- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
لماذا أعلنت الصين وروسيا استخدام العملات المحلية في مدفوعات الغاز؟
لماذا أعلنت الصين وروسيا استخدام العملات المحلية في مدفوعات الغاز؟
- 21 سبتمبر 2022, 9:19:36 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في إطار المساعي لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب، أبرمت روسيا، يوم 6 سبتمبر 2022، اتفاقية مع الحكومة الصينية لاستلام مدفوعات إمدادات الغاز الروسية إلى الصين باليوان الصيني والروبل الروسي بدلاً من الدولار؛ ما يسهم في تعزيز قيمة العملتين مقابل الدولار، ويخفف من هيمنة الدولار بوصفها عملة احتياطي نقدي عالمية ومن ثم يقلل من هيمنة أمريكا الاقتصادية ويقلل من جدوى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها.
وقد تلاقت المصالح الروسية–الصينية بوصفهما حليفين استراتيجيين، ليس فقط لتأمين إمدادات الطاقة بينهما، بل لتحقيق أهداف أخرى؛ حيث تهدف الصين إلى تطوير نظام مالي جديد بعيداً عن الدولار ليدعم عملتها الوطنية ويعزز تنافسية صادراتها، ويحد من هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي بوصفها قوى اقتصادية عظمى، واتفق ذلك مع المساعي الروسية للحد من قدرة واشنطن على فرض عقوبات على الدول، خاصة بعد العقوبات الغربية التي فرضت عليها عقب الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبتها في توفير أنظمة مالية عالمية بديلة لنظام سويفت. ومن ثم تعد روسيا أكبر حليف استراتيجي للصين لإنجاح رغبتها في إضعاف القوة الاقتصادية لأمريكا من خلال التخلي عن الدولار.
ولم تكن تلك هي الخطوة الأولى للحكومة الروسية للتحول بعيداً عن الدولار؛ حيث أقرت الدولة منذ مارس 2022 مبادلة إمدادات الغاز للدول الأوروبية والدول غير الصديقة مقابل الروبل الروسي، فضلاً عن سعيها إلى عقد تحالفات استراتيجية مع الدول الآسيوية وخاصة الصين، وإقامة نظام مدفوعات عابر للحدود خاص بهما؛ ما قد يغير موازين القوى العالمية لصالح الاقتصاد الصيني.
تحالف استراتيجي
وقعت شركة غازبروم الروسية مع شركة البترول الوطنية الصينية “سي إن بي سي” اتفاقية تتعلق بخط أنابيب الطريق الشرقي المعروف باسم “باور أوف سيبيريا”، وتستهدف التحول إلى مدفوعات إمدادات الغاز إلى الصين باليوان الصيني والروبل الروسي بدلاً من الدولار، بحيث تكون دفعات شحنات الغاز مناصفة بين العملتين الروسية والصينية. وقد تم توقيع عقد خط أنابيب سيبيريا بين الصين وروسيا في عام 2014 لتزويد الغاز عبر خط يبلغ طوله 3000 كيلومتر في الشرق الأقصى الروسي الممتد من حقل كوفيكتينسكوي للغاز في منطقة إيركوتسك إلى حقل تشاياندينسكوي في ياقوتيا؛ وذلك بقيمة 400 مليار دولار أمريكي على مدى 30 عاماً، بدأت منذ ديسمبر 2019، وقد أعلنت روسيا عن اكتمال بناء امتداد خط الأنابيب لتبدأ في تلقي الغاز من كوفيكتينسكوي قبل نهاية العام الجاري؛ ما سيسمح لشركة غازبروم بالوفاء بالتزاماتها التعاقدية بزيادة إمدادات الغاز إلى الصين في عام 2023.
