- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
كيف أصبحت الجزائر الشريك الاقتصادي الأول لتركيا في إفريقيا؟
كيف أصبحت الجزائر الشريك الاقتصادي الأول لتركيا في إفريقيا؟
- 18 أغسطس 2022, 8:03:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تَحدَّث رئيس رجال الأعمال الأتراك فؤاد طوسيالي في تصريح له قبل 5 سنوات سنة 2017، عن الاستثمارات التركية في الجزائر والتي بلغت وقتها 13 مليار دولار. وقد صرحت غرفة التجارة والصناعة الجزائرية آنذاك، عن حجم مبادلات تجارية بين البلدين بلغ قرابة 4 مليارات دولار، في وقت عرفت فيه الساحة الجزائرية عدة استثمارات تركية جديدة على غرار مصنع الحديد والصلب بولاية وهران، والمنطقة الصناعية للنسيج بولاية غليزان، ناهيك بشركات كبيرة في الكيمياء. وهنا نتذكر أيضاً بوادر بلوغ عدد العمال تحت غطاء تلك الشركات التركية في ذلك الوقت 3000 عامل، مما جعل الجزائر الشريك الأول والأكبر لتركيا في القارة الإفريقية منذ تلك الفترة.
مشاريع في أرض الميدان
بعدها وفي أقلّ من سنة، دفعت تركيا وعزّزَت حضورها الاستثماري في الجزائر بشكل لافت، ما أزاح الطرف الفرنسي من الصورة الاستثمارية الأجنبية في الجزائر نوعاً ما. ففي سنة 2018 سجلت تركيا ما يقارب 4.5 مليار دولار كرقم استثماري في الجزائر، بما رفع عدد الوظائف النشطة تحت هذا الاستثمار لغاية 34 ألف وظيفة حسب متابعين. نتكلم هنا عما يفوق 140 مشروعاً لشركات تركية في الجزائر، منها نحو 40 شركة نشطة بشكل كامل حسب الوكالة الجزائرية لترقية وتطوير الاستثمار (وكالة رسمية) أواخر عام 2018.
وقد عزّز الاقتصاد الجزائري حيويته كذلك بأكثر من 23 مشروعاً في القطاع الصناعي بقيمة 720 مليون دولار، دون أن ننسى بلوغ عدد المشاريع المنجزة من إجمالي الـ140 مشروعاً تركيّاً، نحو 94 مشروعاً بقيمة 15 مليار دولار. في ذات السياق أوضحت بيانات الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة (الرسمية) أن أكثر من 800 شركة تركية تنشط في السوق الجزائرية آنذاك، تضاعفت إلى نحو 1400 اليوم بعد أقلّ من 4 سنوات.
تعزيز التعاون والتشاور
أما بعد الزيارتين الرسميتين على التوالي، من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجزائر، ثم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتركيا، فتحدث الطرفان الجزائري والتركي عن مشروع استثمار طاقوي مشترك بين البلدين بقيمة فاقت مليار دولار. هذا إثر اتفاق الطرفين على التعاون في مجال النفطـ، وهنا نستحضر الاتفاق الذي جمع بين شركة ''سوناطراك'' الجزائرية التي تُعتبر من أكبر الشركات الإفريقية، والمؤسسة التركية "رونسانس"، في عقد بقيمة 1.4 مليار دولار لإنجاز مركَّب إنتاج مادة البوليبروبيلان بمدينة جيهان، من خلال توقيع 3 عقود متعلقة بتطوير هذا المشروع البتروكيمياوي.
العقد الأول يُعنى بإنجاز المشروع بكل مراحله، والثاني يُعنى بأشغال الصيانة الدورية للأجهزة والمُعَدّات، ثم الثالث الذي يُعنَى بخدمات بيع وتسويق الإنتاج. كل ذلك بهدف إنشاء المركَّب لإنتاج 450 ألف طن من البوليبروبيلان سنويّاً باستخدام موادّ أولية جزائرية، مما سيخفض اعتماد تركيا على البتروكيماويات المستورَدة من الخارج بنسبة 25%، ما أهَّل شركة ''سوناطراك الجزائرية'' للمساهمة بقرابة 35% في هذا المشروع الضخم، إذ تعمل آليّاً على تزويده بالموادّ الأولية بالاعتماد على أسعار السوق الدولية، بما يثبت خلفية التعاون التركي الجزائري في إطار ''رابح-رابح''.
كذلك لفتت التجربة التركية في مجال استخراج الموارد الطبيعية انتباه الجزائر بشكل متواصل، بخاصة أنه لا يخفى علينا تحسُّن الناتج المحلي الإجمالي التركي لاستخراج الموارد الطبيعية من 2.6 مليار دولار في 2003 إلى نحو 12 مليار دولار عام 2013.
