مرافعة أحمد نبيل الهلالي عن فقه الأولويات.. حادث قطار ٢٠٠٢

profile
  • clock 27 مارس 2021, 5:07:51 م
  • eye 1358
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما بين حريق قطار الصعيد عام 2002، وحادثة تصادم قطاري سوهاج المروع العام 2021، وما بينهما، لا أجد في هذا الصدد إلا أن نستعيد قراءة المرافعة التاريخية للمحامي النبيل "أحمد نبيل الهلالي" تفسيرًا لكل الحادثات المدلهمات، التي تعيشها مصر في الخمسين سنة الأخيرة، والتي تعبر في تقديري الشخصي عن أزمة رؤية وهوية لمنظومة الحكم في مصر، والتي تهتم بوضع المساحيق التجميلية، وتفتقد إلى فقه الأولويات، وتنفق المليارات على مشروعات مهما كانت أهميتها وجدواها في عملية التنمية إلا أنها في رأيي الشخصي تأتي في مرتبة متأخرة عن أولويات واحتياجات الشعب المصري في تنمية شاملة مستقلة في الزراعة والتصنيع وفي التعليم والصحة، وكل هذا الإنفاق الضخم يتحمل تبعاتها الأجيال القادمة.

أعتقد وبيقين أن فلسفة الحكم في مصر لم تتغير، تجد تفسيرًا لها في حكم أسرة محمد علي(حكم الخديوي إسماعيل نموذجًا)، ومنظومة "كامب ديفيد" بدءًا بالنموذج القدوة أنور السادات!!! وخلفه حسني مبارك، وصولاً إلى النظام الحالي، وهو المهموم ببناء العاصمة الإدارية والإنفاق الهائل عليها كأبرز إنجازاته.

وإلى مرافعة الراحل "أحمد نبيل الهلالي".. تجدون فيها تفسيرًا لنهج حكوماتنا الرشيدة!!!

وكأن شيئًا لم يتغير:

سيدي الرئيس ... حضرات المستشارين

يوم وقعت الكارثة المشئومة أمطرتنا الحكومة بوابل معتاد ومعاد من الوعود والعهود لتؤكد أن المسئولية عن الحادثة / الكارثة ستتحدد بكل الوضوح ، ولن يسمح أبدا بأية محاولة لإخفاء الحقائق ، ولن يفلت أبدا مقصر أو مهمل من الحساب والعقاب.

ثم مضت الأيام وصدر قرار الاتهام فإذا بالتحقيقات تتمخض لتلد فأرا بل جنين فأر غير مكتمل التكوين.

• ورغم أن النيابة العامة فى مذكرتها الممتازة بشأن نتائج التحقيق التى تستحق كل التحية والتقدير قد أشارت بأصابع الاتهام العشر إلى كبار المسئولين فان نظرة واحدة إلى القفص والى أهل القفص تكفى للتدليل على أن الميه فى مصر يستحيل أن تجرى فى العالي. وعلى أن المآسي فى مصر يعملوها الكبار ويحاكم بسببها الصغار.

الأمر الذي يكشف بكل الجلاء. كيف يفهم ويطبق حكم الدستور القائل (المواطنون أمام القانون سواء)

• صحيح أن هناك وزير قد استقال أو أستقيل ،

• صحيح أن هناك مسئول أو أكثر قد أقيـل

* لكن هذه الإجراءات الشكلية الهادفة لاحتواء النقمة الشعبية لا تشفى الغليل .

لان السوابق وما أكثر السوابق تشهد بان كل مسئول سابق ضحى به لتهدئة الخواطر لم يكسر له خاطر وسرعان ما شق طريقه إلى منصب مرموق فى هيئة دولية أو شركة استثمارية.

ولا أخفى على حضراتكم أيها السادة المستشارين.

أنه قد هالني أن تدير مرافعة النيابة ظهرها كاملا لمذكرتها الممتازة الرائعة. فتحصر المسئولية الجنائية حصرا فى هذا النفر من المواطنين الأبرياء التعساء الذين صورتهم النيابة على أنهم محور الشر فى القضية والفساد والإهمال.

ووجه الخطورة فى توجه النيابة العامة أن حصر المسئولية الجنائية فى هؤلاء المتهمين الأبرياء سوف يستغل كستار دخان يخفى وراءه القتلة الحقيقيين والجناة الحقيقيين.

