- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مدى الفاتح يكتب: أسئلة حول أزمة النيجر ومستقبل «إكواس»
مدى الفاتح يكتب: أسئلة حول أزمة النيجر ومستقبل «إكواس»
- 22 أغسطس 2023, 5:22:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أسئلة كثيرة يمكن أن تأتي على بال مواطني إقليم الساحل، بشأن الانفعال العالمي المبالغ فيه مع أنباء عزل الرئيس النيجري محمد بازوم. تتفرع هذه الأسئلة من سؤال واحد كبير هو: لماذا النيجر، ولماذا تحتشد المنظمات الإقليمية والجيوش الدولية وتتبارى من أجل إعادة الرئيس المبعد؟ نأخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن دولة تقع ضمن حزام شهد خمسة انقلابات ناجحة منذ عام 2020.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، «إكواس» لم تتأخر بدورها في الانفعال والاجتماع للتفاكر حول الموضوع، وللتوافق على فرض عقوبات اقتصادية قاسية، وأشكال مختلفة من الحصار والمقاطعة. «إكواس» لم تكتف بذلك، بل منحت مهلة قصيرة للمجلس العسكري ورئيسه عبد الرحمن تشياني من أجل إعادة السلطة للرئيس المعزول محمد بازوم، مهددة بأنه سوف يتم اللجوء للخيار العسكري في حال لم تتم الاستجابة. يبرز هنا سؤال لا يمكن تجاوزه حول الديمقراطية. لهذا السؤال شق أول فلسفي يتعلق بما إذا كانت النيجر تعيش حالة ديمقراطية حقيقية تستحق الحماية والمحافظة؟ هذا السؤال مهم، إذ كيف يمكن أن ينتج نظام يدعي بأنه يحتكم لرأي الشعب، حكومة خاضعة للإملاءات الغربية، وغير قادرة على التحكم في مواردها، بالشكل الذي كانت تظهر به حكومة نيامي؟
أما الشق الثاني فيقول إنه، وعلى افتراض أنها كانت ديمقراطية حقيقة وممثلة فعلالرغبة الجماهير، فهل يكون الدفاع عنها بابتداع حرب شاملة هو الحل لاستعادتها؟ هل نضحي بحياة الآلاف، وربما الملايين من أجل الحفاظ على حالة ديمقراطية؟ وما قيمة الديمقراطية التي تأتي على حساب أرواح الناس؟ أم أن المطلوب فقط هو العودة لما كانت عليه الأوضاع، بما يشمل حفظ حقوق الدول المتنفذة، التي كانت مستفيدة من «النظام الصديق» الذي يقدم لها ما تشتهي من موارد بشروط ميسرة، والذي يعمل في الوقت ذاته على المحافظة على مصالح تلك الدول، باتباع إجراءات مثل معاقبة اللاجئين والمتسللين الراغبين في العبور لأوروبا والسعي لقطع الطريق عليهم. من الأسئلة الأخرى، التي تفرض نفسها على أبناء المنطقة وعلى المراقبين والمهتمين سؤال حول مجموعة «إكواس» التي انتفضت انتفاضة غير مسبوقة وهي تؤكد على لسان متحدثيها، أنها لن تتسامح ولن تتراجع عن دعوتها لحماية الشرعية الدستورية في النيجر. المجموعة تبدو في خطاباتها وكأنها تتحدث عن بلد أوروبي، أو عن ظاهرة غريبة وحادثة غير مسبوقة في المنطقة. بشأن ذلك الحديث المغرض عن استعادة الديمقراطية نذكر بالحقيقة، التي يصعب إنكارها، وهي أن الأصل في البلدان الافريقية هو الانقلابات المباشرة، أو حالات التنازع الدستوري، أو في أحسن الأحوال حالة الديمقراطية المعلبة، التي يمكن تعريفها بأنها امتلاك نظام للانتخابات، وبرلمان نشيط، لكن من دون أن يرتبط ذلك بالكثير من الحرية، سواء على مستوى المواطنين الفردي، أو على مستويات اتخاذ القرار السياسي.
أزمة النيجر تأتي في وقت تشهد فيه القارة موجة من الحراك السياسي المتسائل عن الهوية والمصير، والمطالب بإعادة زمام المبادرة للشعوب
تبدو «إكواس» المدفوعة بشكل واضح برغبة الممولين الغربيين، أو بخشية كثير من زعمائها أن تمتد عدوى الانقلابات إلى بلدانهم، متحمسة للخيار العسكري والعقاب الصارم، الذي يمكن أن يكون درساً لأي مغامر، هذا يفسر لماذا لم تحدث مبادرة السلطات النيجرية لتعيين رئيس وزراء مدني وإعلانها القبول بمبدأ التفاوض، بل واستقبالها وفدا من مجموعة «إكواس» أي فرق. يمكن لدبلوماسيي المجموعة التهرب من السؤال حول شرعية التدخل العسكري، فطالما كانت هناك موافقة من الدول الأكبر، فإن هذا يعني بالضرورة موافقة الأمم المتحدة، وشرعنة أي عملية عسكرية، لكن السؤال الصعب هو المتعلق بمستقبل المجموعة، التي بنيت بهدف التكاتف والوصول لوحدة اقتصادية وسياسية، والتي تهدد هذه الحرب وتداعياتها تماسكها. الخلاف السياسي والشعبي حول العملية العسكرية المرتقبة لا يمكن تجاهله، وكذلك الحماس الكبير لجماهير الغرب الافريقي وتعاطفهم مع قضية النيجر، التي لا يرون في تعامل قادتهم معها إلا مثالا جديداً على أن إرادة الافريقيين ما تزال بأيدي غيرهم.