بل وتعمل الأطراف التركية على زيادة قيمة الموارد الطبيعية المصدَّرة لتصل إلى 15 مليار دولار بحلول العام المقبل 2023. وهنا يتابع الطرف الجزائري باهتمام هذا التطوُّر اللافت في وقت أطلقت فيه الجزائر بنفس الصدد ومع الشريك الصيني منذ أقلّ من أسبوع مشروع منجم غار جبيلات الجزائري الضخم بولاية تندوف الجزائرية، بقيمة استثمارية جزائرية صينية بلغت 1.5 مليار دولار، مسطرة هدف ضخّ قرابة 15 مليار دولار سنويّاً، إذ يحتوي المنجم على قيمة احتياطيّ بلغت 3.5 مليار طن على نطاق 130 كم مربع، بطاقةٍ إنتاجية تصل إلى 12 مليون طنّ سنويّاً.
في السياق ذاته هل يمكن الحديث مستقبَلاً عن حضور تركي في القطاع الجزائري الخاص بالحديد والصلب والمناجم؟
بلغ حجم المبادلات الجزائرية-التركية سنة 2021 نحو 4.2 مليار دولار انطلاقاً من 3.5 مليار دولار حسب إحصائيات وزارة التجارة وترقية الصادرات، في خضمّ خطة متوسطة المدى مشتركة بين البلدين لبلوغ قيمة 10 مليارات دولار، إذ تسجِّل الجزائر ارتياحاً كاملاً تجاه الطرف التركي. هذا بوجود 1400 شركة تركية مستثمرة، بطاقة عمالية تبلغ 25 ألف جزائري، بما يؤكّد حجم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وبلغت قيمة الصادرات الجزائرية إلى تركيا 2,5 مليار دولار، فيما قُدّرَت الواردات بـ1,7 مليار دولار. وتتشكّل الصادرات من المُنتَجات الطاقوية بنسبة 90 بالمئة مثل الغاز الطبيعي المُمَيَّع والبترول الخام والغاز الطبيعي. وبخصوص الصادرات التركية نحو الجزائر، فيُعنَى ذلك بمركبات النقل وقطع الغيار ومُنتَجات الحديد والفولاذ والقطع الخاصة بالآلات والمُنتَجات النسيجية والملابس غير المنسوجة وأجهزة التليفزيون والاتصال والمعادن غير الحديدية والحبوب ومشتقاتها وموادّ التغليف من الورق والورق المقوَّى والبلاستيك.
ومنذ 2013 تنظّم شركة الخطوط الجوية التركية رحلات منتظمة نحو الجزائر إلى كل من مطار العاصمة ووهران وقسنطينة. أما في مجال الطاقة فقد جدّد البلدان في سنة 2020 العقد الذي يسمح للجزائر بتزويد تركيا بالغاز الطبيعي المسال حتى 2024، مما يجعل الجزائر المزوِّد الأول بالغاز الطبيعي المسال لتركيا والمزوِّد الرابع بغاز البترول المسال.
ثمار اليوم.. تَقارُب استراتيجي
أصبحت تركيا من أهمّ شركاء الجزائر الاقتصاديين، بجانب الصين وإيطاليا وألمانيا، إذ احتلّت الجزائر المركز السابع في صف الدول التي تستثمر فيها تركيا، وتُعَدّ الأولى إفريقيّاً التي توجِّه إليها استثماراتها من مختلف المجالات.
ولا تزال فرص الاستثمار متاحة في شتى القطاعات مستقبلاً، خصوصاً مع التسهيلات التي أُقِرّت والتي كُشف عنها في قانون الاستثمار الجديد. فالاستثمارات الجديدة من الممكن ان تُوجَّه إلى قطاعات الزراعة والمناجم والسياحة، إذ تتمتع تركيا بتجربة كبيرة في هذا المجال.
لا يقتصر بُعدُ تركيا الاستراتيجي في إفريقيا، خصوصاً الجزائر، على المجال الاقتصادي، بل تُعَدّ مجالات التعاون الدفاعي والعسكري في صلب اهتماماتها، إذ صرّح الرئيس التركي أردوغان سابقاً بضرورة الشروع في مفاوضات إنشاء منطقة تبادل حرّ بين الجزائر وتركيا، كما استعراض القفزة النوعية في الصناعات العسكرية التركية للجزائر. فالجزائر تولي هذا المجال اهتماماً خاصّاً، إذ أنفقت عام 2019 مثلاً 10.3 مليار دولار في المجال العسكري، وهو أعلى رقم بشمال إفريقيا، ويمثل 44% من إجمالي نفقات المنطقة عسكريّاً.