الدولة هي المتهم الأول

أرجو ألا يفهم من كلامي عن الرؤوس الكبيرة الغائبة عن قفص الاتهام، إنني ألقى بعبء المسئولية عن الكارثة على مديري الإدارات أو على رؤساء الهيئات الحاليين والسابقين أو حتى على الوزراء المتقاعدين. إطلاقا فالمتهم الأول فى قضيتنا الغائب عن القفص هو الدولة بالتحديد. الدولة بسياستها الاقتصادية. الدولة بفلسفتها الاجتماعية.

السياسة الاقتصادية للدولة تحددها خطابات النوايا التى تقدمها الحكومة لصندوق النقد الدولي بين الحين والحين لتعلن التزامها بتنفيذ وصفة الصندوق المدمرة.

والسياسة الاقتصادية التى نسميها بأسماء الأضداد (الإصلاح الاقتصادي) تقوم على معالجة العجز فى ميزانية الدولة عن طريق تقليص الأنفاق الحكومي على الخدمات، وانسحاب الدولة من ميدان الخدمات لذلك يلغى التعليم المجاني، يتبخر العلاج المجاني فى المستشفيات الحكومية تتخلى الحكومة عن تمويل ودعم المرافق العامة توطئة لترك ميدان الخدمات ساحة مستباحة للقطاع الخاص.

لذلك أشفقت كل الإشفاق على الوزير السابق الدكتور/ الدميرى وهو يروى لحضراتكم مخططاته وطموحاته لإصلاح ما أفسده الدهر فى وزارة النقل والهيئة. وكيف طالب بتدبير 146 مليار جنيه وكيف خرج من المولد بمليار يتيم. وغاب على الوزير السابق أن أحلامه تصطدم بجوهر سياسة الإصلاح الاقتصادي. وبان طلباته تتعارض مع تعهدات الحكومة فى خطابات النوايا.

لقد قال الزميل الفاضل الأستاذ أحمد يسرى فى مرافعته أن المتهم الأول فى دعوانا هو (الإمكانات)، وأنا اتفق معه فى ذلك بقدر ما اختلف. الإمكانات غير متاحة هذه حقيقة لا تحتمل الجدال. لكن يظل السؤال:

ـ هل هناك قصور فى الإمكانات.

ـ أم هناك تقصير فى توفير الإمكانات.

وتلك هي القضية.

سيدي الرئيس

خير بلدنا طول عمره كتير.

لكن المشكلة إن بلدنا خيرها لغيرها أو بتعبير أدق خيرها لناهبي خيرها. ومن قبيل العلم العام انه منذ فترة ليست بالبعيدة اعتمدت دولتنا الرشيدة 40 مليون دولار لتغطية تكاليف إذاعة مباريات كاس العالم. يا ترى الـ40 مليون دولار دول كانوا جابو كام طفاية حريق من أحدث طراز؟

لكن صرف 40 مليون دولار على الكورة إنفاق يسمح به الصندوق. لان الكورة تسمح بالهاء الشعوب فيصبح من السهل انه يتلعب بها الكورة.

أما الإنفاق على الخدمات فهو فى نظر صندوق النقد الدولي من المحرمات ولذلك يمارس الصندوق ضده حق الفيتو.

ولهذا السبب أدت اتفاقيات الحكومة المصرية مع الصندوق إلى التردى المتواصل فى أوضاع المرافق.

ويعترف تقرير لجنة تقصى الحقائق بمجلس الشعب صـ2:

بان الاستثمارات المتاحة للهيئة قلت (فأخذت تعانى من التخلف فى مجالات الصيانة والتجديد والإصلاح). وبان مرفق السكك الحديد (يحتاج إلى الاستمرار فى توفير الإمكانيات المالية لتنفيذ كافة المشروعات فى مختلف مكوناته حيث أن إي تقصير فيها يؤدى إلى تراكم ومضاعفة التخلف).

ولان السيد مستشار وزير النقل الدكتور/ محمد عرفه , عليم ببواطن الأمور كشف لنا فى شهادته أمام حضراتكم (أن الوزير عرض عليه تولى رئاسة هيئة السكك الحديد فاعتذر فى البداية).

وسألته هيئتكم الموقرة:

س:- لماذا كان سبب اعتذارك؟

ج:- لهموم السكك الحديد ومشاكلها،

والشاهد يعلم علم اليقين إنها هموم غير مسموح للحكومة المصرية بمعالجتها.

