- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
كواليس بيان الردح السياسي لمحمود السيسي
كواليس بيان الردح السياسي لمحمود السيسي
- 24 مارس 2021, 12:10:28 ص
- 1403
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الأسبوع الماضي تفاجأت بسيل منهمر من رسائل الأصدقاء دفعة واحدة، وكلها عن بيان منسوب للبعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، للوهلة الأولى وبعد قراءة الرسالة توقعت بأنه هناك خطأ ما وحدثت نفسي: "يا خيرالله مستحيل يعني، دي وصلة ردح مش بيان سياسي، مش معقول"، ثم استخدمت موقع البحث "جوجل"، وبعد دقائق تأكدت من صحة البيان الآتي، وأنشره لمن لم يطّلع عليه إلى الآن، وهذا نصه:
"السيد الرئيس،
يعرب وفد مصر عن أسفه لما وصل إليه المجلس من تسييس فج وتصعيد غير مبرر، وإساءة استخدامه كغطاء من قبل دول تعتبر أن لها حق تقييم الآخرين وذلك للتعتيم على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان.
فتدعي فنلندا والسويد والدنمارك وأيسلندا والنرويج أنها الأكثر احتراماً لحقوق الإنسان، إلا أنه عندما وصل اللاجئون إلى أراضيهم صادروا ممتلكاتهم، ويتبارى السياسيون في تغريداتهم العنصرية ضد الأفارقة والمسلمين، بل ويدنس مواطنوهم مقدسات المسلمين دون حساب، فتصبح حقوق الإنسان لديهم نسبية. ورغم القضاء على العبودية المقيتة، إلا أننا اكتشفنا أن لها جذوراً ضاربة في أعماق المجتمعات في أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا، إذ يتم التعامل مع غير ذوي البشرة البيضاء كمواطنين من الدرجة الثانية.
أما ألمانيا وإيرلندا والنمسا وفرنسا وبلجيكا وهولندا فتنبري في المطالبة بحرية التعبير والتظاهر السلمي خارج أراضيها، أما حينما تقع المظاهرات لديهم فلا مجال إلا للقوة والعنف غير المبرر من قبل الشرطة، ولا تسمح تلك الدول بتواصل أحد من الخارج مع منظمي تلك التظاهرات، وتنضم سويسرا وليختنشتاين ولوكسمبورج للركب المنادي بالحكم الرشيد وبالقضاء على الفساد، إلا أنهم يترددون في إعادة الأموال المهربة إلى دولها الأصلية. وأظهرت الجائحة الحالية ضعف شبكات التضامن الاجتماعي والرعاية الصحية في دول البلطيق والتشيك في سلوفينيا والبوسنة وبلغاريا وإيطاليا واسبانيا وكوستاريكا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية.
مصر من جانبها مستمرة في جهودها لتعزيز كافة حقوق الإنسان، في إطار رؤيتها الوطنية وتلبية لطموحات جميع المصريين. ولذلك على من يريد حقاً التعاون معنا أن يتوقف عن اتباع هذا النهج الهدام."
وبهذا انتهى البيان.
تنويه وللتسجيل، هذا البيان تسبب في حالة كبيرة جداً من الغضب المكتوم، والشعور بالضجر داخل العديد من الأروقة في المؤسسة التي كانت عريقة يوماً ما، هناك حالة من الغليان لدى البعض حزناً على تحولهم لمجرد أطقم سكرتارية لدى ابن الرئيس، وهو رجل بينه وبين العمل الدبلوماسي والسياسي سنوات ضوئية، ليس محدود القدرات بل معدوم القدرات حسب آراء البعض منهم، وأصارحكم، أصابتني حالة من الكآبة، غير مصدقاً لما آلت إليه الأمور والأوضاع، ووجدت ذاكرتي دون إرادة تستدعي مشهداً شهيراً جداً من فيلم "قصر الشوق" لأديب نوبل العظيم، الراحل "نجيب محفوظ"، وهو أحد أهم وأشهر مشاهد "الردح والشرشحة" في تاريخ السينما المصرية ما بين العوالم "زبيدة وزوبة داخل محل الجواهرجي (يعقوب)"، وأثناء الاستغراق في تذكر المشهد والتندر والضحك المرّ كالبكاء، رن هاتفي، كان محدثي على الطرف الآخر أحد الأصدقاء، ويعمل باحثاً في شؤون الشرق الأوسط من إحدى الدول الأوربية، وبعد السلام قال لي مباشرة: ما الذي يحدث في مصر؟ وهل من المعقول أن تعادي مصر ٣١ دولة دفعة واحدة؟ وهل تدرك مصر ما التوابع؟ كيف تعادون العالم وأنتم مقبلون على خطر داهم فيما يخص ملف سد النهضة وهل وو ....، فأجبت بعبارة واحدة: "يا صديقي أنها (عسكرة الهذيان)"، ونقلت الحوار إلى أمور أخرى شخصية بعيدة عن الشأن العام، فلقد تملكتني حالة غريبة جداً من الخوف والانزعاج لما تمضي إليه مصر بسرعة تفوق سرعة الصوت.
وفي صباح اليوم التالي أجريت العديد من الاتصالات التي كشفت لي من أحد المصادر الموثوق فيه جداً عن مفاجأة مدوية، ولكنها متوقعة، وهي أن البعثة المصرية - برئاسة السفير أحمد إيهاب جمال الدين - قد دب الخلاف بين أعضائها في الرؤى والتوجهات بخصوص مضمون الرد المصري على "أهل الشر"، وما الذي يجب أن يتضمنه، وهو الخلاف الذي استدعى لحسمه -وعلى الفور- الاتصال بالقاهرة، ومن المعروف ومنذ حكم مبارك تدار الكثير من السياسية الخارجية بإشراف مباشر من المخابرات العامة، مما حتم إعلامها بالأمر، والتي تدخلت بدورها عن طريق مكتب محمود السيسي، حيث تم صياغة البيان بتكليف لأحد مساعديه، ومراجعته بعناية ثم أمر بإرساله، ليكون السفير "جمال الدين" مجرد قارىء لنشرة السقوط والتدني والشرشحة والسوقية والابتذال، و"الهذيان"، وهو التعبير الأدق لفحوى ومضمون البيان، الذي يوصف الآن في كل عواصم العالم بالفضيحة الدبلوماسية التي تنذر بتحول خطير وغير مسبوق في تاريخ السياسة الخارجية لمصر، والتي اعتمدت وأقرت مؤخراً "ردح خالتي فرنسا وزبيدة وزوبة"، لكي يكون عرف وتقليد ودستور حاكم لها.
حقاً، إنها المرحلة الأسوأ في تاريخ مصر، بواقع ما بعد الوحل والكارثة، إننا لا نعلم إلى متى؟!