- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
محمود علوش يكتب: ملامح السياسة الخارجية التركية الجديدة
محمود علوش يكتب: ملامح السياسة الخارجية التركية الجديدة
- 4 يونيو 2023, 3:52:43 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يُعطي تعيين مدير الاستخبارات التركي السابق هاكان فيدان وزيرا للخارجية في الحكومة الجديدة التي شكّلها الرئيس رجب طيب أردوغان، بعض المؤشرات على طبيعة النهج الذي ستتبناه أنقرة في السياسة الخارجية في الفترة المقبلة.
في السنوات التي قاد فيها جهاز الاستخبارات، أشرف فيدان على قنوات التواصل الخلفية (الأكثر حساسية) مع مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين، حيث لعب دورا بارزا في صياغة الجوانب الأمنية والاستخباراتية في العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة، كما ساهم وراء الكواليس في ترتيب المصالحات مع الخصوم الإقليميين السابقين لتركيا كالإمارات وإسرائيل ومصر، وأشرف على قنوات التواصل الأمنية والاستخباراتية التي فتحتها أنقرة منذ سنوات مع النظام السوري.
على مدى السنوات الماضية، أوجد أردوغان صيغة استثنائية أتاحت لتركيا صياغة سياسات خارجية أكثر استقلالية عن الغرب مع الحفاظ على الهوية الجيوسياسية لها كجزء من الناتو
علاوة على ذلك، كان لفيدان دور بارز في الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني المحظور وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية. وفي ضوء الخبرة الاستخباراتية الواسعة التي اكتسبها في إدارة القضايا الحساسة مع هؤلاء الفاعلين الخارجيين المؤثرين في سياسة تركيا الخارجية، إلى جانب درايته الواسعة في الدبلوماسية، والتي عززها حضوره الدائم مع أردوغان في الزيارات الخارجية والمحادثات التي أجراها مع مختلف قادة دول العالم، فإنه سيستطيع توظيفها من أجل تشكيل سياسة خارجية جديدة توائم بين متطلبات الأمن والدبلوماسية.
كانت إحدى السمات البارزة التي ميزت عقدين من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان تشكيل سياسة خارجية ترتكز على 3 مبادئ:
- الميل نحو الاستقلال الإستراتيجي.
- التوازن بين القوى الكبرى.
- المزج بين القوة الصلبة والدبلوماسية في التعامل مع الطموحات والتحديات التي تواجه تركيا في محيطها الجنوبي.
مع فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة، ستستمر السياسة الخارجية لتركيا بالارتكاز على هذه المبادئ مع تعظيم دور الدبلوماسية لتعزيز عملية التوازن الدقيقة بين القوى الكبرى، ومنح زخم إضافي لعملية إعادة تصفير المشاكل مع دول الجوار لا سيما العربية منها. لأن مجال الأمن يطغى بشكل أكبر على غيره من المجالات في تشكيل السياسة الخارجية التركية، فإن تولي شخصية استخباراتية مهام وزارة الخارجية يُعزز الارتباط الوثيق بين مجال الأمن وصياغة السياسات الخارجية.
سيتعين على فيدان رسم سياسة خارجية تتعامل بالدرجة الأولى مع بعض القضايا الأمنية الحساسة في السياسة الخارجية كالصراع مع حزب العمال الكردستاني والتحديات التي تواجه تركيا في الصراع الجيوسياسي مع اليونان وقبرص الجنوبية، فضلا عن إدارة العلاقات المضطربة مع الغرب من خلال الاعتماد بقدر أكبر على الدبلوماسية.
مع الأخذ بعين الاعتبار حجر الزاوية الذي تُشكله عضوية تركيا في الناتو في مجال الأمن، فإن ميزة العضوية ستبقى تحظى بأهمية كبيرة في السياسة الخارجية التركية. تمتلك تركيا ثاني أقوى جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة وتستفيد من ميزات كبيرة في العضوية، كما تنخرط بشكل فعال في إستراتيجيات الناتو في مناطق مختلفة من العالم.
مع ذلك، فإن المشاكل التي تُعانيها مع بعض حلفائها في الناتو كالولايات المتحدة واليونان ستبقى عاملا مزعجا لتناغم السياسة الخارجية التركية مع دول الحلف الأخرى. على مدى السنوات الماضية، أوجد أردوغان صيغة استثنائية أتاحت لتركيا صياغة سياسات خارجية أكثر استقلالية عن الغرب مع الحفاظ على الهوية الجيوسياسية لها كجزء من الناتو.
