- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ماذا تعني مشاكل الصين الاقتصادية بالنسبة للشرق الأوسط؟
ماذا تعني مشاكل الصين الاقتصادية بالنسبة للشرق الأوسط؟
- 13 سبتمبر 2023, 9:08:50 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشر موقع "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي تقريرًا، تناول تأثير الوضع الاقتصادي في الصين على منطقة الشرق الأوسط، مستعرضًا التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني وتداعياتها على علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط واستثماراتها في المنطقة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في بداية سنة 2023، كان هناك تفاؤل شديد بأن الصين ستشهد انتعاشًا سريعًا في الإنفاق الاستهلاكي، وتسارعًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولكن منذ ذلك الحين، أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود. ومع ذلك، يمثل الاقتصاد الصيني المتعثر مشكلة، ليس للصين فحسب، بل للعالم أجمع؛ حيث يشكل مسار اقتصادها مصدر قلق كبير للقادة والمستثمرين الدوليين، الذين يعتمدون عليه لدفع النمو العالمي، ويكون بمثابة الحصن الأساسي ضد الأزمات. وسوف يؤثر الركود طويل الأمد أو الانهيار المالي المفاجئ، في حالة حدوثه، على الأسواق العالمية؛ بما في ذلك بلدان الشرق الأوسط، التي أصبحت اقتصاداتها مترابطة على نحو متزايد مع اقتصاد الصين.
تعثر التعافي الاقتصادي في الصين
وذكر الموقع أن اقتصاد الصين -الذي بلغ حجمه 18 تريليون دولار- يواجه صعوبات، وقد تباطأ بشكل ملحوظ في الربيع، ما بدد الآمال في نمو قوي بعد رفع القيود الصارمة التي فرضها فيروس كورونا، وانكمش نشاط التصنيع المحلي للشهر الخامس على التوالي في آب/ أغسطس. كما تراجع النمو في قطاع الخدمات في البلاد، الذي يُعد مصدرًا رئيسيًّا لتشغيل العمالة. فقد أصبح المستهلكون الصينيون ينفقون أقل، الأمر الذي يفرض ضغوطًا هبوطية على أسعار السلع والخدمات، ويثير قلقا عميقا بشأن حالة الاقتصاد.
وفي ظل أزمة سوق الإسكان في الصين؛ تخلفت أكبر شركة تطوير عقاري في البلاد، كانتري جاردن، عن سداد مدفوعات سنداتها، وقُدرت خسائرها لما يصل إلى 7.6 مليارات دولار في النصف الأول من السنة. وأثارت أزمة العقارات المتصاعدة المخاوف بشأن مخاطر العدوى. لدى كانتري غاردن ديون غير مدفوعة بقيمة 200 مليار دولار. تقدمت مجموعة إيفرغراند المتعثرة مؤخرًا بطلب للحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة.
وأوضح الموقع أنه إلى جانب مواجهة الاقتصاد الضعيف وعمليات بيع العقارات، يتعين على حكومة الرئيس شي جين بينج أيضًا أن تتعامل مع قطاع الظل المصرفي الضخم المضطرب للغاية في البلاد، فضلاً عن الديون الضخمة المستحقة على الحكومات المحلية. أضف إلى هذه المشاكل؛ تراجع نسبة التجارة العالمية، الذي أدى إلى تفاقم تحدي النمو في الصين. وكان رفع أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية الغربية بهدف كبح جماح التضخم، إلى جانب ضعف الطلب الاستهلاكي في الأسواق المتقدمة، سببًا في هبوط الصادرات الصينية، مع انخفاض قيمة الرنمينبي إلى أدنى مستوياته منذ 16 سنة في مقابل الدولار.
وأضاف الموقع أن الاستثمارات الأجنبية الجديدة في الصين تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ 25 سنة في الربع الثاني من سنة 2023؛ حيث قلل المستثمرون من حجم استثماراتهم وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي في البلاد وتزايد التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة. وفي الواقع؛ استمر الاستثمار الأجنبي في التراجع طوال فصل الصيف. وما يساهم بشكل أكبر في انعدام الثقة في النمو المستقبلي للصين هو تراجع شفافية تقارير بكين عن البيانات الاقتصادية الأساسية.
وقد خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في يونيو/حزيران، وهي أداة تقليدية لمساعدة النمو، ولكن يبدو أن صناع السياسات مترددون في تقديم حزمة تحفيز قوية لتعزيز الاستهلاك.