وفى لقاء عقده د / عرفه مع محافظ الفيوم والقيادات الشعبية فى المحافظة كان الدكتور/ عرفه أكثر صراحة. فقال: والكلام منشور فى جريدة الحقيقة:

(اعترف المهندس / محمد عرفه رئيس هيئة السكك الحديد انه لا أمل فى إصلاح الحالة المتردية لمرفق السكك الحديد بسبب عدم وجود إعتمادات مالية كافية مشيرا إلى إن الحكومة تستولي على الإيرادات الخاصة بها ولا يتبقى فى الميزانية إلا مبالغ بسيطة لا تفي باحتياجاتها وقال ... إن المرفق فى حاله يرثى لها ويحتاج إلى مبالغ طائلة لإصلاحه والنهوض به).

ولان حكومتنا الرشيدة متمسكة بثوابت سياساتها الرشيدة فان هول الكارثة لم يبدل موقفها من الهيئة وخرجت علينا جريدة حكومية (الجمهورية) بتحقيق صحفي عنوانه بالغ الدلالة :

(بعد شهر كامل من تولى قيادات النقل الجديدة المسئولية...السكك الحديد...محلك سر)

والفلسفة الاجتماعية للحكومة أيضا تتحمل المسئولية الكبرى فى قضيتنا.

فحتى الإعتمادات المحدودة المعدودة التى تخصص للتطوير يتحكم فيها هاجس تحقيق مصالح رجال المال والأعمال الأكابر وتغلبها على مصالح سكان الأرصفة والمقابر.

فالإعتمادات توجه لتحقيق المزيد من الرفاهية والأمان لأهل التوربينى والأسباني ...

رغم أن المادة 8 من الدستور تلزم الدولة بكفالة تكافؤ الفرص لجمهور المواطنين.

حتى إن صحيفة الأخبار الحكومية فى عدد 26/2/2002 هاجمت هيئة السكك الحديد. قائله : " لم يكن حادثا عارضا نتج عن تجمع صدف غير سعيدة وإنما كانت نتاجا طبيعيا لمنظومة وضعت البشر فى مرتبة آدني من مرتبه الإنسانية هذه المنظومة التى تفرد 350 مليون جنيه فى تجهيز قطارات للنوم 7 نجوم لا يركبها أحد بينما لا تخصص لقطع الغيار المطلوبة بصورة عاجلة سوى نصف مليون جنيه ".

(منظومة يتحول فيها حاميها إلى حرميها).

وهذا النقد اللاذع الذي وجهته الجريدة الحكومية لم يأتي من فراغ ... فجريدة العربي أشارت إلى إن بيان السيد رئيس الوزراء أمام مجلس الشعب أقر بان الحكومة وجهت معظم الإعتمادات الخاصة بالتجديد إلى الدرجتين الأولى والثانية وقال :

(لم يتم التجديد إلا لعدد محدود من العربات بدأ بعدد 200 عربة بالدرجة الأولى والثانية من اصل 600 عربه. و200 عربه درجة ثالثة من اصل 2422 عربه).

يعنى الفلسفة الاجتماعية للحكومة جعلتها تجدد 5ر33% من عربات أهل الصفوة . بينما انحصر التجديد فى 5ر8% من عربات المواطنتين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

كل ذلك فى حين قول لنا المهندس/ محمد عرفه صـ24 من محاضر الجلسات.

(معلوماتي الأكيدة إن 11% هم ركاب الدرجة الأولى).

سيدي الرئيس ... حضرات المستشارين

معذرة ... لو إن مدخل مرافعتي قد طال بعض الشئ ... لكن هذه المقدمة من قبيل الشيء لزوم الشيء.

إذ لا يمكن إن يتناول الدفاع القضية الماثلة وكأنها مجرد حادثة قتل خطأ عادية دون إن يتطرق إلى الملابسات والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها والتى لها تأثيرها المباشر على أركان الجرائم المنسوبة إلى المتهمين

سيدي الرئيس ... حضرات المستشارين

وإذا كانت بلادنا ـ مبلية بترزيه القوانين يفصلونها على هوى الحاكم.

فهي مليئة أيضا بترزيه القضايا ... يفصلونها ضد الأبرياء ويزحمون بها ساحات المحاكم.

ويدفعون فيها إلى قفص الاتهام بالضحايا الأبرياء لافتداء الجناة الحقيقيين.

أن الدفاع يدرك كل الإدراك ... أن مسئوليتكم فى هذه القضية خطيرة وكبيرة.

لكنه يثق كل الثقة فى أن عدلكم سيظل هو الأكبر.

التعليقات (0)