- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
قطاع الطاقة العراقي.. إمكانات هائلة وعراقيل مزمنة
قطاع الطاقة العراقي.. إمكانات هائلة وعراقيل مزمنة
- 30 أبريل 2022, 12:26:25 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يعتبر العراق من أهم الدول من حيث احتياطي النفط وإنتاجه، لكنه فشل في زيادة إنتاجه في العقدين الماضيين. وتشير التقديرات إلى أن العراق لديه 145 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة، أي 17% من إجمالي احتياطيات الشرق الأوسط و8% من الاحتياطيات العالمية، ما يجعل الاحتياطيات العراقية خامس أكبر احتياطيات في العالم.
وبلغ متوسط إنتاج العراق نحو 4.4 مليون برميل يوميا في عام 2013، وزاد إنتاجه من النفط 300 ألف برميل في اليوم فقط بين عامي 2013 و2019. وبالرغم من التصريحات المتفائلة لوزير النفط العراقي بأن البلاد ستنتج 8 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2040، يقدر خبراء الطاقة أن العراق سيصل فقط إلى 5.74 مليون برميل في اليوم.
وليست هذه المرة الأولى التي يفشل فيها العراق في تحقيق طموحاته في إنتاج المزيد من النفط. وعلى سبيل المثال، أعلن وزير النفط العراقي السابق أنه سيسعى إلى زيادة صادرات النفط إلى 10 إلى 12 مليون برميل في اليوم، وهو هدف غير واقعي إلى حد كبير نظرا للقضايا المتوطنة في العراق.
ويعد أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة العراق على إنتاج المزيد من النفط هو نقص المياه الكافية لحقن الآبار. ويحتاج العراق إلى 3 ملايين برميل إضافية من المياه يوميا لضخها في الخزانات في وقت يعاني فيه البلد بالفعل من نقص حاد في المياه. ويأتي ذلك مع زيادة الاستهلاك المحلي للنفط ما يؤثر على الصادرات.
وتعد احتياطيات الغاز الطبيعي في العراق كبيرة لكن عدم الكفاءة والإهمال يعرقلان تطوير الإنتاج. وتشير التقديرات إلى أن العراق في المرتبة 12 في قائمة أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، بواقع 132 تريليون قدم مكعبة. وفي عام 2019، أنتج العراق 381.39 مليار قدم مكعبة لكنه استهلك 702.76 مليار قدم مكعبة، ما يعني عجزا كبيرا والاعتماد على الواردات.
ويتأثر إنتاج الغاز الطبيعي في العراق بحرق الغاز المصاحب في آبار النفط وعدم القدرة على استخراجه. ويعد العراق من بين الدول الـ 7 الأولى في حرق الغاز المصاحب، وهي الدول التي "تنتج معا 40% من نفط العالم كل عام لكنها تمثل ما يقرب من ثلثي حرق الغاز العالمي"، وفقا للبنك الدولي. وفي الواقع، اشتعلت النيران في العراق في عام 2017 لتهدر نحو 629 مليار قدم مكعبة، ما جعله في المرتبة الثانية بعد روسيا في هذا الأمر. ومع تزايد إنتاج النفط العراقي تزايد حرق الغاز المصاحب.
وأدى نقص الاستثمار في التقاط الغاز المصاحب أو استخراج الغاز الطبيعي إلى زيادة الواردات من السلع الأساسية لتشغيل مولدات الطاقة. ويأتي هذا بتكلفة باهظة على العراق. ووفقا لوزير النفط العراقي، يدفع العراق 8 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي الإيراني، في حين أن إنتاجه محليا قد يكلف ما بين 1.5 دولار و2 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية.
وإلى جانب احتياطيات العراق الكبيرة من النفط والغاز، يتمتع العراق بإمكانيات هائلة لإنتاج الطاقة المتجددة. ويمكن لنصف العراق الاعتماد على الطاقة الشمسية، لا سيما في غرب وجنوب البلاد اللذين يستقبلان كميات عالية من الإشعاع الشمسي. ومع زيادة الطلب على الكهرباء وزيادة عدد السكان، توفر الطاقة الشمسية ميزة بسبب فعاليتها من حيث التكلفة والاكتفاء الذاتي.
وكان هدف العراق هو إنتاج 2.24 جيجاواط من الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في عام 2025، وزاد هذا الهدف إلى 7.5 جيجاواط بحلول عام 2023. ومع ذلك، يجب على العراق التغلب على العقبات التي تحول دون نجاح الخطط المستقبلية. وبدون سياسة متماسكة للطاقة الشمسية وإطار قانوني مصاحب، سيجد العراق صعوبة في جذب الاستثمار الأجنبي اللازم لتطوير الطاقة الشمسية، حيث سيتعين على المستثمرين التعامل مع البيروقراطية المعقدة والتغلب على العقبات الإدارية.
