- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
مركز “عدالة”: السلطات الإسرائيلية تمنح المستوطنين رخصا لقتل العرب
مركز “عدالة”: السلطات الإسرائيلية تمنح المستوطنين رخصا لقتل العرب
- 1 مايو 2022, 1:43:13 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قدم مركز “عدالة” الحقوقي داخل أراضي 48 استئنافا باسم عائلة الشهيد موسى حسونة من مدينة اللد ضد إغلاق ملف التحقيق بمقتل نجلها. ويكشف الالتماس، الذي قدم بناء على مواد التحقيق التي حصل عليها المركز، أن هناك أدلة أكثر من كافية لتقديم المجرمين للمحاكمة وحتى إدانتهم بالقتل العمد، وكيف تم إغلاق الملفات بضغط سياسي وتدخل جهات في الشرطة وتقاعس بعض موظفي جهاز إنفاذ القانون عن أداء عملهم عمدا لإغلاق الملف. واستشهد موسى حسونة في اللد يوم 10/05/2021 خلال هبة الكرامة بعيارات نارية أطلقها مستوطنون مسلحون من مسافة قريبة نحو مجموعة من الشباب العرب في مدينة اللد لم تشكل أي خطر على حياتهم، ومنهم الشهيد موسى الذي تلقى رصاصة في القلب واستشهد على الفور وأصيب آخرون. وتم اغلاق الملف في 21/10/2021 وإبلاغ العائلة الفلسطينية بإغلاق الملف ضد أربعة من المشتبهين بحجة عدم وجود أي ذنب، وإغلاق الملف ضد المشتبه الخامس بحجة عدم توفر الأدلة الكافية لتثبيت تهمة إطلاق النار الذي تسبب بمقتل موسى حسونة. وورد من النيابة العامة الإسرائيلية أن المشتبهين ادعوا الدفاع عن النفس، وتم قبول ذلك وعلى الأثر أغلقت الملفات.
ويُظهر الاستئناف الذي قُدم إجراء تحقيق سطحي وغير مهني ويفتقر للحد الأدنى من الجدية بالوصول إلى الحقيقة، ووجود إخفاقات وثغرات عديدة في سير التحقيق وعدم استكمال التحقيقات حتى نهايتها، بداية بعدم تجميع المقاطع المصورة من مكان الجريمة وإطلاق سراح المشتبهين قبل الحصول على رأي المختص بشأن الرصاص الذي وجد في جثمان الشهيد موسى حسونة ومصابين آخرين.
تفاصيل تثير الشكوك
ويوضح مركز “عدالة” أن مواد التحقيق تكشف أن المختص لم يقم بعمله مبررا ذلك بأن الملف دفاع عن النفس ولا حاجة لفحص المقذوفات، وصولا إلى عدم إجراء مواجهة بين المشتبهين لتثبيت رواياتهم رغم اختلافها، كما لم يتم التحقيق معهم سوى مرة واحدة فقط رغم وجود تفاصيل تثير الكثير من الأسئلة والشكوك مثل كيف اتخذوا قرار إطلاق النار؟ وكم كان الشبان العرب يبعدون عنهم؟ ومن الذي أعطى تعليمات إطلاق النار؟ ولم يتم أيضا استدعاء أي من الشبان العرب الذين تواجدوا في مسرح الجريمة للإدلاء بإفاداتهم أو استدعاء أي شهود عيان آخرين كالذين استرقوا النظر من نوافذ بيوتهم.
تحقيقات السلطات سطحية وغير مهنية وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية للوصول إلى الحقيقة
ويشير “عدالة” إلى إخفاق آخر بارز في مجرى التحقيق مفاده أنه لم يتم إجراء أي مواجهة بين المشتبهين الذين تلقوا استشارة من محام واحد ويمكن أن يكون هناك احتمال تنسيق رواية موحدة. ويضيف: “وجب التنويه في هذه الجزئية إلى الازدواجية التي تمارسها الشرطة الإسرائيلية بين المشتبهين اليهود والمشتبهين العرب الذين لم يُسمح لهم بتلقي استشارة من المحامي ذاته حين اعتقالهم خلال هبة الكرامة في أيار/مايو الماضي”. ويشير “عدالة” إلى استدعاء مشتبه للإدلاء بإفادته بعد أكثر من 25 يوما على الجريمة، ولم تتعامل معه الشرطة الإسرائيلية كمشتبه رغم اعترافه بالمشاركة في حمل السلاح وإطلاق النار، ورغم التناقض الواضح في إفادته، سرحته الشرطة الإسرائيلية ولم تحاول معرفة الحقيقة.
وطبقا لـ “عدالة” تفند مواد التحقيق التي حصل عليها مركز عدالة، وتحديدا إفادات المشتبهين الخمسة المكتوبة، بشكل كلي ذريعة الدفاع عن النفس، التي أغلق الملف على غرارها. ويوضح “عدالة” أن المستوطنين تواجدوا في مسرح الجريمة بعد دعوات تمت عبر مجموعات واتس اب، بهدف إقامة مسيرة أعلام إسرائيلية احتفالا بما يعرف بـ “يوم القدس”، واتفقوا فيما بينهم لرفع أعلام إسرائيل بهدف استفزاز العرب بمحاذاة دوار الزهور في مدينة اللد وهو منطقة احتكاك تفصل بين السكان العرب والمستوطنين الذين كان قسم منهم مسلحين، مترقبين إمكانية الاحتكاك مع المواطنين العر ب.
