- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
نحو قراءة لأحلام راقصة للكاتب زكريا صبح
نحو قراءة لأحلام راقصة للكاتب زكريا صبح
- 24 مارس 2021, 10:47:08 م
- 1505
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يقول المتنبى : لا تحسبوا رقصى بينكم فرحا فالطير يرقص مذبوحا من الألم
لأن العنوان هو كما يُقال : آخر ما يضعه المؤلف وأول ما يقابله القارئ فإننا لو نظرنا إلى العنوان الذى اختاره الكاتب لمجموعته ( أحلام راقصة ) نجد أنه لا يعبر عن أحلام تخص راقصة كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن لأول وهلة لعدم ضبط الكلمات بالشكل وإنما يتبين بالقراءة أن الكاتب يصف الأحلام بأنها راقصة , وقد اختار الكاتب لمجموعته المكونة من خمس وثلاثين أقصوصة ومفتتح يمكن أن نعتبره منفردا أقصوصة أقول اختار هذا العنوان وهو عنوان لقصة من قصص المجموعة وهى القصة الرابعة والعشرون فنجح الكاتب مرتين مرة فى اختياره لعنوان هذه القصة حيث عبرت عن أحلام كاتب بالفوز بجائزةعالمية وبمنصة التكريم وبمشاهد التصفيق وبالانحناء احتراما وخجلا
وهى أحلام مشروعة لكن الكاتب يصفها بأنها متهورة تتراقص وسط الطريق وربما قصد خضم الحياة والصراعات وهو يحاول أن يحميها جاهدا لكنها تغرق فى الدماء حتى الحلم الأخير وعلى حد تعبير الكاتب ( كنت أحمله كان يلفظ أنفاسه الأخيرة الدماء تسيل من كل جزء فيه) وهكذا كما قلت نجح الكاتب فى اختيار هذا العنوان للقصة
والنجاح فى المرة الثانية هو النجاح فى اختيار هذا العنوان كعنوان للمجموعة فهو بمثابة المعبر الأكبر عنها نظرا لأن الموضوع الأساسى لهذه القصة تكاد أن تتسرب مفرداته وتعبيراته بشكل أوبآخر فى ثنايا قصص المجموعة مثل الدموع الخيانة الحلم والتعبيرات التى تعبر عن الغربة والوحدة وانعدام المشاركة الوجدانية مع الآخر الممثل فى الكاتب الذى صرخ فى سائقى السيارات المسرعة الذين دهسوا أحلامه : قتلتم الأحلام سامحكم الله.
وكما قلت تتكون المجموعة من خمسة وثلاثين أقصوصة ومفتتح يمكن أن نعتبره منفرداأقصوصة بل ويمكن أن نعتبره ككلمة السر التى تفك ( شفرات النص ) ذلك التعبير الذى استخدمه الدكتور صلاح فضل بل ووضع تحت هذا العنوان كتابا مميزا له فالمفتتح يضعنا منذ البداية مع شخص يُتهم بالجنون ومع جدران تتحدث وتشارك وتعبر بل وتؤنس صاحبنا الراوى
هذا وعناوين القصص تتكون من ثلاث كلمات أو كلمتين وعلى الأغلب كلمة واحدة قد تكشف عن المضمون المباشر للقصة كقصة ( استهام ) وقد تخدع المتلقى فتأخذه إلى جانب ويفاجأ بأن الكاتب يقصد شيئا آخر كقصة ( اخلع نعليك ) وقصة ( أمل )حيث يتضح بقراءة قصة أمل أنها لا تعبر عن أمل حقيقى واقعى ولكنه مجرد اسم لطفل مفقود يبحث عنه أبوه وحتى لو كان هذا رمزا للأمل الحقيقى والبحث عنه فإننا نجد فى القصة ألفاظا مثل دموع حظ أسود وآخر كلمات القصة هى كلمة (مت).
