فورين بوليسي: هل ينجح رئيسي فيما فشلت فيه الأنظمة الإيرانية السابقة ؟

profile
  • clock 26 يناير 2022, 4:18:23 م
  • eye 536
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فورين بوليسي – بقلم أليكس فاتانكا

زار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، موسكو الأسبوع الماضي في ثالث رحلة خارجية له منذ توليه المنصب في أغسطس (آب) 2021. وينظر مؤيدو رئيسي إلى الرحلة، التي رافقه فيها وزراء الخارجية والنفط والاقتصاد، بوصفها نقطة تحول في العلاقات الإيرانية الروسية، وقد يكونون محقِّين في هذا التصور.

المتشددين في طهران، المدافعين عن خط مؤيد لروسيا، يُمسِكون الآن بزمام السلطة، ولديهم رغبة واضحة في توثيق العلاقات مع روسيا في مجموعة من المجالات، لافتًا إلى عدم توجيه أي رئيس إيراني منذ عام 1979 لدعوات عامة متكررة ومتَّسِقة لإقامة علاقات إستراتيجية مع موسكو كتلك التي أطلقها رئيسي.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمساعديه بعد عودته من زيارة لطهران في عام 2017: «لم نزر دولة واحدة بل دولتين؛ دولة المرشد الأعلى علي خامنئي وأخرى للرئيس حسن روحاني»، وفقًا للسفير الإيراني السابق في موسكو، سيد محمود رضا سجادي.

بوتين كان واضحًا في الإشارة إلى تناقض المواقف في طهران؛ إذ على الرغم من رغبة أقوى رجل في إيران، خامنئي، في الدعوة إلى توثيق العلاقات مع روسيا والصين، كانت حكومة روحاني ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، يفضلان التركيز على إصلاح العلاقات مع الغرب، وعلى النقيض من ذلك، كانت رسالة فريق رئيسي إلى بوتين، والشركات الروسية، هي أن إيران جادة في تعزيز العلاقات، وأنه لن يُسمَح لأي مشكلات داخلية في النظام بعرقلة هذه المهمة.

المعسكر المتشدد في طهران يتألف من الأيديولوجيين الذين يروجون لإيمانهم بالإسلاموية المتشددة بوصفها منهجًا للحياة ولإدارة الشؤون الخارجية، وكان شعار «لا للشرق ولا للغرب» أحد الشعارات المُقدَّرة لدى الإيرانيين، والتي وُلِدت مع ثورة إيران عام 1979.

وكان مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، قد حثَّ السوفيت على اعتناق الإسلام، والتخلي عن الشيوعية والانضمام إلى إيران في «مواجهة أعمال الغرب الشريرة»، ولكن بمجرد أن أدرك الإسلاميون في إيران حقيقة قدراتهم، تبنُّوا وجهة نظر مختلفة بشأن السوفيت ثم الاتحاد الروسي لاحقًا: ليس بصفتهم أندادًا في حملة ضد الغرب ولكن مصدرًا للدعم المادي الذي يمكن أن يحافظ على صمود إيران المعزولة، وبدأت هذه العملية في وقت مبكر من عام 1989، عندما وقَّعت إيران والاتحاد السوفيتي اتفاقياتٍ مختلفة، منها الاتفاقيات المتعلقة بصادرات الأسلحة إلى إيران، واستأنف السوفيت استيراد الغاز الطبيعي من إيران.

بين الماضي والحاضر

الوعد بالتعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا ظل بعيد المنال، وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كان انفتاح الرئيس الإيراني آنذاك، أكبر هاشمي رفسنجاني، على موسكو يتمحور حول استخدام البطاقة السوفيتية لإيجاد نفوذ ضد واشنطن يمكن من خلاله التوصَّل إلى حل وسط لإنهاء الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979.