ستبقى هذه الصيغة في السنوات الخمس الجديدة من حكم أردوغان إحدى الوسائل المهمة التي تُحافظ على دور تركيا الفعال في سياسات الناتو، وتوازن مع مصالحها الوطنية المتباينة مع الحلف في بعض القضايا الحيوية كالحرب الروسية الأوكرانية.
تكمن المشكلة الكبرى في عدم تناغم سياسات تركيا مع الناتو بشكل كامل في الخلافات التركية الأميركية في بعض القضايا الحساسة كالعلاقة الأميركية مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية، والعلاقات العسكرية المتزايدة لواشنطن مع اليونان وقبرص الجنوبية.
في المستقبل المنظور، من غير المُرجح أن تتمكن أنقرة وواشنطن من إيجاد حل سحري لهذه الخلافات، لكنه سيكون بمقدور الطرفين التركيز على وسائل إدارة الخلافات بشكل فعال ومُفيد. في حال أوفت الولايات المتحدة بتعهداتها لتركيا لبيعها مقاتلات إف-16، فإن مثل هذه الخطوة ستُعطي مؤشرا إيجابيا للسنوات الخمس المقبلة على صعيد العلاقات التركية الأميركية.
لا يزال ملف ضم السويد إلى حلف الناتو أحد الإشكاليات الحالية التي تواجه العلاقات التركية الغربية. مع ذلك، فإن مزيجا من الحد الأقصى من الاستجابة السويدية لمطالب تركيا بخصوص تسليم المطلوبين المدانين بالإرهاب لأنقرة وقطع علاقات ستوكهولم بالكامل مع وحدات حماية الشعب الكردية وتسهيل واشنطن صفقة مقاتلات إف-16، قد يُشكل بداية جديدة للعلاقات التركية الغربية.
لقد ساهمت الشراكة القوية التي أقامها أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد منتصف العقد الماضي، في توتير العلاقات التركية الغربية. لكن العواصم الغربية قد تكون مستعدة لقبول هذه الشراكة إذا ما استطاع أردوغان القيام بموازنة دقيقة في العلاقات مع روسيا والغرب.
من الأمور المشجعة في هذا المجال، أن حفاظ تركيا على شراكتها مع روسيا بعد الحرب في أوكرانيا لم يكن على حساب رفض تركيا لهذه الحرب وعلى حساب تأكيدها على وحدة الأراضي الأوكرانية. بالطبع، كان الغربيون يأملون أن تنخرط تركيا في العقوبات على روسيا، لكنّ مثل هذه الخطوة لا تُحقق بالضرورة المصالح الغربية.
لا يزال الغرب بحاجة إلى قناة للتواصل مع بوتين وإقناعه بمزايا تهدئة الحرب والبحث عن سبل للسلام، وتركيا هي القناة المتوفرة والأكثر فعالية. علاوة على ذلك، كان لحياد تركيا ولعبها دور الوسيط بين موسكو وكييف فوائد على الغرب خصوصا لجهة إبرام اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود وتمديدها 3 مرات متتالية.
بالنظر إلى المصالح الجيوسياسية الواسعة المتداخلة بين تركيا وروسيا في كثير من القضايا كجنوب القوقاز وآسيا الوسطى وسوريا وليبيا، وبالنظر إلى تأثير الغرب المحدود في هذه القضايا، فإن أردوغان سيواصل إيلاء أهمية لهذه الشراكة في ولايته الرئاسية الجديدة.
إلى جانب إنهاء التهديد الذي تُشكله وحدات حماية الشعب الكردية الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني وإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم، التي تؤرق بشدة أردوغان، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب من تركيا الاستمرار في تعاونها مع روسيا وإيران على وجه الخصوص.
لأن تركيا عضو في حلف الناتو، يتعين على باقي أعضاء الحلف النظر إلى التهديدات التي تتعرض لها على أنّها تهديد لهم أيضا، وبالتالي فإن تعاون تركيا مع روسيا وإيران في سوريا وجنوب القوقاز يجب ألا يُنظر إليه على أنه تهديد لمصالح الغرب.
على مستوى نظرة تركيا إلى مكانتها في النظام العالمي الجديد الذي يعمل على تشكيله التنافس الجيوسياسي الجديد بين القوى العظمى، ستواصل تركيا في ظل الولاية الجديدة لأردوغان إستراتيجية تنويع الشراكات الخارجية كوسيط لضمان مصالحها وللتحوط من التهديدات التي يحملها هذا التنافس عليها.
ستعمل أنقرة على بناء علاقات مع الصين من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، التي يدرس أردوغان الانضمام إليها، كما لديه أيضا تطلعات للانضمام إلى مجموعة البريكس. بهذا المعنى، فإن السياسة الخارجية التركية الجديدة تسعى لتحويل تركيا إلى قوة استقرار بين الشرق والغرب.