هذا وبعض العناوين تستخدم المصطلحات الحديثة فى مجاراة من الكاتب للعصر فى استخدام كلمة سيلفى فى أحد العناوين لكن العنوان يصدمنا حال اكتماله فالسيلفى الذى يلتقطه الإنسان لنفسه فى أفضل حالاته ويتفنن فى التقاطه نجده هنا فى عنوان صادم كما سبق أن ذكرت وهو (سيلفى مع المقبرة )
- تقصر بعض قصص المجموعة فلا تكاد أن تتجاوز الصفحتين الصغيرتين كقصة ( اغتيال ) وكذلك ( استهام) وتطول بعضها نسبيا لتصل إلى أربع صفحات صغيرةكقصة (بعض مما لديها) وتنقسم بعضها لمقاطع مميزة بعناوين جانبية كقصة ( أبخرة هاربة ) فنجد عناوين جانبية تمثل التتابع الزمنى ( فى الصباح ) وبعده (فى الظهيرة) وبعده (فى المساء)وقد يستخدم الكاتب الأرقام لتقسيم قصته إلى مقاطع قصيرة كما حدث فى ( اخلع نعليك ) وفى ( قبضة من نور ) وهى غالبا ما تكون بمثابة فواصل زمنية قصيرة مرتبطة بحالة شعورية مختلفة وقد تجسد إضاءة لجانب مختلف ومكمل لصورة النص فى ذهن القارئ
فى البناء القصصى يبدأ الكاتب بعض قصصه مباشرة دون مقدمات وببراعة استهلال يضعنا بلغة مكثفة داخل القصة مباشرة وغالبا ما تبدأ القصص بجمل فعلية ويغلب أن يدخل الكاتب القارئ معه منذ البداية ليكون فى شوق لمعرفة ما سيحدث ثم تتوالى المفاجآت مثل قصة بعض مما لديها
يغلب السرد على القصص ليُجلس الكاتب قارئه مجلس المشاهد والمتابع والمتأمل للأحداث ويأتى الحوار أحيانا ليشارك القارئ الكاتب ويستمع للرأى والرأى الآخر وفى قصة (كيف انسحبت) تظن أن القصة خيالية فالميت يشعر ويقرر فإذا بك تجد أن كل ما ورد هو مجرد حلم
الشخصيات فى القصص تبدو بلا معالم كاملة يعرض الكاتب منها الجانب النفسى التأملى حتى الاسم لا نجده إلا للطفل المفقود الذى يبحث عنه أبوه فى قصة أمل وفى قصة الحافة نجد أن شخصيات الكاتب وحيدة بلا عوالم محيطة فأين الذين فى المحطة ؟ ونجد معظم الأشياء صارت أشخاصا فاعلة مؤثرة فالجدران تقول وتتحرك وتتصارع وتشارك صاحبها وجدانيا
استخدم الكاتب الفصحى البسيطة يتخللها بعض التعبيرات العامية فى الحوار مثل: ساعدنى يا( بيه ) من قصة (التمثال الراقص) وتعبيرات أخرى متتابعة مثل : لا مفيش مشاكل ولا حاجة ده حقها ده احنا كفرنا من مصاريف الدروس ولا البيت اللى كان معمول سنتر لا أنا خلاص ركبت تاكسى _ ربما لتناسب الحس الشعبى فى التعبير عن
الغضب والرغبة فى استرداد ما ضاع من الحق ولو كان فى نصف درجة من درجات المجموع فى الإعدادية كما ورد فى قصة ( تظلم )
- يستخدم الكاتب الجمل القصيرة غالبا وهى تخدم المضمون وذلك كما فى(كر و فر ) فننجد (طلقات مكتومة صراخ وعويل آهات وأنين شتائم وسباب ) كما نجد الازدواج والترادف وكثرة أدوات الاستفهام
- وتكثرعبارات الحكمة (الظلام الذى يُغرق حجرتى أحب إلى من مصابيح خائنة)
- ويستخدم الكاتب التناص ويكثر ذلك مع القرآن الكريم والحديث الشريف ليدل على ثقافة الكاتب الدينية ومن أمثلة ذلك :( اخلع نعليك )
- وقد استخدمها الكاتب كعنوان لإحدى قصصه وقد أنهى نفس القصة بقوله : خائفا يترقب .
- ونلتقى فى قصة الخائن بقول الكاتب: (ويغشانا الموج )وجملة (تنفس الصبح) ويظهر فى الختام قول الكاتب ( اركب معنا ) وفي قصة أثير نجد ( أنه أحق بها و أهلها ) وفى قصة سيلفى مع المقبرة ( لا ترى فيها عوجا )
- وكذلك هناك التناص مع الحديث الشريف ففى التمثال الراقص عبارة وهى تسأل الناس أعطوها أم منعوها وفى نفس القصة خلود بلا موت وفى قصة اخلع نعليك (رد الله إليه روحه)
- وفى قصة رحمة نجد التناص التاريخى وإن جاز التعبير وذلك عبر استخدام عبارات شاعت فى التاريخ عبر مراحل معينة لتحمل دلالات معينة فيأتى بعبارة زعيم الرحمة بدلا من قوله زعيم الأمةوالرحمة هنا تحمل معنى مغايرا للرحمة بمعناها المتعارف عليه فالرحمة هنا فى تغيير مظاهر القسوة والتقليل منآثارها فلاتعنى الحنو والتعاطف
- وفى القصص تتكرر كلمات مثل الخيانة والغدرفالليل خائن والنهار غادر ولفظ الجدران وألفاظ الحزن والخوف
- ورغم أن الكاتب قد عبر عن الوحدة والعزلة والخوف فحتى الصديق الذى وصفه ب(صديق الرحلة) صديق خائن أقول برغم ذلك فالكاتب لم يغرق فى الذاتية بل اهتم بمناقشة قضايا مهمة كقضية التعليم وقضية الفوارق الاجتماعية فى تظلم وأيضا قضية معاناة الفقر وقضية التفكك الأسرى والعائلى وقضية سيادة القيم المادية وقتل الإيجابات يقول الكاتب فى (الخائن) :
- تنفس الصبح على أشباه بشر يركبون شبه سفينة يسيرون شبه طريق يقودهم شبه ربان