- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد السطوح : يا عزيزى كلنا خرفان (٢)
محمد السطوح : يا عزيزى كلنا خرفان (٢)
- 21 يونيو 2021, 5:24:32 م
- 873
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
التعليم والعقل النقدى
فى أحد الامتحانات أثناء دراستى بجامعة جورج ميسون، وجدت سؤالاً واحدا من البروفيسور الذى كان أيضًا مسئولاً كبيرا بوزارة التجارة الامريكية: أن تختار قضية تختلف فيها مع البرفيسور، وأن تبين لماذا هو خطأ.
كنت وقتها متميزًا فى المناظرات بحكم تجربتى الصحفية فى واشنطن، وأذكر أننى أمضيت نحو ساعتين مستمتعاً (بتقطيعه) كما نقول بالبلدى... والنتيجة؟ أنه أعطانى أعلى درجة!
تذكرت تلك الحكاية وأنا أفكر فى الأسباب التى تدفع الناس لاتباع أشخاص بثقة مطلقة دون تفكير أو مراجعة كما طرحت فى بوست الأمس عن الشيخ حسين يعقوب. وكما ذكرت فالقضية ليست الشخص ذاته ولا الشيوخ، لكنها تشمل كل المجالات بداية من رئيس الدولة إلى النادى الذى نشجعه أو الشيخ الذى نتبعه.
السبب ببساطة هو أسلوب التعليم لدينا الذى يقتل العقل النقدى لدى الطالب منذ صغره ويكافئ الانقياد.
قارنوا مثلًا السؤال الذى طرحته هنا بسؤال أحد المناهج الذي طلب من التلاميذ الحديث عن إنجازات السلطة فى مصر وكيف أنها تقترب من المعجزات. السؤال لم يطلب رأى الطالب فيما تحقق وما إذا كان يوافق أو يختلف ولكن أن يبدع فى ترديد مايتلقاه من الصحف ووسائل إعلام السامسونج سواء كان مقتنعًا به أم لا، وكلما بالغ فى النفاق والتماهى مع المطلوب منه فإنه يحظى بتقدير أكبر.
القضية هنا ليست فى تأييد النظام أو معارضته، ولكن فى ترسيخ مفاهيم الانقياد والتبعية لدى الصغار منذ البداية. لايمكن لنظام تعليمى هذا حاله أن يخرج لنا مواطنين يمكنهم التمييز والحكم لأنفسهم دون تسليم عقولهم لمن يتحكم فيها ويقودهم دون وعى منهم. وقد علق أحد الأصدقاء الصحفيين المؤيدين للرئيس على بوست الأمس بأن هذا لاينطبق عليهم، لكن الحقيقة أن هذه القاعدة منتشرة بين أغلب أتباع كل التيارات. كم مرة قرأنا لمن يدعمون سياسات معينة، ليس بناء على دراسة وفهم ولكن فقط لأنهم يثقون فى الرئيس؟ مالفارق بين هؤلاء وبين أتباع المرشد أو يعقوب أو الحوينى؟ الغريب ان الشخص نفسه قد لا يثق فى أمه أو أخيه فى بعض الأمور المادية ويطلب منهم التوقيع على اوراق وبيانات.
نلاحظ أيضا أن عقلية (القطيع) هذه لاعلاقة لها بمستوى التعليم، فكثيرا ما نجدها مع الحاصلين على درجة الدكتوراه بينما نجد أحيانًا من هم أقل تعليماً يتميزون بعقلية نقدية وناضجة. كنت فى سهرة فى القاهرة مع أصدقاء من كبار الصحفيين وتغيب أحدهم وهو حاصل على أعلى الدرجات العلمية، وبسؤالى تبين أنه لا يتحرك بدون إشارة من (شيخه)!. فالمقصود هنا نوعية التعليم وليس مستواه. لكن تلك النوعية من التعليم لايمكن وجودها بدون حريات عامة وأكاديمية تسمح بتبادل الآراء ونقدها، وهو مالا يمكن أن يحدث مع سيادة الفاشية والتخوين والتكفير بما يتجاوز القهر السياسى الذى تمارسه السلطة إلى القهر النفسى والفكرى الذى يفرضه المجتمع.
كثيرًا مانسمع عن التحول من الحفظ إلى الفهم، وهذا مطلوب، لكنه يعنى أساساً تجاوز (التلقينية) فى النظم التعليمية، التى نراها بشكل أكبر فى الدراسات الدينية. فتجد الطالب يتميز على الآخرين بكم يحفظ من كتب التراث. ورغم أن التكنولوجيا الحديثة تسمح له بأن يستخرج النص الذى يحتاجه فى لحظة فإننا مازلنا نكافئ الطالب على تفوقه فى الحفظ، وهو ماينطبق على بقية المواد بدرجات مختلفة.
البداية إذن بالتركيز على الفهم، ثم الانتقال منه إلى النقد وتشجيع النقاش الحر والاختلاف فى الرأى. الطالب فى الغرب كثيرا مايدخل فى مناظرات مع زملائه ضمن مجموعات تتبنى مواقف مختلفة وهو مايساعد فى خلق تلك العقلية النقدية التى نقتلها فى مدارسنا، ثم نصرخ بالشكوى من انقياد الناس لتجار الدين والإعلام والسياسة!