- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
لطفي العبيدي يكتب: إسرائيل تتآكل من الداخل بين «بند الاستثناء» و»حجة المعقولية»
لطفي العبيدي يكتب: إسرائيل تتآكل من الداخل بين «بند الاستثناء» و»حجة المعقولية»
- 28 يوليو 2023, 12:34:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
«بند الاستثناء» الذي أقره البرلمان الإسرائيلي في قراءة أولى منذ أشهر، كان من أكثر النقاط الخلافية في خطط ما يسمى «إصلاح النظام القضائي». ونتنياهو الذي يصر على اعتبار المحكمة العليا مسيسة، عاد بعد ثلاثة أشهر للمصادقة على مشروع الإصلاح القضائي بصيغة بند الاستثناء المثير للجدل. وأمام ملاحقات قانونية بتهم الفساد، يصر رئيس حكومة الاحتلال ضمن مصالح سياسية ضيقة الأفق على هذا القانون، للإفلات من هذه الملاحقات، على اعتباره سيحد بشكل كبير من صلاحيات المحكمة العليا، وسيمنح تحالف الغالبية السياسية التي تشكل حكومة متطرفة سلطة تعيين القضاة.
منذ تقديم مشروع القانون هذا في بداية يناير الماضي، يتوالى خروج المتظاهرين كل أسبوع في كل أنحاء كيان الاحتلال، للتنديد بما يعتبره منتقدو الإصلاح انحرافا عن الأسس الديمقراطية. ويبدو أن استمرار التشريع القضائي أدّى إلى انتقال التوتر إلى داخل مؤسسة الجيش والأمن، التي يقوم عليها مشروع كيان الاحتلال. بما يثير التساؤل الذي يقض مضجع أصحاب المشروع الاستيطاني الإحلالي: إلى أي مدى يمكن أن يبقى الجيش والمجتمع متماسكين؟
اليمين المتطرف والصهيونية الدينية التي جمعها نتنياهو في حكومته أظهرت للعالم المدى الذي وصله تطرف المجتمع الإسرائيلي في الهوس الديني والعداء للعرب
تريد الحكومة تمرير ما يسمّى ببند الاستثناء، الذي يسمح للبرلمان بإلغاء أي قرار للمحكمة العليا بتصويت أغلبية بسيطة. هذه الخطة الإصلاحية تسببت بإحداث حالة من الانقسام، وترى الحكومة اليمينية المتشددة التي يتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن التغييرات المقترحة ضرورية لضمان توازن أفضل للسلطات. ورغم أن خطة الإصلاح القضائي لاقت معارضة من واشنطن الحليف الأبرز لإسرائيل. فإنّ لجنة العدل النيابية التي أقرّت بأغلبية تسعة أعضاء مقابل سبعة إلغاء «بند المعقولية» تصر على المضي في هذه التشريعات القضائية، رغم ما يحدث من خلل أمني كبير، وانقسام غير مسبوق في الأوساط السياسية والأمنية والاجتماعية الإسرائيلية. هو إصرار مفهوم من قبل الحكومة نحو تمرير هذا المشروع، فمن خلال هذا البند تمارس المحكمة العليا رقابة قضائية على عمل الأذرع المختلفة للسلطة التنفيذية، ممثلة بالحكومة ووزاراتها والهيئات الرسمية التابعة لها. ونتنياهو الذي يواجه تهما تتعلق بالفساد، يسعى في ما يبدو إلى تقويض النظام القضائي عبر التمسك بهذا الخيار. معتبرا أن القضاء استهدفه بشكل غير عادل لأسباب سياسية. المحكمة العليا أصبحت تزعج حكومة المتطرفين، لذلك يريد نتنياهو وحلفاؤه إخضاعها للسيطرة السياسية لليمين. والتضييق يمارس عليها شأنها في ذلك شأن المؤسسات المُستقلة الحيوية، التي تدعم التعايش السلمي، والمسؤولة عن حقوق الأقليات. مؤسسات يرغب ائتلاف التطرف اليميني في تحجيمها لكيلا تدافع عن أي حق فلسطيني، أو تنقد ممارسات سلطة الاستيطان والاحتلال ضد أصحاب البلد الأصليين. اليمين المتطرف والصهيونية الدينية التي جمعها نتنياهو في حكومته أظهرت للعالم المدى الذي وصله تطرف المجتمع الإسرائيلي في الهوس الديني والعداء للعرب. والمتطرفون هم أصدق تعبير لمفهوم «دولة الشريعة اليهودية» التي يسعون لترسيخ أركانها بالتدريج. واليمين الفاشي الذي يحكم كيان الاحتلال هو الأب الروحي للمشروع الاستيطاني في فلسطين التاريخية، والركن الداعم لإسرائيل كدولة يهودية. الفكر الذي يغذي الاستيطان يمنع منح أي درجة من الاستقلال الذاتي للفلسطينيين. واليمين المتطرف الذي بات يمسك آليات القرار في إسرائيل يدعو إلى تكريس المشروع الصهيوني على كل الأراضي الفلسطينية، وأولها المستوطنات. ولا يهتم لأي مواقف