وعلى خلفية التعافي المتعثر والدعوات الموجهة إلى صناع السياسات في الصين لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة، انزلق الاقتصاد الصيني إلى الانكماش، مع انخفاض أسعار المستهلك في تموز/ يوليو للمرة الأولى منذ سنتين. وقد سعى المسؤولون الصينيون إلى إضفاء طابع إيجابي على الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في حين أنكروا أن الانكماش يشكل أي مخاطر. وفي انعكاس لعدم اليقين بشأن المسار الاقتصادي للصين على المدى القريب؛ خفضت سلسلة من بنوك وول ستريت توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2023 للبلاد، فلقد أصبحت النظرة المستقبلية للصين قاتمة إلى حد كبير.
تقدم خانق أم " جانب مشرق" للشرق الأوسط؟
وذكر الموقع أن التباطؤ الاقتصادي في الصين يشكل تحديًا للنمو العالمي. وتوقع صندوق النقد الدولي في السابق أن تمثل الصين 35 بالمائة من النمو العالمي هذه السنة، لكن هذا يبدو احتمال غير وارد. ومع ذلك؛ من المؤكد أن تأثير اقتصاد بكين المتراجع سيختلف حسب البلد والقطاع، وستعتمد التأثيرات على الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك شدة ومدة الانكماش الاقتصادي في الصين، والعلاقات التجارية والاستثمارية المحددة بين الصين ودول الشرق الأوسط، والمرونة الشاملة للاقتصاد الإقليمي.
تجارة
وأضاف الموقع أنه ربما كان اقتصاد الصين المتعثر قد أضعف حماسة شركائها في الشرق الأوسط وأضعف فرصهم المباشرة في جني مكاسب اقتصادية سريعة ودائمة. لكن على مدى العقدين الماضيين؛ أصبح ارتباط بكين الاقتصادي بالمنطقة متجذرًا بعمق، فتُعد الصين الشريك التجاري الرئيسي لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشكل الطلب الصيني على الهيدروكربونات أهمية مركزية في العلاقات التجارية بين الصين والشرق الأوسط. وفي الواقع، كانت الصين دائمًا واحدة من الوجهات الرائدة للنفط الخام في الشرق الأوسط؛ حيث تصدر السعودية من نفطها الخام إلى الصين أكثر من أي دولة أخرى. وتعد الصين أيضًا سوقًا رئيسيًا لصادرات النفط الخام العراقي والإيراني والعماني والإماراتي والكويتي، وكذلك لصادرات الغاز الطبيعي المسال القطرية.
وتابع الموقع قائلًا إن الطلب الصيني على النفط شهد انتعاشًا قويًا في النصف الأول من سنة 2023، حيث استوردت المصافي كميات شهرية شبه قياسية. ومع ذلك؛ بينما أشارت الأرقام الرئيسية لواردات النفط الخام إلى الطلب القوي على النفط، فقد تم تخزين جزء كبير من هذا العرض بدلًا من تحويله إلى البنزين والديزل. وفي مواجهة ارتفاع الأسعار من كبار الموردين، مثل السعودية وروسيا، كانت الصين تتطلع إلى موردين أصغر مثل البرازيل وإيران لتأمين شحنات أرخص، مع خفض مخزوناتها المرتفعة أيضًا.
وأشار الموقع إلى أنه من الممكن أن تؤدي البيانات الاقتصادية الأضعف المتوقعة في الأشهر المقبلة إلى كبح نمو الطلب الصيني على النفط والغاز؛ حيث يتوقع محللو الصناعة أن تظل واردات الصين من النفط الخام السعودي على الأرجح في مسار هبوطي طفيف حتى الربع الثالث من سنة 2023. بالنسبة للسعودية - التي تعتبر الصين وجهة تصدير النفط الخام الأولى - لا يمكن أن تكون هذه التوقعات موضع ترحيب. وحتى الآن؛ بذلت السعودية جهودا حثيثة لدعم الأسعار بينما تمتعت روسيا بفوائد السوق الضيقة، وتحملت المملكة عبء ارتفاع أسعار النفط الذي استمر سبعة أسابيع في وقت سابق من هذا الصيف، وحصلت على إيرادات أقل على الرغم من زيادة الطلب.
