- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب : نظام اللانظام
مجدي الحداد يكتب : نظام اللانظام
- 7 يوليو 2021, 10:57:58 م
- 767
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في حقبة الحرب الباردة ، وحتى ما قبلها ، وما بعدها ، وفي أزمنة الحروب عامة ، يستخدم ما يسمى بأساليب الخداع ــ والسادات أسماه الخداع الإستراتيجي في مسرحية حرب أكتوبر ــ المختلفة مع العدو ــ وفي النظم الشمولية يستخدمونه مع الشعب ، وذلك باعتباره العدو الأول والأخطر ..! ، ولكن ، وحتى في هذه الحالة يجب مراعاة ، أو بالأحرى ملاحظة عدة أمور ، منها مثلا :
ــ إنك عندما تلجأ إلى تضليل عدوك فإنك ملزم أو حتى مجبر على إعطاءه بعض المعلومات الصحيحة جنبا إلى جنب مع المعلومات الخاطئة ، كنوع من "الطعم " أو الشرك ، وحتى يكتسب كلامك "المفخخ" بعض المصداقية لدى العدو .
ــ أن حالة الغش والتدليس ، أو الخداع الاستراتيجي ليست حالة دائمة بطبيعة الحال ، ولكنها حالة مؤقتة ، رهن بحالة الحرب ، أو حالة اللاحرب واللاسلم . اما في حالة السلم فالشفافية والمصداقية مطلوبة في كل شيء ، حتى فيما يتعلق بالعلاقات الدولية ذاتها ــ خذ مثلا حالة التعاون الدولي وإلتزام كافة دول العالم بتقديم بيانات صحيحة فيما يتعلق بوباء كورونا ــ فما بالنا إذن بالأمور الداخلية أو السياسة الداخلية الخاصة بأية دولة من الدول ..؟!
ــ ثالث عنصر ــ وهذا هو الأهم ــ أن سياسة الخداع تلك تمارس مع الأعداء الخارجيين ، أو المحتملين ، وفي حالة الحروب خاصة ، وكما ذكرنا آنفا ، أو في حالة إحتدام المنافسة الدولية الإقتصادية مثلا ، أو ما يطلقون عليه بالحروب التجارية ــ كتلك الناشئة الآن بين الولايات المتحدة والصين مثلا ــ أو إحتكار أو حتى إنشاء " كارتل " دولي إما بين عدد من الشركات الكبرى داخل الدولة الواحدة ، أو بين عدد من الشركات ذات النشاط المتشابه في عدة دول ــ كإنتاج طائرة " ايربس " الضخمة مثلا وحيث تشترك في إنتاجها عدة دول أوربية وتنافس طائرة " بيونج " الأمريكية . والغرض هنا محدد غالبا ــ وخاصة فيما يتعلق بالكارتل ــ وهو التحكم في أسعار السوق بحيث لا تعرض المنافسة الخطرة ، وعلى الأجل الطويل ، الصناعة ذاتها بالتوقف ــ وعلى أهمية وحيوية ما تنتجه ــ وما يترتب على ذلك من خسائر إجتماعية وإقتصادية ؛ كزيادة معدل البطالة مثلا والذي قد يقود بدوره إلى حالة من الركود والإنكماش الإقتصاديين . لكن هذا الخداع غير متصور إذن أن يمارسه نظام ضد شعبه ..!
ومع ذلك فاللامعقول ، والغير مفهوم إذن ، وفي ضؤ ما تقدم ــ من عوامل كل ، من الوقت ، والتوقيت ، والحالات الخاصة جدا ؛ كالحروب الخشنة أو الإقتصادية الناعمة ، ومحدودية الزمن ، أو وعلى نحو أدق الزمان والمكان ، ثم العدو ، أو الطرف الخارجي ــ أن يمارس ذلك الخداع الإستراتيجي ، والذي يتحول أو يتحور تدريجيا ، ومع مرور الوقت ، إلى غش وغبن وتدليس ، مع شعبك أنت كنظام وليس مع عدوك . والأخطر من ذلك أن لا تتخذ تلك الممارسة شكل مؤقت ، ولكنها تتسم بالإستمرارية ، وكأنها مقرر يومي ممهنج تتطور إلى أسلوب حياة ، أو بالأحرى منهج ونهج للحكم يعرف به ويُعرف به ..!
فهل كان يقصد السادات مثلا بقوله ؛ أن مسرحية حرب أكتوبر هي أخر الحروب ؛ أن تتحول الحروب ــ وسواء اتخذت شكل خشن وكما في سوريا والعراق ، أو شكل ناعم ، ولكن لا يقل قساوة وضراوة ، كما في مصر والسودان ، على سبيل المثال ــ إلى الداخل ونحو الشعوب ذاتها ..؟!
وقمة العبث أن ينعدم التمييز أو حتى الرؤية هنا ــ و سواء كانت أفقية أو رأسية ــ بين سفاسف الأمور وأخطرها ــ حتى ولو تعلق الأمر هنا بمسائل وجودية ؛ وحيث نرى النظام سادرا مثلا في نفس نهجه المتبع ضد معارضيه من تجييش وتحشيد ولجان والعزف تقريبا على نغمة واحدة ومن موجه واحده مع مسائل وجودية أكثر خطورة كمياه النيل ، وحيث ما يفتأ بين حين وأخر أن يخترع " عصفوره " لتحويل أنظار الناس عما هو خطير وملح إلى ما لا يستحق حتى النظر إليه . ولا يتورع ، وفي كل الأحوال عن الكذب والتدليس ، بحيث صار الأمر ، وكما أسلفنا ، وكأنه صار بالفعل منهج ممنهج للحكم ..!
والأكثر قذارة وتجرأ وجرأة وتعدى على كل القيم والأعراف والحق والحقيقة ، أن يتم دائما تجييش " المديا " ــ و المؤممة أصلا ــ وعلى نحو فج ورخيص ، لتبرير كل سياسات الحاكم ومهما كانت درجة كارثيتها ؛ ما يعني استخدامها والأنفاق عليها بسخاء ، ومن أموال الشعب من أجل تضليله وليس تنويره ..!
ومن يفعل ذلك لا يمكن أن يدعى نظام بأية حال من الأحوال ولكن ــ وعلى حد قول عزمي بشارة ــ هو اللانظام ، أو الفوضى بعينها ؛ والتي هي فوق الخلاقة ..!