علاوة على ذلك، ركزت الحكومات المتعاقبة في الغالب على إنتاج الطاقة الشمسية دون إيلاء نفس القدر من الاهتمام للتوزيع والنقل وتحصيل الرسوم. لذلك تحتاج الحكومة إلى إعادة بناء البنية التحتية للكهرباء من أجل الحصول على قيمة أكبر من مشاريع الطاقة النظيفة.
بيئة غير مرحبة بالاستثمار
أدت الانقسامات السياسية والتوترات الاجتماعية والفساد المستشري في العراق إلى إعاقة تطوير قطاع الطاقة بشكل كبير. وقد أطاح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بديكتاتور جلب للبلاد عقدا من العقوبات الدولية التي أضرت بالاقتصاد. ومع ذلك، أدى هذا الغزو أيضا إلى استمرار الصراع الذي ألحق أضرارا بالغة بالبنية التحتية في العراق.
ولكي تستثمر الشركات الأجنبية في العراق، يجب أن تجد بيئة استثمارية مستقرة تتسم بدرجة معقولة من اليقين. ويجب أن يكون العراق أيضا سوقا مربحة ومستدامة لهذه الشركات ما يعني أنه يجب على العراق احترام اتفاقياته المالية. كما يجب توفير البنية التحتية اللازمة للاستكشاف والاستثمار. وللأسف، يفتقر العراق إلى كل هذه العوامل، الأمر الذي أدى إلى ندرة الاستثمار الأجنبي.
والواقع هو أن مناخ الاستثمار في العراق تدهور. على سبيل المثال، باعت "شل" حصتها بالكامل في حقل غرب القرنة، كما باعت "إكسون موبيل" حصتها البالغة 32.7% في نفس الحقل لشركة نفط العراق، وتتطلع شركة "بريتش بتروليوم" لبيع أصولها لأن بيئة الاستثمار في البلاد غير مناسبة للاستثمارات الكبيرة.
ومن غير المرجح أن يشهد قطاع الطاقة في العراق تغيرا جوهريا في المستقبل المنظور بالرغم من المشاريع التي تقوم بها بعض الشركات الأصغر. وانتعشت الآمال في العراق بعد أن وقعت الحكومة صفقة كان من المفترض أن تعكس مسار إهمال قطاع الطاقة، لكن الواقع السياسي الفوضوي في البلاد أوقف تنفيذها بسرعة.
وكانت الحكومة العراقية قد وقعت اتفاقا مع شركة "توتال" الفرنسية العملاقة للنفط لبناء 4 مشاريع طاقة كبيرة في جنوب العراق. وبموجب العقد الذي تبلغ قيمته 27 مليار دولار، تبني الشركة الفرنسية أيضا مصنعا لمعالجة الغاز بقيمة 2 مليار دولار يخدم 3 حقول. وتشمل البنود الأخرى من الصفقة بناء محطة كبيرة للطاقة الشمسية بقدرة 1 جيجاواط، وآلية لحقن مياه البحر في حقول النفط لتعزيز الإنتاج، وإدخال تقنيات جديدة لالتقاط الغاز المصاحب للنفط.
وبموجب الصفقة، يحصل العراق على العديد من الفوائد؛ حيث يزيد من إنتاجه النفطي، الذي يعد إلى حد بعيد المصدر الرئيسي للإيرادات في البلاد، كما يعزز إنتاج الغاز الطبيعي واستغلال الطاقة الشمسية. وبحسب وزير النفط العراقي، تعتبر الصفقة من أهم مشاريع البنية التحتية للعراق في العقدين الماضيين.
وبالرغم من هذه الفوائد الواضحة، فقد عرقلت السياسة الداخلية تنفيذ الصفقة. وظل الجانبان غارقين في خلافات منذ شهور بشأن مخاوف من أن الحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة في البلاد ستلغي الاتفاق. كما أن الجمود السياسي الذي منع تشكيل أي حكومة خلق مناخا معاديا للاستثمار الأجنبي وأثار مخاوف كبيرة.
ويرتبط مستقبل قطاع الطاقة في العراق، مثل القطاعات الأخرى، بالتحول السياسي والاجتماعي الذي تشتد الحاجة إليه في العراق، والذي يجب أن يعالج الفساد ونفوذ الميليشيات والعنف السياسي بشكل عام. ويرتبط تطوير قطاع الطاقة في العراق ارتباطا جوهريا بالعوامل الهيكلية الأخرى التي ستستغرق أعواما أو حتى عقودا لمعالجتها بشكل كامل.
ولسوء الحظ، لم يغير السياسيون العراقيون سلوكهم ليناسب احتياجات الشعب العراقي، ومن غير المرجح أن تكون الموارد الطبيعية غير المستغلة في العراق رافدا لسوق الطاقة العالمية طالما استمرت الظروف السلبية الحالية.
المصدر | مصعب الألوسي | منتدى الخليج الدولي