محمد السطوحي : العملية العسكرية و الورطة المصرية!

profile
  • clock 15 يوليو 2021, 2:52:44 م
  • eye 638
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

انتشرت فى وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية مؤخرا أصوات عديدة تبدو منظمة لترهيب الناس من عواقب استخدام القوة العسكرية للدفاع عن حقوق مصر فى النيل، بل واتهام من يطلبون اللجوء إليها بأنهم يريدون توريط مصر، فى تكرار لما فعلوه بتوجيه اتهامات الخيانة لمن قالوا بمصرية تيران وصنافير.

لكن قضية النيل أكثر خطورة، ولاينبغى السماح بتزييف الوعى فى مواجهة الكارثة التى تدق على باب مصر، كما يجب أن تبتعد كل الأطراف عن استخدامها للمكايدة السياسية أو لتحقيق مكاسب رخيصة ضد النظام أو لصالحه، فالكل سيدفع الثمن. 

ومن الصعب بالتأكيد أن نتوقع كل عواقب المواجهة العسكرية مع إثيوبيا حال وقوعها، فالحقيقة أن من يبدأها قد لايعلم تمامًا كيف ينهيها، لكن لابد من الوقوف على بعض الأمور الأساسية: 

أولًا: لا أحد يريد الحرب وكان من الأفضل تسوية هذه المشكلة سياسيًا بما يضمن حقوق كل الأطراف، لكن الإدارة السيئة للملف هى التى وصلت بنا إلى هذا المأزق الذى كان يمكن تفاديه. ولاشك أن الأخطاء بدأت منذ عقود طويلة لكن ماحدث خلال السنوات الأخيرة كان كارثيًا بمعنى الكلمة، ولم يكن اتفاق الخرطوم إلا نموذجًا للخلل فى معالجة القضية عندما منح شرعية للسد وسمح باستئناف تمويله المتوقف حينها دون أن يشترط حجما أصغر له بل ودون أن يضمن كوب ماء لمصر. إلا أن السؤال الجوهري الآن لايرتبط بالأخطاء التى وقعت، ولكن كيفية الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. 

ثانيًا: الخيارات المطروحة 

لم يعد هناك خيار جيد، ونحن لانبحث هنا عن الحل الأفضل ولكن الأقل سوءًا، وندرس عواقب كل الخيارات المطروحة تمامًا كما نفعل فى لعبة الشطرنج لاختيار الأنسب منها، ويمكن تلخيصها الآن فيما يلى: 

١- الاستمرار فى المسارات التفاوضية التى ارتضيناها لسنوات طويلة مع محاولة جذب مساعدة أكبر من المجتمع الدولى. هذا يتطلب بالضرورة تجاوبًا إثيوبيًا، فى حين أن الموقف الإثيوبى يزداد تعنتًا وسوف يكشف عن صفاقة أكبر مع انتهاء الملء الثانى بما يعطى السد حصانة ضد العمل عسكرى. وإثيوبيا لم تخدعنا فى ذلك بل قال أحد قادتها العسكريين صراحة إن مصر والسودان سيُجبران على الحضور إلينا لتقسيم المياه، وهذا هو الهدف الحقيقى للسد. فهل لدى مصر استعداد للتنازل عن جزء من حصتها المائية بينما هى من أكثر الدول فقرًا فى نصيب الفرد من المياه؟ 

غير أن الثمن ليس فقط فى المياه ولكن فى استخدامه سياسيًا لقهر إرادة مصر ونزع قيمتها ومكانتها الإقليمية والدولية بعد أن يصبح مجرد وجودها مرهونا بإرادة خارجية معادية تتحكم فيها. فالهدف الأساسى من السد ليس التعطيش ولكن الهيمنة والسيطرة. وللأسف فإن المسار التفاوضي لايمكنه أن يصل بنا إلا إلى حلول من هذا النوع تضمن الإبقاء على قيد الحياة مع إخضاع كامل للإرادة، بصرف النظر عن شكل الوسطاء، وسواء كان حلًا إفريقياً أو دوليًا أو إسرائيلاً. 

٢- هذا يصل بنا إلى الحلول الأخرى التى طالما تمنينا تفاديها باستخدام القوة. 

لكن "القوة" هنا لها أشكال متباينة: 

-فمثلا يمكن إرسال قوات لاحتلال منطقة بنى شنقول والسيطرة على السد كما يطالب البعض. هذا الخيار يتطلب استعدادًا كاملًا من جانب السودان للدخول فى حرب قد تستمر شهوراً او تمتد لسنوات، وهو استعداد غير موجود حاليًا لأسباب كثيرة لاداعى للخوض فيها الآن. كما أن هذا الخيار يتطلب قدرات لوجيستية هائلة لنقل قوات برية كبيرة وقوات خاصة من مصر لمسافات بعيدة وهى مسألة صعبة للغاية. كما أن هذا السيناريو هو الأسهل والأنسب لإثيوبيا التى تعتمد بالأساس على العدد الكبير لقواتها البرية لتعويض النقص فى مستوى ونوعية الأسلحة لديهم خاصة الجوية، وافتقارهم للتكنولوجيا العسكرية المتطورة. هذا يعنى بالضرورة أنهم يفضلون مواجهة مباشرة على الأرض يمكنهم من خلالها استدراج القوات المصرية لمواجهة صعبة. وحتى فى حالة التمكن من تحقيق تقدم أو السيطرة على السد فإن الإثيوبيين يمكنهم شن عمليات هجومية مضادة تستنزف القوات المصرية هناك، وهذه ورطة ينبغى ألا نقع فيها. هذا السيناريو يعنى أيضًا مواجهة طويلة الأمد مع إمكانية تعرض السودان لهجمات مختلفة بل وتوسيع نطاق المواجهة لتصبح حرباً إقليمية وهو سيناريو كارثى يجب تفاديه بأى ثمن. 

