ماذا تعني دولة طالبان لسياسة دول مجلس التعاون الخليجي؟

profile
  • clock 24 أكتوبر 2021, 4:08:18 م
  • eye 691
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أثارت سيطرة "طالبان" على أفغانستان والانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من البلاد قلق العديد من الدول العربية في الخليج، ولم يعترف أي منها بالنظام الجديد. إن مصدر القلق الرئيسي هو تأثير صعود "طالبان" إلى السلطة على الجماعات الإسلامية في مجلس التعاون الخليجي، وكيف أن إنشاء إمارة إسلامية سيعزز معارضتهم ومقاومتهم لحكومات الخليج.

علاقة خلافية تاريخيا

يعود دور أفغانستان في تحديد الحركات الإسلامية الإقليمية إلى عقود مضت. عندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان في عام 1979، شجعت الدول العربية في الخليج الشباب الملتزمين دينياً للانضمام إلى الحرب لمواجهة توسع الأيديولوجية الشيوعية. قدمت السعودية، على وجه الخصوص، موارد هائلة وجنودًا لأفغانستان، حيث بدأ الاتحاد السوفيتي في تهديد حدودها الجنوبية عبر اليمن. كما أرسلت الكويت أفواجاً من المقاتلين بالإضافة إلى حملات إغاثة ودعم مادي ولوجستي لـ"الجهاديين" الأفغان.

بعد وقت قصير من الغزو، انضم تنظيم القاعدة المتصاعد، بقيادة السعودي "أسامة بن لادن" والفلسطيني "عبدالله عزام"، إلى الحرب، وأرسل كوارده لاستقطاب الشباب العربي للانضمام إلى التنظيم والقتال إلى جانب "المجاهدين الأفغان".

احتدمت الحرب الأهلية الأفغانية بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، الذي انتهى بانتصار "طالبان" عام 1996. اعترفت السعودية والإمارات، بالإضافة إلى باكستان فقط بالإمارة الإسلامية التي تسيطر عليها "طالبان" لكن الرياض تراجعت عن اعترافها عندما رفضت "طالبان" تسليم "بن لادن" للسعودية.

وقطعت المملكة علاقتها رسميًا بالنظام، وطردت القائم بالأعمال في السفارة الأفغانية "مولاي مطيع الله"، إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

سقطت "طالبان" بسرعة في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكانت الدول العربية في دول الخليج حريصة على إزالة قبضة "طالبان" عن السلطة. كان لدولة الإمارات دور بارز في تدريب قوات النخبة الأفغانية على مواجهة "طالبان" وقدمت موارد ودعمًا هائلين للإطاحة بالنظام.

وفي عام 2008، استضافت السعودية محادثات سلام بين مسؤولي الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، والتي لم تنجح في النهاية. كما قادت الإمارات جولة غير ناجحة من مفاوضات السلام بالتعاون مع باكستان.

في عام 2013، تدخلت قطر لقيادة محادثات السلام بين "طالبان" والولايات المتحدة. وأدت هذه الجهود إلى اتفاق الدوحة، المعروف أيضًا باسم اتفاقية إحلال السلام في أفغانستان. ونص الاتفاق على انسحاب جميع قوات الناتو من أفغانستان مقابل تعهد "طالبان" بمنع القاعدة من العمل في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

"طالبان" تصعد إلى السلطة مرة أخرى

لا يزال العالم في حالة ذهول بسبب سيطرة "طالبان" السريعة على كابل. وبالرغم من دهشتهم من انهيار الحكومة الأفغانية وما نتج عنه من نزوح جماعي، فقد أثار هذا الاستيلاء الشكوك في دول الخليج العربية وأثار مرة أخرى مخاوف من الحركات الإسلامية المتطرفة.

ويأتي هذا التهديد في وقت لا تزال فيه الإمارات والسعودية منخرطتين بعمق في محاربة الإسلام السياسي في المنطقة، وهي سياسة تبنتاها باهتمام أكبر بعد الثورات العربية في 2010-2011.

وقد كتب "عبدالخالق عبدالله" الباحث السياسي المقرب من النخب في الإمارات على تويتر: "صعود طالبان في أفغانستان قد يحفز الإرهابيين الذين يتبعون الحركات الإسلامية الجهادية والمتطرفة... ويتهمون المسلمين بالإرهاب. حركة الإسلام السياسي الذي رفع شعار (الإسلام هو الحل) تريد أن يكون مستقبلنا طالباني". من ناحية أخرى، هنأ مفتي عمان "أحمد الخليلي"، الذي يمثل أعلى مؤسسة دينية في عمان، "طالبان" عبر تويتر على "النصر من الله على أمريكا المتغطرسة".

