- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
كتيبة جنين وعرين الأسود.. مرحلة جديدة من المقاومة الفلسطينية
كتيبة جنين وعرين الأسود.. مرحلة جديدة من المقاومة الفلسطينية
- 27 أكتوبر 2022, 9:49:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في العام الماضي، أشعلت عمليات إخلاء حي الشيخ جراح في القدس انتفاضة انتشرت في جميع أنحاء الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية، وبلغت ذروتها في حرب إسرائيل على غزة في مايو/أيار 2021 التي أطلق عليها الفلسطينيون اسم معركة "سيف القدس".
وأعقب ذلك هروب 6 أسرى عبر "نفق الحرية" وتنفيذ سلسلة من عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وأراضي 1948.
وأطلق الجيش الإسرائيلي قبل أشهر عملية "كاسر الأمواج" لوقف تجدد المقاومة الشعبية التي جاءت على شكل موجات منذ عام 2004. وترفض السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس "محمود عباس" المقاومة بكل أشكالها، لكنها تطلق بعض الإيماءات الرمزية والمؤقتة لإرضاء أعضاء حركة "فتح" الراغبين في الارتباط بنبض الشارع ومقاومة الاحتلال.
وسبقت الانتفاضة الأخيرة أيضًا إلغاء السلطة الفلسطينية للانتخابات، التي كان من المتوقع أن تتعرض فيها لهزيمة محرجة، بحجة رفض إسرائيل إعطاء حق التصويت للفلسطينيين في القدس.
وزاد الوضع توترا في أعقاب حملة القمع التي شنتها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك مقتل الناشط السياسي "نزار بنات" أثناء اعتقاله.
وخلال هذه الفترة، قدمت الولايات المتحدة وعودًا غامضة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك دعمها لـ"خطة سلام اقتصادي"، على أمل أن يتمكنوا من الحفاظ على الوضع الراهن، لكن ذلك لم يظهر أي تحسن لأوضاع الفلسطينيين.
وقد وفرت هذه اللحظة التاريخية السياق لتشكيل "كتائب جنين" ومجموعات مقاومة أخرى، بما في ذلك "عرين الأسود"، مما يمثل تحولا عن موجات الانتفاضة السابقة، حيث أصبح هناك اعتماد على المقاومة المسلحة بشكل منظم نسبيا.
وتدعو هذه المجموعات إلى مواجهات مباشرة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين المسلحين، وقد أظهر الشارع تعاطفا معها وماستجابة لدعواتها.
وبينما انخرطت الفصائل السياسية الرئيسية مرة أخرى في مفاوضات المصالحة في الجزائر دون التوصل إلى حل، دعت "عرين الأسود" إلى إضراب عام ليوم واحد في الضفة الغربية. وبالرغم من عدم دعم أي من الأحزاب التقليدية، فقد تم الاستجابة للدعوة على نطاق واسع.
وما يميز هذه الانتفاضة عن غيرها هو أنها تجمع بين الكفاح المسلح وأشكال المقاومة الشعبية الأخرى. علاوة على ذلك، على عكس "انتفاضة السكاكين" التي نفذها أفراد، فإن هذه الانتفاضة تقودها مجموعات من الناس في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وبدأت هذه الانتفاضة في جنين ثم امتدت إلى نابلس والقدس وبدرجة أقل رام الله والخليل. وأكدت هذه الجماعات المسلحة في تصريحاتها أنها لا تمثل أي فصائل، وترفض تزيين جثث شهدائها برايات الحركات التقليدية. ومع ذلك، فقد تلقوا دعمًا من مجموعات مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وحتى تمويلًا من "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
وتضم هذه الجماعات الجديدة عناصر من الفصائل الفلسطينية التقليدية، بما في ذلك أفراد من حركة "فتح" يرفضون نهج السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن مجموعات جنين ونابلس حريصة للغاية على عدم المواجهة المباشرة مع السلطة، حيث تعتقد أنه يجب توجيه البندقية نحو الاحتلال. إنهم يمثلون وحدة وطنية تتزايد باستمرار وتنسق مع بعضها البعض.
وقد تكون ظاهرة المقاومة الجديدة هذه أكثر نجاحًا ولديها فرص أكبر للنمو والاستمرار لعدد من الأسباب.
