كارنيجي: دوافع وانعكاسات صفقة الغاز الضخمة بين قطر والصين

profile
  • clock 1 يناير 2023, 6:51:47 ص
  • eye 386
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قبل أسابيع، وقّعت شركة قطر للطاقة اتفاقية مع مؤسسة الصين للبترول والكيماويات (سينوبك)، لتوريد 4 ملايين طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين لمدة 27 عاما وبقيمة تصل إلى 60 مليار دولار.

وتصدرت الصفقة عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الوقت الذي تكافح فيه أوروبا لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية ومع قيام دول أخرى بزيادة استهلاكها من الغاز الطبيعي بدلا من النفط تماشيا مع الالتزامات المتعلقة بالمناخ.

وفيما يلي نشرح ما الذي يجعل الصفقة فريدة جدًا ولماذا تراقبها العديد من الدول عن كثب.

وتعد هذه الصفقة تاريخية باعتبارها أطول مدة عقد توريد للغاز الطبيعي المسال تم توقيعه حتى الآن. وتعد العقود طويلة الأجل طريقة مهمة للمشترين لضمان أمن إمداداتهم وللموردين للحفاظ على أمن الطلب.

وتُظهر هذه الأنواع من العقود أن تقلب الأسعار المستمر والاضطرابات الجيوسياسية لا تزال مصدر قلق كبير للسوق.

بالإضافة إلى ذلك، توضح هذه الصفقة كيف أصبحت الصين ذات أهمية متزايدة في سوق الغاز الطبيعي المسال، حيث تسعى إلى دعم قاعدتها التصنيعية مع التحول عن مصادر الطاقة الأكثر تلويثا للبيئة مثل الفحم.

وفي الوقت نفسه، توضح هذه الصفقة الدور المتزايد لشركات الطاقة الصينية في الشرق الأوسط.

وتتفوق الشركات الصينية بشكل متزايد على الشركات الغربية في حصص الأسهم واتفاقيات الإنتاج في الخليج وأماكن أخرى. وفي السابق، كانت شركات الطاقة الغربية هي الشريك الرئيسي لدول الخليج الغنية بالطاقة.

وتاريخياً، لم تكن شركات الطاقة الصينية المملوكة للدولة تمتلك الخبرة الكافية للتنافس مع شركات الطاقة الغربية.

ويسلط هذا العقد الضوء على كيفية تطور الوضع بسرعة. وستمنح المشاركة المحتملة للصين في حقل الشمال القطري موطئ قدم لشركات الطاقة الصينية للوصول إلى أفضل التقنيات العالمية والتعلم السريع ودمج الخبرات الإدارية والتشغيلية التي كانت مقتصرة على شركات الطاقة الغربية.

ونظرًا لأن الغاز الطبيعي - وبالتالي الغاز الطبيعي المسال - أصبح محركًا مهمًا في تحول الطاقة، فقد برزت قطر باعتبارها منتج رئيسي قادر على شحن كميات كبيرة من الغاز بسرعة.

ويضعها موقعها كواحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم الآن في نفس تصنيف السعودية في سوق النفط الدولي.

وستزداد أهمية قطر الجيوسياسية مع زيادة قدرة الغاز الطبيعي المسال لديها من 77 مليون طن إلى 126 طنًا سنويًا.

تأثير الصفقة على العلاقات بين الصين وقطر

منذ عام 1988، بدأت قطر والصين تدريجيا تقوية الروابط بينهما في مختلف المجالات الاقتصادية والجيوسياسية. وكانت قطر ذكية في الاستفادة من التنافس الجيوسياسي بين الشرق والغرب والجمع بين المتناقضات.

على سبيل المثال، أقامت قطر علاقات مع إسرائيل بينما تدعم المنظمات الفلسطينية، وتستضيف قطر القيادة المركزية الأمريكية بينما تحافظ على علاقات مع طالبان، كما تدير قطر بمهارة موقفها الحساس بين إيران والسعودية مع الحرص على عدم استعداء أي من الجانبين دون داع.

وبالطبع، ستساهم اتفاقية الغاز الطبيعي المسال بين قطر من الصين في تقوية العلاقة بين البلدين.

وعملت الصين بشكل استباقي ودقيق على تعزيز وجودها في الخليج، على عكس الطريقة العشوائية  إلى حد ما التي كان الغرب يتعامل بها مع الكثير من دول العالم على مدار العقد الماضي.