لا يمكن إغفال أن هذه الاتفاقية تعكس التنامي في مؤشرات التقارب بين روسيا والصين في الفترة الأخيرة؛ حيث تشكل سياق داعم لهذا التقارب؛ وذلك على النحو التالي:
1- ارتفاع حجم التجارة البينية: نمت العلاقات بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرةباطراد؛ حيث ارتفع إجمالي التجارة بين البلدين خلال عام 2021 ليسجل 147 مليار دولار تقريباً؛ حيث كانت روسيا مصدراً رئيسياً للنفط والغاز والفحم والسلع الزراعية، وارتفعت قيمة الواردات الصينية من روسيا في أغسطس 2022 بنسبة 59.3%، على أساس سنوي لتصل إلى 11.2 مليار دولار، وتعد روسيا ثاني أكبر مورد للنفط إلى الصين بعد المملكة العربية السعودية؛ فعلى سبيل المثال، بلغت واردات النفط الروسية إلى الصين في يوليو 2022 نحو 7.15 مليون طن، بزيادة قدرها 7.6% على أساس سنوي، كما أشارت تقديرات منصة “إس آند بي جلوبال” إلى ارتفاع واردات الصين من الغاز المسال الروسي إلى أعلى مستوى خلال ما يقارب عامين؛ حيث استوردت الصين 611 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال الروسي في أغسطس 2022. وترتبط هذه المعطيات برؤية طموحة سبق أن عبر عنها الرئيسان الروسي والصيني حول ضرورة مضاعفة التجارة بين الدولتين لتصل إلى 200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2024.
2- تلاقي مصالح الدولتين في مجال الطاقة: تشكل روسيا قوة عالمية عملاقة في صناعة النفط والغاز، وتحتاج الصين بشدة إلى المزيد من الطاقة لتغذية نموها الاقتصادي؛ حيث تعتبر ثاني أكبر مستورد للطاقة من روسيا بعد الاتحاد الأوروبي، وترغب روسيا في إيجاد بديل لصادراتها من الغاز بدلاً من المستوردين الأوروبيين، في حين ترغب الصين في تأمين وارداتها من الطاقة من حليف استراتيجي لها أمام القوى الغربية. وفي ذلك الإطار وقع البلدان في فبراير 2022، اتفاقًا لتسليم 10 مليارات متر مكعب أخرى (353 مليار قدم مكعب) من الغاز الروسي سنوياً على مدى 25 عاماً إلى الصين عبر خط أنابيب جديد؛ حيث تهدف روسيا إلى بناء خط أنابيب غاز ثانٍ (قوة سيبيريا 2)، بسعة 50 مليار متر مكعب سنوياً ليمتد عبر منغوليا إلى الصين.
فيما وقعت روسنفت اتفاقاً مع شركة سي إن بي سي الصينية، في شهر فبراير 2022، لتزويد 100 مليون طن من النفط عبر كازاخستان على مدى 10 سنوات. وتعتزم جازبروم زيادة صادرات الغاز إلى الصين إلى 48 مليار متر مكعب سنوياً، سيتم استلام مدفوعاتها بالعملات الوطنية رغبةً من الدولتين في استبعاد التعامل بالدولار للقضاء على الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد المالي العالمي.
3- رد فعل روسي على العقوبات الغربية: بلغ احتياطي العملات الأجنبية الروسية حتى نهاية يناير 2022 نحو 469 مليار دولار، ولكن العقوبات الغربية على احتياطيات البنك المركزي الروسي الموجودة في الخارج، أدت إلى حرمان موسكو من نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي، فضلاً عن فصلها عن نظام سويفت؛ ما وضع أمامها عراقيل جدية أمام تجارتها الدولية، وقد رغبت روسيا في حماية معاملاتها التجارية حتى لا تقع تحت وطأة تلك العقوبات الغربية، من خلال التخلي تدريجياً عن التعامل بالدولار واليورو والعملات الغربية الأخرى، وتعزيز استقرار عملتها الوطنية وأنظمتها البنكية، وبدأت روسيا بالفعل تصدر قروضاً باليوان الصيني خلال الفترة الماضية واستغنى بعض بنوكها عن نظام سويفت، كما اتفق البلدان على أن تكون عقود التصدير بينهما باليوان الصيني.
4- طموح موسكو إلى خلق نظام موازٍ للهيمنة الأمريكية: بعد العقوبات المفروضة على روسيا عام 2014، حصنت روسيا اقتصادها باتخاذ إجراءات استباقية لخلق نظام موازٍ لكسر الركائز الثلاث للهيمنة الاقتصادية الأمريكية وهي نظام السويفت المالي والدولار ونظام السيبس؛ فقد قامت روسيا تدريجياً بإزالة الدولرة من نظامها وإنشاء نظام دفع خاص بها SPFS كبديل احتياطي لنظام السويفت. كما افتتحت الصين وروسيا أول خط لتبادل العملات في عام 2014، وتم تجديده في عام 2020 مقابل 150 مليار يوان على مدى ثلاث سنوات. كما خفضت روسيا، بحسب تقارير لموقع إندبندنت عربية، حصة الدولار في احتياطها النقدي من 40% في عام 2013 إلى 24% تقريباً خلال عام 2021.
