- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ما الذي يعرفه ChatGPT؟
أشعل برنامج الدردشة الآلي تشات جي بي تي ChatGPT الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي والقطاعات الأكاديمية والصحافية. وما يثير الاهتمام هو إعلان عدد من الشركات إطلاق محركات بحث تعتمد على هذا الذكاء الاصطناعي، أي بصورة أخرى، عوضاَ عن كتابة كلمات أو سؤال أو سطر في خانة البحث، في انتظار النتائج المشابهة، يمكن أن نخوض محادثة مع الذكاء الاصطناعي لنجد ما نريده.
الشكوك تحوم حول هذه التقنيّة، خصوصاً أن أرشيف ومرجعيات ونتائج "غوغل"، مثلاً، لم تدخل بعد ضمن هذا "الذكاء". وفي حال تم ذلك، نحن أمام تغيير في كيفية تلقينا الـ"معرفة"، إذ لم نعد نبحث في أرشيف، أو سجل أو فهرس يرصد الكلمات التي نريدها أو ما يشبهها، بل أمام محادثة، علينا إجادة أسلوب السؤال كي نصل إلى ما نريد. بالتالي، لا بد من تعلم ما لا نعرفه من قبل، فعادة البحث على "غوغل" يعتمد نظام SEO: أسلوب في الكتابة وضبط العلاقات المنطقية ضمن الجمل، كي يتمكن محرك البحث من التعرف إليها. وفي حال المحادثة، وذاكرة الذكاء الاصطناعي نفسه، لا بد من تغيير الأسلوب، تغيير لا نعرفه بعد ولا نعرف نتائجه.
ما زالت مصداقية هذا النوع محركات البحث منخفضة، خصوصاً حين نفكر بتجرد في السؤال: كيف يمكن أن نسأل الذكاء الاصطناعي أن يجد لنا بدقة ما نريده، وما شكل السؤال، كي نصل إلى النتيجة المتوقعة؟ قد يبدو الأمر في البداية سهلاً: "ما هو عدد الكواكب في مجرّتنا؟". لكن تعقيد السؤال يعني تشتت الذكاء الاصطناعي، خصوصاً أن أرشيف "غوغل" لا يحوي كل شيء بصيغة نص. مثلاً: "ما اسم الشخص الذي رقن حروف طبعة دون كيخوته في النسخة الثانية المترجمة للإنكليزية؟". هنا، لا بد من كتاب نطلع على صفحاته ونبحث فيها، أو مخطوط مصور نطلع عليه، ناهيك عن أننا لا نعلم بعد كيف ستظهر النتائج المشابهة لبحثنا ضمن "الحوار/ البحث".
كل هذه التفاصيل ما زالت غير محسومة، لكن صيغة السؤال نفسها تثير القشعريرة: هل وصلنا إلى هذ الزمن المتخيّل، حيث يكفي السؤال فقط كي نصل إلى الإجابة من دون بحث أو مقارنة أو تقييم؟ يحيلنا ما سبق إلى أشكال التحيز التي يتهم بها كل من الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث على حد سواء، والمقصود ترتيب النتائج بناء على الحقائق التاريخية، تلك التي أعيد النظر فيها لكن لم تعدل بعد أنظمة التشفير المتحيزة التي رُتب على أساسها فهرس البحث، الشأن الذي ما زال إلى الآن موضع جدل، والذي يمكن اختزاله بسؤال: كيف يجرى ترتيب النتائج؟ ومن ينال الأولويّة عند البحث عن موضوع ما؟
هناك انتقاد آخر يمكن أن يوجه إلى نظام البحث عبر الذكاء الاصطناعي وصيغة السؤال، المقصودة به استراتيجية التمثيل. يتضح الأمر عند البحث عن كلمة في خانة الصور. النتائج التي تظهر في الصفحة الأولى تعكس كثيراً من التحيزات والخيارات السابقة، والتعديلات التي تشكل مرجعيتنا الحالية عن الأشياء، فأول صفحة لـ"غوغل" حلت، حسب بعض المقاربات، مكان قائمة المدلولات الواقعية، أي كلمة "شجرة" لم تعد تحيل إلى أشجار في الواقع، بل مجموعة الصور التي تظهر في صفحة البحث. الإشكالي أننا لا نعلم إن كانت ستظهر كل هذه النتائج عندما نسأل الذكاء الاصطناعي "ما هي الشجرة؟"، وهل سيفصل نوع كل واحدة منها، أم سيكتفي بواحدة. ينسحب ذلك على الكثير من المفاهيم التي قد يبدو الخوض فيها حالياً حذلقة، لكنه يهدد إدراكنا للعالم واللغة نفسها على المدى الطويل.