أولاً، تصاعد العدوان الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، بما في ذلك عملية التهويد والتوسع الاستيطاني وهدم المنازل والاعتقالات والتمييز والفصل العنصري، فضلاً عن الحصار المستمر لقطاع غزة. وقد استشهد أكثر من 165 شهيداً منذ بداية العام، 114 منهم من الضفة الغربية والباقي من غزة.
ثانيًا، تعد السلطة الفلسطينية أضعف من أي وقت مضى، ولا تستطيع الحركات التقليدية تقديم بديل، فضلا عن افتقارها إلى أهداف سياسية متماسكة. وقد أدى تآكل مؤسسات السلطة الفلسطينية إلى خلق فراغ سياسي، وتحاول الجماعات الجديدة ملء هذا الفراغ.
لقد مضت 3 عقود على ما يسمى بـ"عملية السلام" التي أطلقت وعودا فارغة بما في ذلك المتعلقة باتفاقية "أوسلو"، ويمكن القول إن الاحتلال تسبب عن غير قصد في خلق هذا الفراغ السياسي في الضفة الغربية.
يبقى أن نرى ما إذا كانت توجه المقاومة الجديدة سيتحول إلى انتفاضة شاملة. لكن الطبيعة المتفرقة للانتفاضة التي تندلع وتنتشر في مواقع مختلفة مع مشاركة قطاعات اجتماعية مختلفة وتنوع الأجندات السياسية، تعني أن احتمال انتشارها ضعيف، ما لم تكن هناك جهود إقليمية ودولية منسقة لدعم انتفاضة شاملة.
ومنذ عام 2004، أظهرت الانتفاضة موجات انحسار وتدفق، حيث كان من الصعب الوصول إلى الظروف المطلوبة لانتفاضة شاملة. ومنذ اغتيال "ياسر عرفات" عام 2004، لم تتوفر الظروف اللازمة لانتفاضة شاملة ذات هدف وبرنامج مركزي.
وكانت استراتيجية المقاومة محلية وعفوية ودفاعية في معظم الحالات، وهي تعمل كرد فعل على ممارسات الاحتلال واختلالات القوى التي يسببها، وتقتصر على مقاومة الغارات والتوغلات والاغتيالات والاعتقالات التي تزداد صعوبة مع امتداد العمليات إلى مناطق أوسع.
ولا يمتلك الحراك الأخير إيديولوجية عامة أو هيكل سياسي أو تنظيمي، ويسيطر عليه إلى حد كبير القادة المحليون بشكل لا مركزي، ويرتبط الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويخلق الحراك نفسه رموزه وأبطاله وقيادته. وكثير من هؤلاء، مثل "فتحي خازم" والد الشهيدين "رعد" و"عبدالرحمن"، جاهزون للموت والنضال من أجل شعبهم ودينهم.
وعندما تداهم قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة القديمة في نابلس، على سبيل المثال، فإنهم لا يهربون. بدلاً من ذلك، يقاتلون حتى الاستشهاد، ويظهرون وعيهم بأنهم لا يتوقعون نصرًا سريعًا وحاسمًا، ويبشرون بدلاً من ذلك أن "جيل التحرير" سيأتي بعد تضحياتهم.
لكن "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" يفتقرون إلى مظلة شاملة، وهناك من رأى أن هذه الظاهرة قد تتراجع بسبب سرعة عسكرتها واختلال توازن القوى، فسرعان ما انتقلت من مراحل التشكيل، وظهرت للجمهور قبل أن توفر الهياكل السياسية والقيادية والتنظيمية القادرة على حمايتها وضمان استمراريتها. وهناك من يخشى أن يجر ذلك المقاومة في غزة إلى معركة قبل الأوان، كما أن هناك من يحذر من تأثير السلفية عليها وميلها للتطرف.
وفي حين أن هذه المجموعات الجديدة قد تكون غير قادرة على تحقيق نصر حاسم، فإن جهودها مهمة في إبقاء القضية حية وتحدي الاحتلال الإسرائيلي.
لقد أظهر الشعب الفلسطيني احتضانا لافتا للمقاومة لكن عليه إنهاء الانقسامات واستعادة الوحدة والضغط من أجل إصلاح القيادة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية لتوفير الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة التحديات المقبلة.