وبعد مرور ثلاثة عقود، يرى خامنئي ذو الـ82 عامًا أن توثيق العلاقات مع موسكو يُمثل بوليصة تأمين ضد واشنطن، أملًا في أن يتمكن الروس من مساعدته ومعسكره المتشدد في إبعاد الغرب عن إيران، وقد قال مرارًا: «يجب أن ننظر إلى الشرق، وليس الغرب»، ولا يرى خامنئي في روسيا شريكًا في المجالات الجيوسياسية والتعاون الاقتصادي فحسب، ولكن أيضًا لاعبًا خارجيًّا محوريًّا يمكنه مساعدة المعسكر المتشدد على البقاء في السلطة بعد وفاته.

الشعب الإيراني لا يقبل أن تكون روسيا منقذًا لهم، وهذا هو السبب في أن نقطة الحوار السائدة في الأوساط الموالية لخامنئي في طهران تركز على أن روسيا قد تغيرت، فهي ليست الاتحاد السوفيتي أو روسيا القيصرية، اللذان تسببا في كثير من الألم والخسارة الإقليمية لإيران على مدار القرون الثلاثة الماضية.

ويشددون أيضًا على أن لدى روسيا اليوم مصلحة أساسية مثل إيران في دحر القوة الأمريكية كلما أمكن ذلك، وهذه هي الرسالة التي كررها رئيسي في خطابه أمام مجلس الدوما الروسي في 20 يناير (كانون الثاني)، وهي مهمة مفتوحة طويلة الأجل، والسؤال الأكثر إلحاحًا فيما يخص رئيسي وراعيه خامنئي هو: ما الذي تستطيع موسكو فعله في الأمد القريب من أجل طهران للتغلب على العقوبات الأمريكية المريرة والمؤلمة؟

كان دعم روسيا لإيران خلال المحادثات النووية في فيينا ملموسًا؛ إذ وصف وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إيران بأنها «جزء من فريق»، وأعرب المسؤولون الإيرانيون عن امتنانِهم للروس علنًا.

وفي سياق آخر، جاء دعم روسيا لإيران في سبتمبر (أيلول) 2021 للانضمام أخيرًا إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها روسيا والصين، بعد شهر من تولي رئيسي منصبه، وكانت طهران تنتظر قبول عضويتها الكاملة في المنظمة منذ عام 2005. واستغلت دوائر خامنئي – رئيسي اللحظة وأعلنت أن تلك الخطوة تُظهر أنه إذا كانت إيران جادة بشأن توثيق العلاقات، فإن روسيا سترد بالمثل.

تعاون لا يخلو من تنافس

هناك أيضًا حديثًا عن زيادة التعاون في مناطق الصراع، التي من المرجَّح أن يظهر فيها تنافس بين موسكو وطهران بقدر ما تظهر شراكة تكتيكية، وذلك تبعًا للظروف، ومن الأمثلة على ذلك الصراع في سوريا، حيث حافظت إيران وروسيا على شراكة تكتيكية منذ عام 2015، ولكن تظل الشكوك المتبادلة إزاء الأجندة الطويلة المدى أمرًا شائعًا في ذلك البلد.

ومع ذلك، قال وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، إن موسكو وطهران، وفي إطار «خارطة طريق للتعاون الطويل الأجل تمتد لعشرين عامًا» يجري إعدادها حاليًا، يمكن أن يعملا سويًّا من أجل استعادة السلام في سوريا واليمن وليبيا وأفغانستان.

وغاب عن تصريحات أمير عبد اللهيان أي ذِكْر لعلاقات روسيا الوثيقة مع إسرائيل، وهي العدو الإقليمي لإيران، والواقع أن موسكو وطهران لن يجدا في أي وقت قريب الانسجامَ فيما يتصل بمتابعة أجندتهما الإقليمية في الشرق الأوسط الأكبر، ولكن في الوقت الراهن، هناك مساحة كافية وإمكانية للتعاون، على سبيل المثال، لا تزال سوريا ملفًّا مفتوحًا، وكذلك بوسع طهران وموسكو دائمًا إحياء جهودهما المشتركة في أفغانستان ضد طالبان إذا اقتضت الضرورة ذلك، بل إن إيران تركت الباب مفتوحًا أمام دور روسي أكبر في أمن منطقة الخليج العربي.