5- رغبة الصين في تخفيف هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي: استمر الدولار الأمريكي عملة رسمية للاحتياطي النقدي العالمي منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944، واستمرت حصته مستقرة خلال العقود الماضية، ولكن مع احتدام تداعيات جائحة كورونا وتعطل سلاسل التوريد خلال الأزمة، ارتفع عجز الموازنة الأمريكية؛ ما جعل الدولار عملة أقل جاذبية في جميع أنحاء العالم، ومن ثم انخفضت حصة الدولار من احتياطيات العملات العالمية للمرة الأولى منذ عام 1997 إلى 59%. وتسعى الصين إلى تخفيف هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي لصالح اليوان، خاصةً أن بعض التقارير تشير إلى مساعي العديد من البنوك المركزية في العالم إلى الاستثمار وتضمين اليوان الصيني ضمن احتياطياتها المالية.
تداعيات ممتدة
تسهم السياسات الروسية–الصينية لتسوية معاملاتهما الخارجية بعملتيهما المحليتين في التأثير إيجاباً على اقتصاد البلدين، فيما قد يحد تدريجياً من قوة الدولار، ومن ثم قوة الولايات المتحدة وسيطرتها على التجارة العالمية والنظام المالي العالمي. وتتمثل تلك التداعيات فيما يلي:
1- دعم الخزينة الروسية من مصادر دخل موثوقة: يصب قرار التعامل بالعملات الوطنية بعيداً عن الدولار وعملات الدول غير الصديقة في مصلحة روسيا، من خلال التغلب على العقوبات الغربية وزيادة قدرتها على حماية مصارفها التجارية، بتوفير نظام مدفوعات مالية مقبول عالمياً، فخلال السنوات الماضية وقعت روسيا اتفاقاً مع الصين لتزويدها بنحو 400 مليار دولار لمدة 30 عاماً ابتداءً من 2019، وهو العقد الذي تم تمديده مع بداية الحرب الأوكرانية بنحو 37.5 مليار دولار، ومن المرجح تنفيذ هذا الاتفاق بالعملتين المحليتين للدولتين، وهو ما سيساعد في دعم الخزينة الروسية من مصادر دخل موثوقة بدلاً من الاعتماد على العملات الأوروبية والأمريكية.
2- حماية التجارة الروسية–الصينية وتشجيع الاستثمارات: يسهم الاتفاق على تبادل ومقايضة العملات بين الصين وروسيا في حماية التجارة الثنائية والاستثمار من تقلبات مخاطر أسعار الصرف الكامنة في استخدام عملة ثالثة، مثل الدولار، ويعزز التبادلات الاقتصادية والتجارية الثنائية بين البلدين. وتتوقع دائرة الجمارك الاتحادية الروسية أن ترتفع تعاملات البلدين بعملتيهما في المبادلات التجارية بنهاية عام 2022 الجاري بمعدل الضعف إلى ما يعادل 50 مليار دولار؛ حيث قررت الصين فتح خط مبادلة كامل مع روسيا لإمدادها بجميع وارداتها التي أثرت عليها العقوبات الغربية بالعملتين المحلتين. ويرجح أن يلحق ذلك الأمر خسائر كبيرة بالولايات المتحدة.
3- تخفيض التأثير التضخمي للإنفاق الاستثماري الروسي: زادت روسيا بشكل مطرد استثماراتها في اليوان الصيني، لتصبح واحدة من أكبر حاملي الاحتياطيات بالعملة الصينية في العالم؛ حيث بلغت حيازات روسيا من اليوان، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرج في شهر سبتمبر الجاري، نحو 180 مليار دولار، بما في ذلك مشتريات إضافية غير محددة تمت العام الجاري، ويمثل اليوان نحو 17.1% من حيازاتها؛ بحيث يتم إنفاق تلك الأموال على مدى الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة للمساعدة في تغطية التكلفة الضخمة لاستبدال التقنيات الأجنبية، وتحويل البنية التحتية للنقل نحو أسواق جديدة في آسيا. وتدرس روسيا خطة لشراء ما يصل إلى 70 مليار دولار من اليوان وعملات دول صديقة أخرى؛ للمحافظة على استقرار قيمة الروبل قبل التحول إلى استراتيجية طويلة الأجل لبيع حيازاتها من العملة الصينية لتمويل الاستثمار، بما يسهم في تعزيز الروبل الروسي، ويساعد على تعويض التأثير التضخمي للإنفاق الاستثماري.
