محمد مصطفى موسى : موسم الهجوم على ناصر

profile
  • clock 6 يونيو 2021, 3:07:08 م
  • eye 656
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 لا أريد في ذكرى الهزيمة، أن أشارك في الحملة المسعورة، للدفاع عن عبدالناصر، ولا أن أشارك في حملة شيطنته.

لقد سئمتُ هذه العادة السنوية، وأحسب أنني لن أقنع ناصريًا متطرفًا، بمناقشة خطايا الزعيم الراحل، نقاشًا منهجيًا موضوعيًا، يلتفت إلى الوراء، حتى يستلهم العبرة، ومن ثم يمضي إلى الأمام، ولن أقنع متطرفًا، في كراهية ناصر، بالنظر إلى التجربة، في سياقها التاريخي، حيث لا يستقيم بحال من الأحوال، أن نطلب إلى نظام سياسي، ينتمي لمنتصف القرن الماضي، أن يحكم بمعايير اللحظة الراهنة.

غير أني، رغم ذلك، لن أنكر أن شيئًا من قلبي، سيبقى منحازًا إلى شيئ، من عبدالناصر.

إنني أحب ناصرًا، زعيما استثنائيا، في فترة استثنائية.

وناصر عندي ليس "عرضًا خاصا" على طريقة السوبر ماركت، ينبغي أن أقبل به كله.

هو رجل صناعة، واستقلال وطني، وانحياز اشتراكي للكادحين، وهو ديكتاتور أغلق شبابيك الحرية، واختزل مؤسسات الدولة، في شخصه، فإذا بالديكتاتور الذي أورثه الحكم، يمحو كل منجزه بجرة قلم، ويسحب البلاد إلى هاوية الانفتاح، وثقافة الفهلوة، وحلق حوش، والتطرف، وصولًا إلى التطبيع.

ديكتاتورية ناصر دمرت منجزاته.

تلك مأساة الديكتاتورية، في كل زمان ومكان، وهي الخطر الأكبر، على أي أمة من الأمم.

إنني لا أمسك العصي من منتصفها، ولا أريد ان أرضي فريقًا، أو أُحقّرُ من فريق، أقول كلمتي ثم أمضي، وكفى.

إذن... لماذا أكتب هذا الكلام؟

إنني أكتب لأنبه، فالكاتب كما يقول شاعرنا صلاح عبدالناصر، مثله مثل الفئران على السفينة، يستشعر الخطر مبكرًا، لكنه لا يقفز إلى اليم، بل يهرع لقرع الأجراس.

إن حملات الهجوم على الزعيم الراحل، والتي تستقطب موهومين يتخيلون أن السماء، في عهد فاروق، كانت تمطر عسلًا وقشدة، لا تستهدف شخص ناصر، وهو لا يعنيني بذاته، وإنما تستهدف تحقير ما يمثله ناصر، وفي المقدمة من ذلك، مسالة مناهضة العدو، ومناصرة القضية الفلسطينية.

والحقيقة أن تلك الحملات، ليست وليدة اليوم، فقد رعاها السادات، ودعمها بكل قوته، عبر كتاب مطبعين، على شاكلة أنيس منصور، وموسى صبري، وإسلاميين مثل مصطفى محمود، الذي قيل في وصفه، أنه مفكر كبير، فيما كانت الرياض تمول برنامجه التلفزيوني، وكان التلفزيون المصري يبث حلقاته الخاوية من أي قيمة.

كان ذلك منطقيًا، فالسادات اراد تبريرا للارتماء في الحضن الأمريكي، ودخول حظيرة التطبيع، وتحطيم التجربة الاشتراكية، وقد نجح جزئيا في تشويه مسيرة الرجل الذي كان يعمل "بوسطجيًا" له، ولا يجرؤ أمامه إلا أن يقول حاضر يا ريس.

غير أن اللافت، أن الحملة الآن تزداد شراسة، فإذا بمن يختزل ناصر عسكريا في هزيمة 67 من دون وقفة أمام حرب الاستنراف، وإذا بمن يدعي هزيمتنا في اليمن، رغم إسقاط الإمامة وإقامة الجمهورية، ويختزله اقتصاديا، في قرار التأميم، باعتباره سلب الناس أموالهم، وتنمويا في خرافة تقول بأن السد العالي مشروع فاشل.

مجددًا أقول: إن الهجوم الأهوج على ناصر كله، إنما يستهدف الإجهاز على القيم التي تمثلت في الرجل، وعلى رأسها عداء الصهيونية، والإيمان بالعروبة... وهذا غير مستغرب، في حقبة السلام الدافئ، والارتماء العربي الجماعي، تحت أقدام العدو. 

ختامًا.. لن أرد على تعليقات، هذا ما اراه، وهذا موقفي الذي لا أقايض عليه، فرجاء تجاهلي، وبوسعك أن تحنجل في حفلة المديح، أو حفلة الهجاء، من دون أن أعارضك في الأمرين.

التعليقات (0)