من الذي لا يحب فاتن حمامة؟، لكن الفنانة القديرة سيدة منيعة لا ترفع التكليف مع محبيها، وتقيم السدود والحواجز. تستقبلك في الصالون بملابس رسمية، ولا تسمح لك بالتدخين في حضرتها. لا تتيح الاقتراب والتواصل، فهي الأنيقة ساكنة القصر، وأقرب إلى الملكة المحاطة بحراس أشداء يجمعون بين الأدب والحزم، وتوصيهم بذلك المزيج الغريب المرهق من اللباقة والصرامة.

الأمر مختلف مع سعاد حسني "1942-2001". فتاة الأحلام، الصديقة المقربة، الجارة الطيبة، الأخت الحنون كاتمة الأسرار، زميلة الدراسة والعمل. إنها البسيطة المرحة التي لا تشعر معها بالغربة، ولا حرج أن تراقصك وتغني لك ومعك. تمشي في الشارع هكذا مثل العاديات من الفتيات، ثم المألوفات المقربات من النساء العاملات الكادحات، المتشبثات مع شقائهن بعيون لا تغادرها حيوية الحياة.

قبل أن تعانق عامها العشرين، في "حسن ونعيمة" و"السفيرة عزيزة" و"إشاعة حب"، تتوهج بالجمال الاستثنائي النادر الذي لم تعرفه السينما المصرية من قبل، ليس لندرة الجميلات، فما أكثرهن، بل لأن جمال السندريلا له مذاقه الخاص الجديد البكر الطازج، ذلك الجمال الذي ينعش القلب ويجعل المستحيل ممكنا؛ كأن تجد فتاة مثلها تبادلك حبا بحب.

عند الوصول إلى محطة "صغيرة على الحب"، يتأكد ميلاد نجمة شاملة تجمع بين براعة التمثيل وعبقرية الاستعراض وروعة الصوت الذي ينبّه من ينسون أو يتناسون إلى أنها الشقيقة الصغرى لكاهنة معبد الحب والعذوبة؛ نجاة.

إنتاجها الغزير، منذ ظهورها الأول في العام 1959، يصنع الشهرة والنجومية والاعتراف بموهبتها الفذة، لكنها في عامين متتاليين،1966و1967، تلتقي مع صلاح أبو سيف، ذي التوجه المختلف، في "القاهرة 30" و"الزوجة الثانية". عندئذ يظهر وجه مغاير للسائد في الكم الهائل السابق من الأفلام الخفيفة التي لا تقول الكثير، وتقنع بالفتاة الجميلة التي تصادق الكاميرا وتفرض حضورها الطاغي فتستأثر بالأبصار. في أفلامها السابقة تنفرد وحدها بالتألق في ساحة قوامها العادي الذي لا يحرك العقل ولا يصنع الوعي، ومع صلاح تواصل التألق مع فريق متجانس ملتزم، يديره مخرج قدير لا يرى السينما تسلية عابرة.

على مشارف عامها الثلاثين، تصل السندريلا أخت القمر إلى النضج العبقري في فيلمي "زوجتي والكلب" و"الاختيار"، مع شاعر السينما سعيد مرزوق والمجنون سيد العقلاء يوسف شاهين. لا تنفرد بالبطولة المطلقة، ولا تقترن الأحداث بها وحدها، ولا يغيب جسدها الجميل المثير عن تشكيل اللوحة السينمائية الخلابة، لكنها تتحول إلى جزء من منظومة، ولاعب في فريق.

قرب نهاية السبعينيات، يبدأ الفصل الأخير في رحلة سعاد مع السينما. تكتسب ملامح وجهها وإيقاعات جسدها مذاقا جديدا، ومن الذي لا يجد في أغنيتها الاستعراضية "بانوا بانوا" عبقرية تعبيرية لا مثيل لها؟. كأنها بكلمات صلاح جاهين تقدم خلاصة التجربة وعصير الشهادة. أغنيتها هذه في "شفيقة ومتولي" جزء أصيل من بناء العمل، لكنها نص داخل النص.

كيف تصل فتاة الأحلام إلى الأربعين؟، ثم كيف يهرول بها الزمن فتقترب من الخمسين؟. هل يليق بها أن تعيش وتعايش عصر نادية الجندي وإسماعيل ولي الدين وأفلام المقاولات وانهيار الثقافة الجادة؟. يوم رحيل صلاح جاهين، مريض الاكتئاب وأوجاع الروح، كان السؤال الذي يطرحه الملايين من عشاقها: أين تجد سعاد ملاذا آمنا بعد غيابه؟.

عشر سنوات تفصل بين فيلمها الأخير "الراعي والنساء" والموت الغامض في لندن. الموت حقيقة راسخة تطول الجميع، لكن محبي السندريلا يشعرون بموتهم مع موتها؛ موت الجزء الأجمل من تاريخهم القريب وأحلامهم الوردية القديمة.

هل يمكن أن تموت سعاد صانعة السعادة؟.

إنها تموت ولا تغيب، وهيهات هيهات أن تغيب.