- ℃ 11 تركيا
- 23 ديسمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: معركة ملاذ كرد.. المعركة التي غيرت مجرى التاريخ
مصطفى إبراهيم يكتب: معركة ملاذ كرد.. المعركة التي غيرت مجرى التاريخ
- 12 أبريل 2022, 6:31:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وقعتْ معركةُ ملاذِ كُردْ في شهر رمضان عامِ ستمائةٍ وثلاثةٍ وعشرينَ هِجرية.. وهي موقعةٌ كبرى لاتقلُ عن اليرموكِ والقادسية، وفيها حاولَ إمبراطورُ الرومِ مباغتةِ قواتِ السلاجقةِ بجيشٍ جَرارٍ قُوامُهُ مائتيِ ألفِ مقاتلٍ ،وسبق ذلك أن أرسل مبعوثين إلى ألب أرسلان في فبراير 1071 لتجديد معاهدة كانت بينهما فوافق ألب أرسلان بسعادة حرصًا على تأمين جناحه الشمالي ضد الهجوم ، وبعد تخليه عن حصار الرها ، قاد أرسلان جيشه على الفور لمهاجمة حلب الخاضعة للسيطرة الفاطمية.. لكن رومانوس غدر بوعدة وأخل بمعاهدة السلام وقاد جيشًا كبيرًا إلى أرمينيا لاستعادة القلاع المفقودة قبل أن يتمكن السلاجقة من الرد عليهم.
فجهّز الإمبراطور البيزنطي رومانوس جيشًا ضخمًا يتكون من مائتي ألف مقاتل ن الروم والروس والأرمن والخزر والفرنجة والبلغاريين ، وتحرك بهم من القسطنطينية عاصمة دولته واتجه إلى ملاذكرد حيث يعسكر الجيش السلجوقي، ساعتْها لم يكنْ بحوزةِ ألبْ سوى عشرينَ ألفَ ُمقاتل، أدرك ألب أرسلان حرج موقفه؛ فهو أمام جيش بالغ الضخامة كثير العتاد، في حين أن قواته لا تتجاوز عشرين ألفًا ، فبادر بالهجوم على مقدمة جيش الروم، ونجح في تحقيق نصر خاطف يحقق له التفاوض العادل مع إمبراطور الروم؛ لأنه كان يدرك صعوبة أن يدخل معركة ضد جيش الروم؛ فقواته الصغيرة لا قبل لها بمواجهة غير مضمونة العواقب، فأرسل إلى الإمبراطور مبعوثًا من قبله ليعرض عليه الصلح والهدنة؛ فأساء الإمبراطور استقبال المبعوث ورفض عرض السلطان، وطالبه أن يبلغه بأن الصلح لن يتم إلا في مدينة الري عاصمة السلاجقة.
حينها أيقن السلطان أرسلان أنه ألاَّ مفر من القتال بعد أن فشل الصلح والمهادنة في دفع شبح الحرب؛ فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، وأوقد في قلوبهم جذوة الصبر والثبات، ووقف فقيه السلطان وإمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري يقول للسلطان مقوِّيًا من عزمه: إنك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقِهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.وحين دانت ساعة اللقاء في (آخر ذي القعدة 463 هـ/ أغسطس 1071 م) صلّى بهم الإمام أبو نصر البخاري، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني.
و فَكَرَ ألبْ أرسلانْ في حيلةٍ للخروجِ من هذا المَأزَق، فوضَعَ خُطة ً لإجبارِ حاكمِ الرومِ على الهدنة،و تتلخصُ الخُطةُ في مهاجمةِ مُقدمةِ الجيشِ الروميِ وإيقاعِ هزيمةٍ سريعةٍ به ، ثُمَّ يتبعُها طلبُ الهدنةِ من ملكِ الروم، وبالفعلْ.. انتصرَ السلاجقةُ على مقدمةِ الجيشِ الصليبي، وسارعَ ألبْ أرسلانْ بطلبِ الهُدنةِ تحتَ تأثيِر النصرِ السريع، لكنَّ إمبراطورّ الرومِ رَفَضَ الهُدنةَ ، وأصَرَ على القتال ، فَخَطَبَ ألبْ أرسلانْ في جنودِهِ ولبس كَفَنَهُ وحثَ مقاتليِهِ على الشَهادةِ في سبيلِ الله، قائلاً : إنني أقاتلُ مُحتسباً صابراً. .فإن سَلِمْتْ فنعمةٌ من الله عزَ وجلَ.. وإنْ كانتْ الشَهادةُ فهذا كفني ، أكملوا معركَتَكَم تحتَ قيادةِ ابني مَلِكْ شاه، ففعلَ العسكرُ مثلَهُ ولبسوا البياض ثم ربطَ القائدُ المسلمُ ذيلَ فرسهِ بيدهِ ليوصلَ رسالةً بأنَّهُ لن يفرَ حتى لو سقط َعن فرسه، وخيرهُمْ بينَ الانصرافِ أوالقتال، قائلاً : من أرادَ الإنصرافَ فلينصرفْ، ما ها هنا سلطان يَأمُرُ وينهي..فلم ينصرفْ جنديٌ واحدٌ بعدما أَحْدثتْ الخطبةُ الحماسيةُ مفعولَها، وأشارَ الفقيهُ أبو نصرٌ محمدٌ بن عبدِ الملكِ البُخاريُ الحنفيُ بأن يكونَ وقتُ المعركةِ يومَ الجمعةِ ساعةَ الصلاة ؛ لأنَّ كلَ خُطباءِ العالمِ الإسلاميِ سيكونونَ ساعتَها يدعونَ بنصرِ المحاهدين ، فأخذَ بنصيحَتَه .
وعندما تواجهَ الفريقان نَزَلَ السلطانُ ألبْ أرسلانْ عن فرسِهِ وسَجَدَ للِه ومرغَ وجهَهُ في الترابِ ودعا اللهَ بالنصر.. وانطلقتْ المعركة ،وكان السلطان أرسلان قد أحسن خطة المعركة، وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، حتى إذا بدأت المعركة أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها، وهاجموا أعداءهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلاً وتجريحًا، وانقضَ جُندُ الإسلامِ على الجيشِ الصليبيِ وهزموا مقدمَتَه مرةً ثانية ، وسارعوا بالانطلاقِ نحوَ القلبِ فحاصروا خَيمةَ مَلِكِ الروم، فصُعِقَ من هَوْلِ المفاجأة.. وسألهم كيفَ وصلتُم إلى هنا في قلبِ جيشي الجرار، وتمَ أسرُ الإمبراطور ، وقُطِعَتْ رأسُ أحدِ أعوانِهِ وألبسوها تاجِ المُلك ورفعوها على سِنِ رُمح ، فظنَ الجيشُ الروميُ أن حاكِمَهُم قد مات ، فأُسقطَ في أيديهم وارتبكتْ صُفوفهم أكثر، واستسلمُ الكثيرُ منهم، بعد قتلِ قُرابةِ ثمانيةَ ألفٍ صليبي ..وافتدى حاكمُ الرومِ نفسَهُ بمليونٍ ونصفَ مليونِ دينار، وأَطْلَقَ سراحُ الأسرى المسلمينَ الذين بحوزتِه ، ومنَحُه السلطانُ عشرةَ آلافِ دينارٍ ليجهزَ قافلتَهُ بها عائدأ إلى موطِنِهِ، وأرسلَ معهُ حرساً مسلمين ورايةً مكتوباً عليها "لا إلهَ إلا الله ..محمدٌ رسولُ الله" .