- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
مالك التريكي يكتب: متوازيات الانقلابات نصف المخبوزة
مالك التريكي يكتب: متوازيات الانقلابات نصف المخبوزة
- 1 يوليو 2023, 4:48:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثمة اختلاف في تعيين الحدث التاريخي الأدعى للمقارنة، أو المشابهة، مع الحمّى الفاغنرية التي انتابت مؤسسات الحكم الروسي بين 23 و24 يونيو: هل يعود هذا الحدث إلى تاريخ روسيا الحديثة أم إلى تاريخ روسيا القيصرية؟ صحيح أن بوتين، المعروف بولعه بالتاريخ الروسي، قد أدلى بدلوه في المسألة قائلا في خطابه الأول إن ما فعله مقاتلو فاغنر الخونة إنما هو طعنة في ظهر بلادنا وشعبنا، تماما مثلما حصل عام 1917 لما تم الإيقاع بالوطن في أتون حرب أهلية. ولكن المتابعين لاحظوا أن بوتين لم يوضّح: إذا كانت أحداث أواخر يونيو 2023 شبيهة بأحداث 1917، فما هو موقعه هو بالضبط: هل هو في وضع نيقولا الثاني الذي أسقطته ثورة فبراير، أم في وضع كيرينسكي الذي أضعفه تمرد الجنرال كورنيلوف (واعتزامه الزحف على موسكو في أغسطس) قبل أن يزيحه البلاشفة في أكتوبر؟
ومع ذلك فإن الإحالة البوتينية إلى واقعة من أخطر وقائع التاريخ الروسي الحديث تؤكد خطورة ما أحدق بالطاغية شخصيا لمدة ثمان وأربعين ساعة أو يزيد.
أما المؤرخون فمنهم من يرى أن الواقعة التي تقرب، في دوافعها ومغزاها، من هبّة يفغيني بريغوجين وأتباعه من المرتزقة المجرمين والسجناء العتقاء إنما هي الانتفاضة التي قادها ييملان بوغاتشوف من عام 1772 إلى 1774 ضد الإمبراطورة كاثرين (التي اعتلت العرش بعد أن أطاحت زوجها بطرس الثالث عام 1762). كان بوغاتشوف ضابطا في الجيش القيصري وخاض حرب السنوات السبع، من 1756 إلى 1763، والحرب التي انتهت عام 1774 بانهزام الجيش العثماني ووقوع عدد من الأراضي العثمانية، بما فيها شبه جزيرة القرم، في منطقة النفوذ الروسي.
تنصّت الكي جي بي يوم 29 يوليو على مكالمة أخبر فيها غورباتشوف خصمه السياسي بوريس يلتسن (الذي انتخب في يونيو رئيسا للجمهورية الروسية) باعتزامه إقالة وزير الداخلية السوفييتي بوريس بوغو ورئيس الكي جي بي فلاديمير كريوتشكوف
وفي 1773 تزعم انتفاضة ضد كاثرين سرعان ما اتسع نطاقها وشعبيتها. ومن الطريف أنه ادعى أنه بطرس الثالث زوج كاثرين (الذي قتل في السجن بعد أيام من خلعه عن العرش) ولا يعلم إن كان الفلاحون وأهل الأرياف صدقوا زعمه هذا، إلا أنهم ساندوا مطالبه بإلغاء الرق (نظام الأقنان) ووعوده بالإصلاح. لهذا تمكن من تجريد جيش سرعان ما غزا كامل المنطقة بين نهر الفولغا وجبال الأورال، نظرا إلى أنه كان مزودا بالمدفعية ومسلحا أفضل تسليح. ولكن رغم انتصار جيشه في سلسلة من المواقع، فقد اندحر آخر الأمر في أغسطس 1774. وفي 14 سبتمبر غدر به أنصاره من القوزاق وأسلموه إلى عدوه. فما كان من قادة الجيش القيصري إلا أن حبسوه في قفص معدني وأرسلوه إلى موسكو حيث أعدم ثم مثّل بجثته.
وعندي أن الحدث الأنسب للمقارنة والأقرب للموازاة مع هبّة بريغوجين، التي هي أجدر من الغزوة البوتينية بذلك الاسم الشهير: «العملية الخاصة» هو محاولة انقلاب أغسطس 1991. وجه الشبه الأول أن الذي أثار غضب بريغوجين هو قرار وزارة الدفاع، بمباركة من بوتين بكل تأكيد، حل جماعة فاغنر ودمج عناصرها في صلب الجيش؛ أما في 1991 فقد تنصّت الكي جي بي يوم 29 يوليو على مكالمة أخبر فيها غورباتشوف خصمه السياسي بوريس يلتسن (الذي انتخب في يونيو رئيسا للجمهورية الروسية) باعتزامه إقالة وزير الداخلية السوفييتي بوريس بوغو ورئيس الكي جي بي فلاديمير كريوتشكوف. ولهذا كان الاثنان ضمن زمرة الثمانية التي قادها غنادي ياناييف (نائب غورباتشوف) والتي أعلنت يوم 19 أغسطس أنه «نظرا إلى أن غورباتشوف عاجز لأسباب صحية عن أداء مهامه» (بينما كان الرجل في صحة جيدة، باستثناء ألم أسفل الظهر!) فإن «لجنة حكم» قد شكلت للغرض وقررت فرض حالة الطوارئ وحل الأحزاب ومنع المظاهرات وإعادة الرقابة على الإعلام. وجه الشبه الثاني أن الاستخبارات الأمريكية علمت باستعداد فاغنر للتحرك أسبوعين قبل الحدث؛ أما عام 1991 فقد أخبر بوش غورباتشوف منذ 20 يونيو (أي قبل شهرين) بأن مؤامرة تحاك ضده.
وجه الشبه الآخر أن في الانقلاب في الحالتين تردّدا وفتور عزم، لهذا أتى «نصف مخبوز». فقد كان بريغوجين ينوي الزحف على موسكو، ثم إذا بمجرد مهاتفة من لوكاشينكو تكفي لتثبيطه! أما عام 1991 فقد كان مظهر المنقلبين في المؤتمر الصحافي عجيبا: كانت يدا ياناييف ترجفان، وكانت أجوبته متناقضة حتى أن الصحافيين تجاسروا على السخرية منه على الملأ. ولا عجب، فقد كان زعيم الانقلاب مخمورا!