ولكن في مجال التعاون الاقتصادي يجب أن تُسفر زيارة رئيسي إلى موسكو عن نتائج ملموسة إذا كان لهذه الرحلة أن تختلف عن غيرها من القمم الإيرانية الروسية، وقد رفع فريق رئيسي من سقف توقُّعاته، وآية ذلك أن وزير النفط جواد أوجي قال مؤخرًا، متجاهلًا بوضوح الوعود العديدة السابقة للتعاون الإستراتيجي في قطاع الطاقة، لقد «وقَّعنا على وثائق مهمة للغاية، ويمكنني القول إننا سنرى آثارها قريبًا في مجال الطاقة».

وسيحتاج الإيرانيون إلى تقديم حوافز أفضل للروس، ولم يكن سلف أوجي، بيجان زنجنه، مؤمنًا مطلقًا بالتعاون الإستراتيجي مع روسيا في مجال النفط والغاز الطبيعي فحسب، بل كان يرى في روسيا منافسًا طبيعيًّا لحصة السوق العالمية، كما ألقى باللوم كذلك على الحرس الثوري الإسلامي في تخريب جهوده الرامية إلى جذب الشركات الغربية إلى إيران، وحتى اليوم، ليست روسيا من بين الشركاء التجاريين الأساسيين لإيران، وتقبع في ذيل القائمة وراء دول مثل الصين والإمارات وتركيا والعراق.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، تتمتع طهران وموسكو بعلاقة دبلوماسية مستقرة دون أي أزمة عميقة منذ عام 1989. وعلى المستوى الإستراتيجي، فإن التعاون العسكري الإيراني مع الروس في سوريا ليس الأبرز، إذ إن الحرس الثوري القوي في إيران لا ينظر إلى روسيا بصفتها شريكًا في المنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا يراها كيانًا قادرًا على مساعدتها في الصراعات الداخلية على السلطة في طهران، وهذا يطرح عاملًا ثالثًا في العلاقة: القوة الناعمة التي تتمتع بها موسكو بين الجيل الأصغر سنًّا من مسؤولي النظام الذين سوف يتولون قريبًا زمام الأمور من أولئك الذين شاركوا في ثورة عام 1979.

بفضل ما يزيد على 30 عامًا من التعاون، تتمتع موسكو اليوم بقدر أكبر من حسن النية بين الرموز الإيرانية البارزة للمشاركة في عملية صنع السياسات أكثر من أي وقت مضى، ويتعين على المرء افتراض أن موسكو ستمارس هذه النفوذ في الوقت المناسب الذي يتعين فيه اختيار خليفة خامنئي.

الولايات المتحدة تجاهلت منذ عام 1991 العلاقة الروسية الإيرانية إلى حد كبير، أو على الأقل لم تعطِ الأولوية لتشكيل حسابات طهران وموسكو تجاه بعضهما بعضًا، وهناك استثناءان: في مجال العلاقات النووية العسكرية والتعاون الاقتصادي والطاقة بين البلدين، وبفضل صعود روسيا في الشرق الأوسط، فضلًا عن المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، فإن السؤال المطروح هو: إلى أي مدى يمكن لأمريكا تجاهل تقارب إيران القسري المتزايدة تجاه الروس والصينيين، وبأي ثمن؟

إنه ما من شك في أن ظهور عالم متعدد الأقطاب سيحفِّز واشنطن على محاولة تقليل اعتماد طهران على روسيا، وعلى الصين كذلك، وفي غضون ذلك، يُفترض أن الإستراتيجيين الأمريكيين ليسوا بغافلين عن حقيقة أن العلاقات الروسية الإيرانية يشوبها عدم ثقة تاريخية ومعاصرة، وهو ما يمنح واشنطن بعض الوقت لصياغة إستراتيجية ملائمة.


* أليكس فاتانكا ، مدير برنامج إيران والزميل الأول في مبادرة فرونتير يوروب في معهد الشرق الأوسط.

التعليقات (0)