ومع دخول عقد التوريد الجديد مع شركة رونجشينج للبتروكيماويات حيز التنفيذ، ستستورد الصين كميات أكبر من النفط الخام من السعودية بنسبة 40 بالمائة في أيلول/سبتمبر مقارنة بشهر آب/أغسطس. والأهم من ذلك، أن شركة الطاقة العملاقة أرامكو السعودية تظل ملتزمة بتوسيع نطاق وجودها في الصين. ولا تعد الصين أكبر سوق للخام السعودي فحسب، ولكنها أيضًا ذات أهمية متزايدة لطموحات أرامكو لتحويل جزء كبير من إنتاجها النفطي إلى بتروكيماويات وكذلك تعزيز مكانتها في السوق في سياق المنافسة مع روسيا.
وأوضح الموقع أن العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من عجز تجاري مع الصين. وحتى في حالة مصر، التي زادت صادراتها إلى الصين في الآونة الأخيرة، فإن حجمها يتضاءل أمام السلع المتدفقة في الاتجاه المعاكس. وبدرجات متفاوتة؛ ينطبق الشيء نفسه على دول أخرى، سواء في المغرب العربي وبلاد الشام (على سبيل المثال، المغرب، والأردن، والجزائر، وإسرائيل)، أو تركيا، أو الخليج (على سبيل المثال، إيران والإمارات العربية المتحدة).
وفي الحالات التي مكنت فيها صادرات النفط والغاز إلى الصين منتجي الشرق الأوسط من التمتع بميزان تجاري إيجابي (مثل العراق والكويت وعمان وقطر والسعودية)؛ تمثل السلع الصينية جزءًا كبيرًا من وارداتها وتشمل مجموعة واسعة من البضائع، بما في ذلك الآلات والإلكترونيات والمنسوجات والبلاستيك والمزيد.
السياحة
وأفاد الموقع أن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، تكتسب شعبية باعتبارها وجهات بعيدة المدى، فعندما انفتحت السعودية أمام السياحة في سنة 2019؛ وكان الحد الأكبر لعدد التأشيرات السياحية الصادرة للسياح الصينيين، في تلك السنة، كانت الصين خامس أكبر سوق مصدر في دبي.
وتكشف البيانات الحديثة الصادرة عن شركة فورورد لتحليلات السفر أن عدد الوافدين الصينيين إلى الإمارات في سنة 2023 يفوق الأرقام المسجلة في سنة 2019 بنسبة 6 بالمائة. ويمكن أن تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجة جديدة من الزوار الصينيين، لا سيما من الأثرياء والمسافرين من رجال الأعمال. وقد يعزز توسيع نطاق التأشيرات الإلكترونية من قبل السعودية والإمارات هذه الآفاق.
الانخراط في مبادرة الحزام والطريق
وأكد الموقع أنه بعد عقد من الإقراض والاستثمارات الضخمة، تعرضت مبادرة الحزام والطريق لضغوط، حيث عانت العديد من الدول الشريكة لها من ضائقة مالية. وقد استجاب الدائنون الصينيون من خلال خفض تدفقات الإقراض الخارجية الجديدة إلى البلدان النامية والتفاوض على العشرات من عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية، واستلزم رد فعل بكين إعادة التوجه بعيدًا عن مشاريع البنية التحتية الضخمة.
واستدرك الموقع أن دول الشرق الأوسط مثلت الاستثناء في سنة 2021؛ مع زيادة حادة في الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق ونشاط البناء؛ حيث لم يتم إيقاف سوى عدد قليل جدًّا من مشاريع مبادرة الحزام والطريق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد شهدت مشاركة الصين في مبادرة الحزام والطريق مع العراق على وجه الخصوص نموًا، ولا سيما في البنية التحتية للطاقة والنقل.
ولم تستغل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل كامل الفرص التي يوفرها طريق الحرير الرقمي في الصين، والذي لا يزال في مراحله الأولى. وبالنظر إلى المستقبل، فإن التوترات الجيوسياسية والمنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة قد تكون عائقًا أمام التقدم على هذه الجبهة أكثر من أي قيود قد يفرضها الركود الاقتصادي في الصين.
وخلص الموقع إلى القول إن الاقتصاد الصيني يواجه رياحًا معاكسة، التي قد تطال العالم أجمع. وحتى الآن؛ كان للضائقة الاقتصادية التي تعانيها الصين تأثير مختلط على الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، تستحق الإشارات التحذيرية بشأن ضعف الاقتصاد الصيني الاهتمام الوثيق من جانب صناع السياسات في المنطقة.