ويعد دخول الصين إلى قطاع الطاقة في الخليج - بما في ذلك ترسيخ نفسها كشريك مهم في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم - جزءا من إستراتيجية أكبر لتوسيع بصمتها الاقتصادية والجيوسياسية.

تأثير حرب أوكرانيا على الصفقة

لا يمكن إنكار أن الصراع الروسي الأوكراني دفع بكين إلى السعي لإبرام اتفاقية طويلة الأمد مع قطر.

ومع زيادة المنافسة الدولية على إمدادات الغاز الطبيعي المسال - مدفوعة في جزء كبير منها بعودة الطلب العالمي بعد الوباء والصراع في أوكرانيا - تريد الصين ضمان قدرتها على تلبية الطلب المحلي لسنوات قادمة مع تجنب الاضطراب الناجم عن تقلب الأسعار الشديد أو حروب الأسعار مع العملاء الأوروبيين.

وتتوقع بكين أيضًا أن إمدادات الغاز الطبيعي المسال في المستقبل قد تكون موضع منافسة نظرًا لأن العديد من البلدان - الأوروبية بشكل أساسي - تتجه نحو الغاز الطبيعي في توليد الطاقة لتلبية الأهداف المتعلقة بالمناخ. ومع اتجاه الغرب لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، تضع قطر نفسها كمصدر مستقر طويل الأجل للطاقة.

لذلك، تتناسب المشاركة طويلة الأمد مع قطر بشكل جيد مع الأهداف الجيواستراتيجية الشاملة للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خاصة مع زيادة تهميش روسيا.

الصفقة وتعثر الاقتصاد الصيني 

تراجعت واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بنحو الخمس على أساس سنوي في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022. وكانت سياساتها الصارمة المتعلقة بفيروس "كورونا" مفيدة لأوروبا، حيث أدى تباطؤ اقتصادها إلى تحرير كميات كبيرة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي حلت محل الغاز الروسي. 

لكن بعد الاحتجاجات الأخيرة، تخلت الحكومة الصينية عن قواعدها الصارمة المتعلقة بفيروس "كورونا"، وبالرغم من تزايد الإصابات، سيتم استئناف النشاط الاقتصادي بشكل طبيعي في نهاية المطاف، لذا فإن الصين تتطلع إلى الأمام.

وبالرغم من التعثر الاقتصادي الحالي في الصين، فإن بكين تدرك أن المستقبل سيحمل المزيد من المنافسة في السوق الدولية للغاز الطبيعي المسال.

أثر الصفقة على مبادرات تغير المناخ

بالرغم أن الصين لا تزال أكبر مستهلك عالمي للفحم، فقد أشارت الحكومة إلى أنها تنوي تقليل استهلاكها للفحم وزيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي لتحقيق أهدافها الخاصة بإزالة الكربون.

لكن لا تزال الصين متمسكة بالفحم، فقد قامت بتوسيع التعدين في الفحم وبناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، مما أدى إلى زيادة الانبعاثات الكربونية في عام 2021 بنحو 6% وهي أسرع زيادة منذ عقود.

وتاريخياً، اعتبرت الحكومة الصينية الفحم الوسيلة المناسبة لتقليل اعتمادها على إمدادات النفط والغاز الأجنبية.

لذا فإن عقود توريد الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل، مثل تلك المبرمة مع قطر، قد تساهم في تهدئة المخاوف الصينية في هذا الصدد، مما يشجعها فعليا على التخلي جزئيا عن الفحم.

حقوق الإنسان

من اللافت أنه تم الإعلان عن الصفقة بين قطر والصين فور افتتاح كأس العالم في قطر، وسط حملة الاتهامات لقطر بانتهاك حقوق الإنسان.

وعادة ما تستخدم الدول الغربية ملف حقوق الإنسان للضغط على حكومات المنطقة. وقد فضّلت العديد من هذه الحكومات التعامل مع الصين (وروسيا سابقًا) لأن بكين تعتبر مصالحها الاقتصادية أكثر أهمية من الشؤون الداخلية لشركائها.

وتدرك قطر أهميتها المتزايدة في التحول العالمي للطاقة وجهود التنويع الأوروبية كما تدرك أن ذلك سيكون المحرك الرئيسي لطريقة تفاعل القوى الكبرى معها، وقد تابعت الدوحة كيف تم ابتلاع الاتهامات الموجهة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"  نظرًا لأهمية السعودية في سوق النفط العالمية.

**لقراءة النص الأصلي What’s at Stake in the Massive China-Qatar Gas Deal

 

المصدر | جاستن دارجين/ كارنيجي

التعليقات (0)