ويقول “عدالة” إن هناك عدة أدلة من مواد التحقيق تؤكد تأليف “رواية الدفاع عن النفس” التي لا أساس لها من الصحة ومحاولة جعلها منطقية ومقبولة، وأبرزها ما يلي: عندما سأل المحقق شاهد عيان ما إذا كان المشتبهون تحت الخطر أثناء إطلاق النار قال: “كان هناك أشخاص آخرون لم يهربوا ولم يتحركوا”. ويستدل ذات الأمر من أقوال المشتبه الثاني عندما قال في إفادته “دار بيننا نقاش سريع لا أتذكر التفاصيل وفي مرحلة ما قررنا إطلاق النار صوب المتجمهرين، شخص منا حذرنا ألا نطلق النار على بعضنا البعض وباشرنا بإطلاق النار معا”. وهذا يثبت أنهم جاؤوا للمواجهة والاحتكاك والمساس بالعرب وليس للدفاع عن أنفسهم”. ويتابع: “تأكيدا على كذبة ذريعة الدفاع عن النفس”، قال المشتبه الثالث الذي يظهر من مواد التحقيق بعد فحص هاتفه المحمول، أنه تلقى رسالة في المجموعة ذاتها التي دعت للاعتداء على العرب في تمام الساعة 00:38 “كل من بحوزته سلاح، كل من بحوزته سلاح انزلوا، العرب يشاغبون هنا”. أي أنه كان آمنا في بيته ونزل خصيصا بعد تلقيه الرسالة ولم يطلق النار بهدف الدفاع عن النفس كما ادعى أفراد الشرطة الإسرائيلية”.
ويشير المركز الحقوقي لأدلة إضافية تدلل على تلفيق رواية الدفاع عن النفس ما كُتب في إفادات المشتبهين الرابع والخامس، إذ قال المشتبه الرابع في إفادته: “قمت بإطلاق الرصاص بهدف ردعهم وأطلقت رصاصة واحدة ولا أذكر متى أطلقت الرصاصة الثانية”. ويلفت “عدالة” الى أنه لم يقل إنه أطلق الرصاص دفاعا عن النفس ورغم ذلك تم إغلاق ملف التحقيق معه وإطلاق سراحه. وعند سؤال المشتبه الخامس قال في إفادته ما يلي: “أحدهم… وانا لا أعلم من… أطلق الرصاص بهدف التحذير. جاء العرب لحرق السيارة”. وينبه “عدالة” أن “الشاهد لم يذكر أن الشباب العرب لم يشكلوا خطرا على حياة المستوطنين”.
ويرى “عدالة” أن عدم جدية الشرطة الإسرائيلية بالحصول على الحقيقة يتجلى أيضا من خلال إخفاقات وخروقات أخرى وعدم استكمال الشروط الأدنى لأي تحقيق شُرطي، ومن ضمنها شهادة شاهد عيان أدلى بها للشرطة في الشارع في يوم الحادثة في تمام الساعة 3:00 وصف فيها المشتبه الأول، وقال أنه رآه يطلق النار صوب الشباب العرب حيث وقف في منطقة أعلى من منطقة إطلاق النار، وقال إن إطلاق النار لم يتوقف للحظة. كما قام شاهد العيان ذاته بوصف مشتبهين اثنين ولكن الشرطة الإسرائيلية اكتفت بشهادته الأولية فقط ولم تحاول التعرف على المشتبهين الآخرين فيما بعد أو استدعاءه لتحديد هويتهم والتعرف عليهم في عرض المشتبهين. إضافة إلى إشارة المشتبه الثالث في إفادته إلى أن المشتبه الأول أطلق النار مع مشتبه آخر لا يعرفه قد صوّب الناس ولم يحاول المحققين حتى التعرف على هوية الآخر”.
ويؤكد المركز أن سطحية التحقيق تكمن في تفاصيل كثيرة درسها ضمن مواد التحقيق التي بحوزته منها ما ذكر أعلاه، إضافة إلى عدم تجميع الصور والمقاطع المصورة من هاتف محمول يخص شاهد عيان، وثقها خلال إطلاق النار كمواد للملف. ويتابع: “تم إطلاق سراح المشتبه الأول قبل الحصول على نتائج مختبر المقذوفات بالرغم من العثور على ثماني رصاصات أطلقت من مسدسه في مسرح الجريمة وبعد أن تبين أنه أطلق 10 رصاصات من سلاحه في الليلة ذاتها. ومن خلال المواد تبين أيضا أنه لم يتم الاطلاع على سجل مكالمات ورسائل هاتف المشتبه الثاني التي ربما حذفت عمدا لعرقلة سير التحقيق.