4- تعزيز العملات المحلية مقابل رفع تكاليف التمويل والاقتراض الأمريكية: قد يفضي قرار تسلم مدفوعات الغاز الطبيعي بالروبل واليوان إلى تعزيز سعر صرف العملتين، كما سيؤدي التحول الناجح في تقليص دور الدولار في التجارة العالمية مع ارتفاع قيمة الروبل أو اليوان، إلى رفع أسعار الفائدة على الديون الأمريكية ومن ثم ارتفاع تكاليف التمويل والاقتراض في الولايات المتحدة، وانخفاض الرغبة في امتلاك الأصول الأمريكية.
5- إضعاف التأثير الأمريكي على التجارة العالمية: يرجح أن تؤدي التحركات الراهنة للصين وروسيا إلى إضعاف مكانة الدولار الأمريكي الذي ظل على مدار العقود الماضية المهيمن على حركة التجارة العالمية، إذ يسهم اعتماد الصين وروسيا على عملاتها الوطنية، في تخفيض الطلب على الدولار، ومن ثم انخفاض قيمته؛ ما يعني خسائر كبيرة للدولار الأمريكي، فضلاً عن أن مبادرة الحزام والطريق الصينية للتجارة مع عدد كبير من الدول تسهم في زيادة الطلب على اليوان الصيني كعملة احتياطية دون الحاجة إلى استخدام الدولار؛ ما يعني التدرج في إلغاء الدولار مستقبلًا، ومن ثم تقليص هيمنة أمريكا على التجارة العالمية، والحد من قدرة تأثير العقوبات الأمريكية على الدول.
سلة عملات
وأخيراً، يمكننا القول إن قوة التحالف الروسي–الصيني في مواجهة العقوبات الغربية، سيزيد قوة ونفوذ الصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيسهم في تغيير موازين القوى العالمية؛ حيث ستتحول الدول وشركاتها ومنتجو الصناعات الأخرى إلى تسويات معاملاتها الخارجية باليوان الصيني وعملاتها المحلية، كما يسهم في ظهور تحالفات جديدة ستؤثر على خريطة الاقتصاد العالمي، وتؤثر بالتبعية على اقتصاد العديد من الدول الاقتصادية الكبرى؛ حيث يتبنى الاتجاه الروسي–الصيني، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وكذلك دول منظمة شنجهاي للتنسيق فيما بينها لبدء التخلي المنظم والتدريجي عن استخدام الدولار كعملة تبادل رسمية، والاعتماد على العملات الوطنية في معاملاتها وتكوين احتياطياتها المالية.
وستزداد قوة التحالف في حالة انضمام دول بريكس الأخرى؛ ما سيعجل إضعاف الدولار الأمريكي، ويزيد من احتمالية التخلي عنه كعملة احتياطي نقدي عالمية، ويزيد من قوة ونفوذ اليوان كبديل للدولار، ولكن على المدى الطويل، يحمل الاعتماد على عملة دولة واحدة، وإن كان اقتصادها قوياً، مخاطر عدة، فبدلاً من وقوع الدول تحت هيمنة الدولار الأمريكي سيتم استبدال الهيمنة الصينية به. ومن ثم، للحفاظ على التوازن الجيوسياسي الحالي، يتحتم على الاقتصادات العالمية التخلي عن الاعتماد على عملة دولة واحدة فقط، والتوجه نحو تبني سلة من العملات القوية وتعزيز قيمة عملاتها المحلية، أو قبول التسويات بالعملة الاحتياطية الجديدة المحتملة لدول بريكس، التي تمثل بالفعل سلة من العملات، بعيداً عن الوقوع تحت سيطرة اليوان الصيني أو الدولار الأمريكي فقط.