خارجية، سواء من الجانب الأمريكي أو الأوروبي، أيديولوجية عنصرية تتسم بالكراهية للفلسطينيين والعرب لدى أحزاب تحالف الصهيونية الدينية. مثل هذه الأحزاب المتطرفة التي وجدت لها مكانا في حكومة الاحتلال، تدعو بشكل متكرر ضمن عقيدتها المتطرفة، لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، والإعلان عن الدولة اليهودية في كل أنحاء فلسطين المحتلة. في المقابل، ومن باب المفارقات السياسية، فإن البيت الأبيض يصف حكومة نتنياهو بأنها متطرفة، مع ذلك ليس لديه أي مشكل في التعامل معها. هي «صداقة غير قابلة للكسر»، كما وصفها بايدن. ولا بأس أن يتفوّهوا بالتفاهات المألوفة حتّى عندما تتعارض مع الحقيقة. هذا الأمر أصبح معتادا، تماما كادعائهم المعايير الأخلاقية في المغامرات الكثيرة الفاشلة في الشرق الأوسط. يبدو أن وصول حكومة تُفاخر بيمينيتها وعنصريتها وفاشيتها إلى سدة الحكم، لن يغيّر السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، لكنه سيُسهم في توسيع رقعة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وإدانة إسرائيل، وتثبيت صفة نظام الفصل العنصري، خاصة في أدبيات منظمات حقوق الإنسان العالمية. وسوف تبدأ معركة نشر الوعي بأن إسرائيل ليست دولة أبارتهايد، وإنما مشروع كولونيالي إحلالي يجب تسميته والتعامل معه، «أي أننا وصلنا في الصراع إلى نقطة مواجهة غير مسبوقة، في معركة نسف الرواية الإسرائيلية، وهذا مهم» في تقدير توماس فريدمان. نأمل ذلك، وننتظر نوعا من التغيير الراديكالي للرأي العام من خلال ما يسميه تشومسكي وسائل الإعلام البديلة ووسائط التواصل الاجتماعي. عبر هذا التغير في النظرة، يمكن كسر الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وتبني واشنطن «علاقة عادية» مع تل أبيب كما يدعو لها ستيفن والت، إلا أن إحدى العقبات التي تواجه ذلك هي أن اللاعبين السياسيين، أي الإسرائيليين والفلسطينيين، يتم تصويرهما في الإعلام كندين متوازنين يحملان القدر نفسه من المسؤولية. وبوجود مشاهد دائمة تصوّر «إسرائيل وهي تدافع عن نفسها» أو «إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، فإن هناك قلبا لدور الضحية والجلاد، لاسيما من خلال إلقاء اللوم على لاعبين معينين، مثل حركة حماس والجهاد، في كل تصعيد يحدث، مع إهمال عوامل مثل، التعدي المستمر على حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل. وأن المُحتل هو الذي يبادر دائما لمفاقمة حالة النزاع، بمثل ما يقوم به في جنين ونابلس والقدس وغيرها من أرجاء فلسطين المحتلة.
قادة المستوطنين الأكثر دموية حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، كانوا على الدوام ظاهرة يخجل منها أغلب الإسرائيليين. والآن يفوز هؤلاء القادة في الانتخابات، ويصبحون ركنا معلنا ورسميا من أركان النظام الإسرائيلي. بن غفير يهدد بحل الائتلاف الحكومي في حال تراجع عن المصادقة على خطة التعديلات القضائية. حكومة تحت ابتزاز المتطرفين، تصادق على التعديلات ليضمن نتنياهو عدم تفكك حكومته، وبالتالي عدم خسارة منصبه في الوقت الحالي. تجاهل واضح من قبل المتطرفين لحالة الاحتجاج والانقسام المجتمعي واشتعال الاحتجاجات في الشارع، وفقدان حكومة نتنياهو لصلتها بالواقع، يجعلها تغامر بشل الحياة في كامل إسرائيل من قبل المعارضة. فعلا: من يستطيع إذن أن يتنبّأ بسلوكهم في مقاعد الحكم واتخاذ القرار؟ هذا شأنهم الداخلي، ما بالك بطبيعة تعاملهم مع الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية. حالة من الفوضى يصح معها قول عالم السياسة الإسرائيلي شلومو أفنيري: «إن الرواد الصهاينة الأوائل لم يكن في مقدورهم مواجهة حقيقة أن ثمن الصهيونية هو طرد العرب، ولذا أخذت آليات الدفاع عن النفس شكل تجاهل تحديد المشكلة العربية. فالتمسّك بالرؤية الصهيونية لم يكن ممكنا من دون اللجوء بشكل واع لخداع النفس». إسرائيل ذاهبة نحو مزيد تعميق الأزمة، وهذا طبيعي بالنسبة لأي كيان احتلال مصيره الزوال.
كاتب تونسي