أزمة النيجر تأتي في وقت تشهد فيه القارة موجة من الحراك السياسي المتسائل عن الهوية والمصير، والمطالب بإعادة زمام المبادرة للشعوب. في رأي الجيل الثائر الجديد، فإن تسلم زمام المبادرة يبدأ بإعادة التفكير في المنظمات الإقليمية، التي أنشئت لخدمة القارة، لكن التي تجعلها شراكة المانحين وعمالة المسؤولين، ضعيفة وغير قادرة على التحرك باستقلال وفق المصلحة الافريقية. المثل الذي يقول إن «من يدفع للزمار يختر اللحن» يفسر لماذا تعاني هذه المنظمات، في كثير من مواقفها من التكلس، ومن عقدة التحول لناطقة باسم مصالح الدول الغربية وأولوياتها. هذا أمر لا يقتصر على «إكواس» التي لم تتردد في الإعلان عن تفعيل القوة الاحتياطية، حتى دون انتظار أخذ رأي برلمان المجموعة، وإنما يشمل غيرها أيضاً. لم نعلم حتى الآن ما هي تفاصيل المخطط العسكري، الذي سيتم عبره الوصول إلى القصر الرئاسي في قلب العاصمة النيجرية، خاصة أن قادة «إكواس» يعلنون أن العملية المرتقبة لن تكون ضد الشعب النيجري، بل ضد «السلطة الانقلابية». نحتاج كثيرا من الخيال لنفكر كيف يمكن لهذا أن يتم بمهنية واحترافية وبأقل خسائر ممكنة وهو الأمر، الذي لم تستطع حتى جيوش حلف «الناتو» الالتزام به في عملياتها المختلفة. في عام 2017 قامت «إكواس» بقيادة سنغالية، بالتدخل للإطاحة بالرئيس الغامبي يحى جامع، الذي كان رفض التنحي بعد خسارة الانتخابات، كانت تلك العملية سهلة، ولم يكن جامع يملك أمامها سوى الاستسلام. هذا المثال، مع ذلك، لا يصلح للتعويل عليه أو للتشبيه، ويكفي للتأكد من أن هذه المقارنة غير موضوعية، النظر لموقع النيجر على الخريطة ومساحتها، التي تساوي مئة مرة مساحة غامبيا، التي تحيط بها السنغال من كل الجوانب. المفارقة في أمر «القوة الاحتياطية» الإكواسية تكمن في معاناة المنطقة منذ بداية العقد الماضي، من أزمة الإرهاب المستفحلة، التي لم تكد تترك بلداً من بلدان الساحل من دون تهديد، حتى فاق عدد ضحاياها العام الماضي العشرة آلاف قتيل. بالنسبة لعامة الناس، الذين عانوا بشكل مباشر من التهديدات والهجمات الإرهابية، فإنه كان الأولى بالنسبة إليهم الاجتماع والتنسيق والتكاتف، لدرء خطر المجموعات المسلحة، كما كان الأولى أن تضغط الدول الغربية في اتجاه توحيد الجهود لتحقيق هذا الغرض، إن كانت معنية فعلاً بأمر الإرهاب ولم تكن متواطئة، كما يتهمها كثير من الافارقة. أي مستقبل يمكن أن ينتظر المجموعة التي نرى أن دولها تتآمر على بعضها بعضا، والتي يتنافس بعض رؤسائها من أجل الحصول على رضا فرنسا، وإن كان ذلك على حساب شعوبهم وأمن المنطقة؟ يمكن أن نتفهم موقف النيجر، التي استهجنت موقف «إكواس» وكذلك الدول المتعاطفة معها، والتي تعتبر أن المجموعة فقدت منطق إنشائها، لأنه لا يمكن أن تجتمع دول جارة تحت مظلة واحدة بغرض التآمر على بعضها بعضا. عبّر عن هذا المعنى عبدالله جوب، وزير الخارجية المالي، الذي قال إن الحرب على النيجر سوف تؤدي لانسحاب مالي من «إكواس» وأنه «لا يمكن أن نكون عضوا في منظمة بإرادتنا ثم تتحول إلى منظمة تحاربنا، ولا يمكن أن نضع أموالنا في البنك الافريقي العام الذي يتحول إلى مصدر تجويع لشعوبنا».