل احتمال التوصل إلى تسوية واقعا حقيقياً، بحسب ويلر، مشيرا إلى أن ما يعزز مواجهة هذا التحدي هو أن الدول العربية الرئيسية لم تتبرأ من اتفاقيات إبراهيم، وحتى المملكة العربية السعودية لا تزال تطرح إمكانية التوصل إلى اتفاق للتطبيع مع إسرائيل، ما يعني اعتراف الجميع بحق إسرائيل في الوجود.
وحتى إيران قد تضطر إلى عدم عرقلة أي تسوية إقليمية، إذا أمكن إقناع الصين بدعم التسوية الكبرى للقضية الفلسطينية، حسبما يرى ويلر، معتبرا أن هكذا تسوية ستمثل تصميماً أوسع نطاقاً، يوفر التكامل الاقتصادي والأمن المشترك للشرق الأوسط ككل، بما في ذلك إسرائيل.
وسيتطلب ذلك درجة مذهلة من التنسيق بين مجموعات متنوعة من الجهات الفاعلة، من خلال مجموعة كبيرة من الدول التي تدعوها الولايات المتحدة بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ويتساءل ويلر، في هذا الصدد، حول ما إذا كانت إسرائيل لديها الشجاعة اللازمة للانخراط في عملية معقدة ومليئة بالتحديات مثل هذه العملية، مرجحا أن لا يتم هذا الأمر إلا بعد تغيير الحكومة.
ويختمم ويلر تحليله بالتأكيد على أن "القضية الفلسطينية لن تختفي. ولا يمكن حلها من خلال السيطرة الأمنية على ملايين الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى. وإذا كان لهذه الحلقة المأساوية الحالية أن لا تصبح أرضاً خصبة لمزيد من العنف الذي لا نهاية له، فهذه في الواقع اللحظة المناسبة لتبني خطة كبيرة للسلام في المنطقة بأكملها".
المصدر | فورين بوليسي