ومن ضمن مواد التحقيق التي حصل عليها “عدالة” شريط مصور لمحادثة بين محققين وهي محادثة شخصية دون وجود مشتبهين وجدت من ضمن مواد التحقيق، وتدل على التدخل السياسي بمجرى التحقيق، حيث يُسمع في التسجيل ما يلي:
– المحققة الإسرائيلية: مدير المختبر لفحص المقذوفات يقول لي بأن هذا التشخيص يكلف الكثير من المال وهو حاليا في أسفل سلم الأولويات ولا ينوي التقدم في عملية فحصه”. وتقول كذلك أن “مختبر فحص المقذوفات نصحها بإطلاق سراح المشتبهين والاكتفاء بشهاداتهم، وأنه لن يقوم بفحص العيارات النارية إلا في حال تقديم لائحة اتهام”.
– المحقق الإسرائيلي: “ليقل هذا الكلام لوزير الأمن الداخلي الذي يتصل كل عشر دقائق ليسأل عن هذا الملف”. والوزير المذكور هنا هو وزير الأمن الداخلي في حينه، أمير أوحانا (الليكود) الذي غرد على حسابه في تويتر بعد يوم من الجريمة: “اعتقال مطلق النار في اللد ورفاقه الذين دافعوا عن أنفسهم أمر مستهجن، حتى في حال عدم معرفة الجمهور بكل التفاصيل، يجب اعتبار المواطنين الذين يحملون السلاح تعزيزا هاما للسلطات في تحييد كل تهديد أو خطر وشيك”.
ويشدد “عدالة” على أن الاعتقال أو إطلاق السراح ليس ضمن صلاحيات وزير الأمن الداخلي، وهذا يثبت التدخل السياسي وتشكيل ضغوط تصب بهدف إغلاق الملف، وهو أمر خطير جدا ويضفي شرعية وضوءا أخضر للإسرائيليين بقتل العرب دون حسيب أو رقيب، وهذا ما لمسناه أيضا من ضمن مواد التحقيق وتحديدا من أقوال المشتبه الأول عندما سأله المحقق عما إذا كانت طريقة أخرى للتعامل مع الحدث قال: “لا، ومن ناحيتي الدولة منحتني هذا السلاح المرخص لمثل هذه المواقف بالضبط”.
المطالبة بفتح الملف
بناء على جميع التفاصيل المذكورة بمجريات التحقيق وإخفاقاته، طالب مركز “عدالة” في التماسه بإعادة فتح التحقيق في ملف مقتل الشهيد موسى حسونة من مدينة اللد وإصابة آخرين، واستكمال التحقيق كما يجب ليشمل تلقي إفادات من شهود عيان كانوا في مسرح الجريمة. بالإضافة إلى محاسبة المتطرفين الذين دعوا المسلحين للنزول إلى الشارع ومحاسبة ممثلي جمهور تواجدوا في مسرح الجريمة ولم يمنعوا إطلاق النار، كالمدير العام لبلدية اللد آهرون أتياس ونائب رئيس البلدية يوسف حاييم، اللذين بشهادة الشهود، لم يصدروا أي أمر ضد إطلاق النار على العرب العزل أو حاولوا منع مثل هذه الجريمة، على العكس وقفوا متفرجين وحتى ناقشوا الموضوع مع مطلقي النار قبيل بدئهم إطلاق النار على المدنيين العزل”.
وقالت المحامية ناريمان شحادة زعبي من مركز “عدالة” لـ “القدس العربي” إن إغلاق ملف التحقيق رغم كل الأدلة التي تدين المشتبهين ووسط التدخل السياسي يشير إلى منح الشرعية والضوء الأخضر “للمدنيين الإسرائيليين” وعسكرتهم لقتل العرب دون أي محاسبة كما هو الحال عند مقتل أي عربي على يد الشرطة ويتم مباشرة إغلاق الملف دون أي محاسبة. وتضيف: “لا يزال الظلم واقعا على الشهيد وعائلته، والعدل الوحيد المقبول هو تقديم كل الشركاء في الجريمة للمحاكمة ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم وأفواههم، سواء من ارتكب الجريمة بشكل مباشر من أفراد الشرطة، ومن حرّضه وأعطاه الأوامر ومن عرقل سير التحقيق وأخفى الأدلة ووزير الأمن الداخلي في حينه الذي صرح في تغريدة عبر حسابه في منصة تويتر انه سيطلق سراح جميع الموقوفين المشتبهين بقتل الشهيد لو تعلق الأمر فيه”.
وقالت المحامية “رأينا كيف أن التساهل والتقاعس من قبل وحدة التحقيق مع رجال الشرطة في الجرائم التي انتهت بمقتل عربي أدى إلى تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير، وباتت يد أي شرطي خفيفة على الزناد ويسهل عليه إطلاق الرصاص بهدف القتل لأنه يدرك تماما أن أحدا لن يحاسبه على ما اقترفت يداه. وحذرت أنه في حال تم اعتماد هذه السياسة مع المجرمين من المستوطنين والمتطرفين والعنصريين اليهود، سنرى عددا كبيرا من جرائم القتل على خلفية عنصرية لن تغلب الشرطة والمستوى السياسي في تلفيق تبرير لها كالدفاع عن النفس وغيره”.