وقد رحبت التيارات الإسلامية في المنطقة بعودة "طالبان"، في مؤشر على عودة الحركات الإسلامية الحركية. والحقيقة المرة هي أن سيطرة "طالبان" ستشجع على الأرجح الحركات الأيديولوجية والأصولية، لا سيما بين السلفيين و"الإخوان المسلمون"، التي سعت دائمًا، من خلال وسائل مختلفة، إلى إقامة حكومات إسلامية.

ويحذر محللون سياسيون من أن هذه الجماعات قد تتخذ الآن نفس النهج الذي تتبعه حركة "طالبان" في الدول العربية، بما في ذلك الدول العربية في الخليج.

يأتي ذلك في وقت تسعى فيه السعودية إلى تحقيق مزيد من الانفتاح الاجتماعي، والحد من دور المؤسسات الدينية، والتخلي عن السيطرة على الحياة الاجتماعية للسعوديين. هل سيثير استيلاء "طالبان" على السلطة حماس الحرس القديم وإحساسه بالنصر عبر الحدود لتفكيك هذا التقدم؟ سيكون من الصعب الإجابة على هذا السؤال حتى تتضح علاقة "طالبان" بالمجتمع الدولي.

التهديدات الأمنية والأيديولوجية كثيرة

في هذا السياق، من المهم أن نتذكر اتهام القاعدة في يونيو/حزيران 2018 لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، بـ"استبدال أئمة التوحيد بعبثية الملحدين والعلمانيين من الشرق والغرب"، وفتحه على نطاق واسع للفساد والانحلال الأخلاقي ". وجاء في البيان أيضا أن "بن سلمان" استبدل المساجد بدور سينما، منتقدين هيئة الترفيه لكونها "نذير هلاك". وهذا يشير إلى تشكيل معارضة رجعية للإصلاحات الاجتماعية الأخيرة، وقد تنتظر هذه الكيانات الفرصة المناسبة لتحقيق أهدافها الأيديولوجية؛ سواء من خلال المنتديات العامة أو المزيد من الإجراءات الاستفزازية.

ستواجه الإمارات، التي لا تزال منخرطة في صراع إقليمي ضد الإسلام السياسي، قريبًا زخم الحركات الإسلامية المنتعشة محليًا وإقليميًا. وتخشى الإمارات أن تركيا، خصمها اللدود، التي تعتبر حكومتها صديقة للإخوان المسلمين وتعمل عن كثب مع منافستها قطر، تهدف إلى استغلال تعاطف الجماعات الإسلامية لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى توسيع مجالات المنافسة بين هذين الخصمين، خاصة وأن تركيا فتحت اتصالاً مباشرًا مع "طالبان" مؤخرًا بعد أن ذهب وفد برئاسة القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني "الملا أمير خان متقي" إلى أنقرة. وأجرى الطرفان مباحثات حول تحسين العلاقات الثنائية والتجارة والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى قضية اللاجئين والملاحة الجوية.

وقد جاءت هذه الدعوة من وزير الخارجية التركي، مما يشير إلى أن تركيا تسعى لبناء تواصل قوي مع الحركة الإسلامية، مما يثير بالتأكيد قلق الإمارات.

قد تشكل عودة القاعدة وداعش إلى أفغانستان أيضًا تهديدًا أمنيًا كبيرًا لدول الخليج العربية. في 9 سبتمبر/أيلول، قال الأمير السعودي "تركي الفيصل" لشبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، إن "السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ضعيفة وتحتاج إلى تطمينات من واشنطن بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان". وعبّر عن قلقه العميق من احتمال وقوع أسلحة أمريكية في أيدي الجماعات المتطرفة في أعقاب الخروج من أفغانستان.

وفقًا لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فقد كلف ولي العهد السعودي بالفعل "الفيصل"، الذي يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع "طالبان" والذي لعب دورًا بارزًا في مساعدة المجاهدين الأفغان ضد السوفييت، على تجديد الاتصالات مع "طالبان".

سيكون التعامل مع تقدم "طالبان" تحديا كبيرا لدول الخليج العربية، وخاصة السعودية والإمارات. ولكن العامل الحاسم هو ما إذا كانت "طالبان" ستعمل كمبشر للحركات الإسلامية وتدعم معارضتها للأنظمة الحاكمة، أو ما إذا كانت ستعمل على الاندماج في المجتمع الدولي. فقط الوقت كفيل بالإثبات.

المصدر | وفاء علام - مركز ويلسون


التعليقات (0)