- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مالك التريكي يكتب: بين اتحاد الأفارقة وجامعة العرب
مالك التريكي يكتب: بين اتحاد الأفارقة وجامعة العرب
- 26 أغسطس 2023, 3:34:27 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لشدة ما ارتكبه مجرمو النظام السوري، ولا يزالون، من شنيع الفظائع وما أعملوه في شعبهم من أهوال التقتيل والتشريد، ربما يجوز أن ينعت انقلابيو العسكر في النيجر، من منظار النسبة والمقارنة، بأنهم حكماء رحماء طيبون أخيار!
ورغم هذا فإن سوريا عضو مرحب به اليوم في جامعة الدول العربية، أما النيجر فهي معاقبة بتعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي. وأيا يكن الرأي في الاتحاد الإفريقي ومدى قدرته على خدمة مصلحة شعوبه، فإنه يمتاز على جامعة الدول العربية على الأقل بخصلتين: أولا، أن عدد الملكيات الإفريقية التي ينتقل فيها الحكم بالوراثة لا يتجاوز ثلاثا من أصل 55 دولة عضوا. وثانيا، أن الاتحاد الإفريقي لا يعترف بالانقلابات العسكرية وبالحكومات التي تأتي بها الدبابات. وهذا هو سبب قراره تعليق عضوية كل من السودان وغينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. أما جامعة الدول العربية فإن أعضاءها لا يكتفون بالاعتراف بالانقلابات فحسب، بل إن أغنياءهم يحرضون عليها، مثلما فعلوا بتصميم ممنهج وتمويل سخي في أعقاب الثورات العربية.
صحيح أن الملكيات العربية كانت تخاف، طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، من الانقلابات العسكرية لأنها كانت تأتي بأنظمة تهدد مصالحها، بل تنادي بإزالتها. ولكن هذه الأنظمة التي كانت تدعي الثورية وتبشر بالاشتراكية والقومية قد كانت من السوء وانعدام الكفاءة وكثرة المغامرات الخارجية بحيث لم تخلف سوى الخراب. ولهذا يشيع الرأي الآن لدى كثير من العرب بأن الملكية هي النظام السياسي الأنجح في العالم العربي، وثمة من يمضي إلى حد الزعم بأنها النظام السياسي الأنسب للثقافة أو الذهنية الشعبية العربية. ولكن هذا ليس صحيحا. ذلك أن النظامين الجمهوري والملكي لم يجربا في العالم العربي في ظروف طبيعية وبشروط متكافئة حتى يمكن الميز أو الفصل بينهما. وإنما الواقع أن سوء الجمهوريات و«الجملكيات» العربية ورداءتها ودموية بعضها وكاريكاتورية بعضها الآخر، كل ذلك يجعل أي نظام آخر، أيّا كان، يبدو بالمقارنة مقبولا، بل جيدا.
الاتحاد الإفريقي لا يعترف بالانقلابات العسكرية وبالحكومات التي تأتي بها الدبابات. وهذا هو سبب قراره تعليق عضوية كل من السودان وغينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر
ومع ذلك فالقول بأن الاتحاد الإفريقي يمتاز على جامعة الدول العربية في مسألة الموقف من شرعية الحكم (رفض الانقلابات) إضافة لما تنعم به الصحافة في بعض البلدان الإفريقية مثل السنغال وكينيا، بل والنيجر ذاتها حتى عهد قريب، من هامش حرية، كل ذلك لا يعني أن إفريقيا أفضل من العالم العربي حالا في جميع المجالات. وأهم الأسباب هو استفحال الفقر وتعطل مسار التنمية، بل وعدم انطلاق المسار في بعض البلدان بتاتا. أما ما يفاقم مشكلة الفقر فهي مشكلة الانفجار السكاني التي صار من نتائجها البارزة هذه الموجات المتتالية من الهجرات البشرية التي تؤرق أوروبا وتنذر بزعزعة الاستقرار في شمال إفريقيا. وهذا هو السبب الأول لتخوف دول المغرب العربي من احتمال التدخل العسكري الإفريقي في النيجر لإعادة الشرعية الدستورية. إذ إن النيجر تعاني القحط الدائم (انحباس الأمطار) منذ عقود طويلة، وقد اجتاحتها مجاعات متكررة كان أحدثها في 2005 و2008 و2010 و2012. ورغم ذلك فإن معدل الولادات فيها هو الأعلى عالميا، حيث تبلغ نسبة خصوبة المرأة النيجيرية أكثر من 7 أطفال، بينما تكفي نسبة 2.1 لضمان التجدد السكاني. أي أن معدل التزايد السكاني في النيجر أعلى بكثير حتى من المعدل في البلدان الفقيرة، وهو معدل عال أصلا: حوالي 240 ولادة كل دقيقة (!) بينما المعدل في الدول الغنية 25 ولادة.
وقد أتيح لي أن أؤدي زيارات صحافية إلى النيجر، وذهبت إلى أريافها البائسة وأقمت أياما في مناطق زيندر ومارادي وديفّا قرب الحدود مع نيجريا. وكان معي مرة مصور أمريكي، ومرة أخرى صحافيان بريطانيان. وفي الزيارة الأخيرة كان معي مصور إيطالي لم يستطع أن يصدق ما شهدناه من فقر مدقع وجوع موحش. رأينا ما يفعله القحط بالشباب: يصيبهم بالقنوط فلا يفكرون إلا في الانضمام إلى عصابات الإرهاب (المسمّاة «جهادية») أو الهروب إلى جنة الشمال الأوروبي. ورأينا ما يفعله القحط بالنساء والأطفال: جدة عجوز ليس لها ما تطبخ لعدد كبير من أحفادها سوى أوراق الشجر! أي نعم. ولكنها أوراق كالعلقم ينفر من مرارتها الشديدة حتى الماعز المعروف بالقدرة على التهام كل شيء! تظل الجدة تغلي ورق الشجر المر في الماء لساعات، والأطفال الجوعى في أثناء ذلك ينظرون وينتظرون.