-إذن لابد من شكل مختلف لاستخدام القوة يتفادى "الحرب" بمفهومها التقليدى، إلى "عملية عسكرية" يفضّل أن تكون خاطفة لتغيير الواقع على الأرض. وهنا يمكن استخدام أدوات مختلفة حسب حجم (التغيير) الذى نريده. فهل نحتاج تدميرا كاملا لجسم السد؟ أم تعطيله عن العمل ولو مؤقتاً؟ أم مجرد إرسال رسالة تحذيرية إلى الإثيوبيين والعالم بأننا نعنى مانقوله بإصرارنا على حماية حقوقنا ووجودنا؟ 

كل هدف منها يتطلب شكلًا مختلفًا لاستخدام القوة وهو مايمكن أن يقدمه العسكريون بطرح خيارات مختلفة أمام صانع القرار والأدوات المقترح استخدامها وماهو متاح منها بدءًا من أسلحة تدميرية كبرى إلى هجوم سيبرانى كما فعلت إسرائيل وأمريكا مع البرنامج النووى الإيرانى، وإن كنت غير متأكد من مناسبة الخيار الأخير لهذه الحالة. 

هذا السيناريو الأخير لاستخدام القوة بدرجاتها المختلفة سيفرض واقعا جديدًا على الأرض بصورة عاجلة تحقق الهدف منها قبل التدخل الدولى المتوقع وبالتالى يمكن البدء فى عملية سياسية تستند إلى هذا الواقع الجديد، فالقوة فى نهاية الأمر ليست إلا واحدة من أدوات السياسة. 

قد يقول البعض إن هذا يعنى فرض عقوبات ضد مصد وعزلا دوليا الخ. 

وعلى فرض ان هذا حقيقى، فهل فرض عقوبات مؤقتة أفضل أم تهديد وجودى دائم؟ 

والحقيقة أن استخدام العقوبات الدولية فى الأغلب يكون مقصودًا به تغيير السلوك مستقبلًا. فمثلًا تحاول واشنطن بعقوباتها ضد إيران أن تحجّم برنامجها النووى وأن تغير سياساتها فى المنطقة. لكنها لم تفرض عقوبات ضد الهند وباكستان بعد إقدامهما على تفجيرات نووية رغم تحذيراتها القوية قبلها، لأن التفجيرات تمت بالفعل ولم تعد هناك جدوى من العقوبات سوى إلحاق أضرار بالجانبين. هذا أيضا أحد العوامل التى تجعل العملية العسكرية الخاطفة أفضل من حرب برية قد تطول وتجر معها ضغوطاً وربما عقوبات. كما أن هذه الدول لها مصالح استراتيجية كبيرة مع مصر ليس من الممكن التفريط فيها بدون مقابل أو مبرر حقيقى، بينما تكون العملية العسكرية قد انتهت بالفعل.

وهذه الدول رغم تحذيراتها المتفاوتة من استخدام القوة إلا أنها تفهم جيدًا أبعاد المشكلة التى تواجهها مصر وربما يتساءلون فيما بينهم عن أسباب إحجام مصر طوال تلك السنين عن اتخاذ إجراءات أقوى يعلمون جيدًا أنهم كانوا سيلجأون إليها لو كانوا فى مكان صانع القرار المصرى، وهذا ماقاله دونالد ترامب صراحة بأن مصر سيكون معها كل الحق لو دمرت السد. 

أما القول بأن هدم السد سيدفع إثيوبيا والدول الأخرى فى حوض النيل لبناء سدود جديدة، فهذا غير حقيقى، بل العكس هو الصحيح، لأن السد يستغرق وقتا طويلا فى بنائه ويحتاج استثمارات ضخمة، وليس من المنطقى أن تقدم عليه دول الحوض أو الجهات الداعمة لهم دون توافق مع مصر لتفادى الدخول فى صدام جديد تضيع معه استثماراتهم. بينما نجاح إثيوبيا فى فرض إرادتها الآن سيشجع الجميع على تكرار التجربة وقد ظهرت مؤشرات واضحة فى هذا الاتجاه.

اللجوء إلى القوة ليس نزهة بالتأكيد، ومن الممكن أن ترد إثيوبيا بعمليات انتقامية ضد مصر أو السودان الأقرب لها جغرافيًا، لكن بما أن الهجمات مصرية فى الأساس فلن يكون لديها مبرر قوى لفتح جبهة إضافية مع السودان، كما أن مصر بعيدة جغرافياً بحيث يصعب على الجيش الإثيوبى اللجوء إلى ردود مشابهة لمحدودية قدراته الجوية، ولابد أن الجانب المصرى وضع هذه الاحتمالات وغيرها فى حسبانه. 

إذن الخيارات المصرية صارت محدودة للأسف و صار (ضهرنا للحيط) بالفعل وكلها خيارات مؤلمة وستترك آثارا سلبية على مستقبل المنطقة وعلاقات مصر الإفريقية، لكن يبقى السؤال: أى تلك السيناريوهات أكثر فعالية وأقل خطورة؟. فإذا كان البعض يرى فى اللجوء إلى القوة توريطًا لمصر فهو كذلك بالفعل، لكن علينا أن نقيس ذلك بالورطة الأكبر ونحن نرى مصدر مصر الوحيد للمياه والوجود وقد صار رهينة فى يد من لا يُخفون عداءهم لها.

التعليقات (0)