- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب: فاجنر
لم أكن أتصور أن اسم مجموعة القتال - والقتل طبعا - الخاصة سيئة السيط - الروسية ، هي نسبة ، أو تيمنا بالموسيقار الشهير ريتشارد فاجنر 1813 - 1880.
وعندما سُئلوا عن سبب التسمية قالوا أن ذلك يرجع إلى الانسجام و " الهارموني " ، التام بين كافة أفراد المجموعة !
لكن انسجام وتفاهم تام في ماذا ؛ في القتل ؟!
القتل الرخيص أو بمقابل أجر معلوم ، يعني مرتزقة . و لكن مسموح ، أو بالأحرى متوافق على خدماتها من قبل الكبار !
لذا فلا يشملها القانون الدولي ولا تطولها أحكام محكمة الجزاء الدولية ، لكن ممكن تطول بوتن ذاته أو حتى قزم الشرق الأوسط !
و الإشكالية الأخرى هنا أن فاجنر ذاته كان من أشد المناهضين للتواجد اليهودي ، أو الصهيوني في أوربا ، و من أكثر المنادين بإبعادهم - وتلك لفظة مخففة - عن أوربا ، وكان ذلك في إطار حملة محمومة كانت قد اجتاحت كل أوربا من أقصاها إلى أقصاها ، ومنذ بداية القرن التاسع عشر ، و إلى أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزراها .
فماذا يعني إذن التواجد السابق لقوات فاجنر في أوكرانيا والتي يحكمها صهيوني متطرف كزلينسكي ؟!
شركة فاجنر القتالية الخاصة ، ربما هي النسخة الرديئة ، و الأقل احترافية - في القتل طبعا - من شركة " بلاك ووتر الأمريكية " ذائعة السيط - السيء طبعا .
وربما سُمح بمرورها ، و ممارسة أعمالها القذرة أمريكيا ، لرفع الحرج الأمريكي عن أعمال ، أو أهداف كانت تتمنى تحقيقها الأخيرة ، مع علمها المسبق بانها تضر بمصالح حلفائها - أو شركائها - مما سيوقعها في حرج بالغ ، و مكلف فيما لو قامت هي بذلك ، فتدع فاجنر ، أو حتى القوات الروسية ذاتها ، أن تقوم بذلك بالنيابة عنها ، و من غير أن يعلم أي من الأطراف المعنية عن حقيقة تلك الرغبة الأمريكية . و أقرب مثال على ذلك هو التواجد الروسي المسلح في سوريا ، والذي يمنع تركيا من التقدم أكثر مما هو متفق عليه بين روسيا و تركيا ، وحيث يلبيهذا رغبة أمريكية ما ترى انها تنسجم مع مصالحها ، ولا تسطيع هي ، من ثم ، أن تفعل ذلك بنفسها نظرا لما تربط الدولتين من علاقات استراتيجية ، وبصفتهما عضوين في حلف الناتو من ناحية ، و تواجد قاعد أمريكة كبرى في تركيا ذاتها ، وهي قاعدة انجرليك الجوية ، والتي كانت ، وللمفارقة ، موجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق ، و الآن صارت موجهة ضد روسيا الاتحادية ، من ناحية أخرى !
و ربما ما يكشف الدور الإرهابي الدولي المنظم ، والمرضي عنها ، أو المتوافق عليه أمريكيا ، هو دفاع وزير الخارجية الروسي لافروف عن أعمال فاجنر في أفريقيا قائلا ما مفاده : " انها متواجده في أفريقيا بناءا على رغبة أنظمة الدول التي استدعتها للحفاظ على أمن و استقرار هذه الدول - والحقيقة أن المقصود ، أو المستهدف ، هو الحفاظ على أمن و استقرار الأنظمة التى أستدعتها ، وليس دول أو شعوب تلك الأنظمة .
وهذا لا يعني تضارب بين أركان النظام الروسي بين بوتين ووزير خارجيته بطبيعة الحال ، ولكن يعني ربما مساومة أمريكية / أطلسية مع بوتين ، بتأمين وسلامة خروج فاجنر من روسيا ، ورحيلها بأسلحتها ، إلى " بيلاروس " - أو روسيا البيضاء - مقابل تجميد الصراع ، أو عدم تطوير الهجوم المضاد الأوكراني على القوات الروسية في أوكرانيا .
وقد بات هذا واضحا الآن ، وخاصة عندما سمعنا منذ سويعات خلت ، كيف صارت الحكومة الأوكرانية تجأر بالشكوى من تأخر حلفائها بإمدادها بالأسلحة المتقدمة المطلوبة كطائرات F16 الأمريكية ، لتطوير هجومها المضاد ، والذي قد يبؤ بالفشل التام في حل تأخر و صول تلك الإمدادات .
وهذا يعني ، في نهاية المطاف ، أن الحضارة الغربية المهيمنة الآن لم تقودنا - وبخلاف أزمة المناخ ، والتي باتت تهدد الوجود الإنساني ذاته على هذا الكوكب - سوى من مأذق إلى مأذق ، ومن كارثة إلى أخرى ، بحيث صار من الاستحالة بمكان الآن إصلاح ما أفسدته تلك الحضارة - كذوبان القطب الشمالي مثلا ، و ارتفاع مناسيب البحار والمحيطات نتيجة لذلك ، و من ثم تهديد العديد من المدن والجزر والسواحل بالغرق التام - وحتى قبل أن تستفيد تلك المدن والسواحل ، والتي ينتمي أغلبها لدول العالم الثالث ، من معطيات تلك الحضارة !