مضاوي الرشيد تكتب: الولايات المتحدة والسعودية: هل فقدت الرياض أهميتها؟

profile
  • clock 7 يناير 2022, 3:57:35 م
  • eye 457
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فشلت المملكة العربية السعودية دولياً في استعادة دورها المحوري، الذي تعودت على القيام به قبل مجيء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة. بل لقد حمل عام 2021 سلسلة من خيبات الأمل للرياض، إلى جانب الإدراك بأنها لم تعد القوة الوحيدة التي يعتمد عليها الحلفاء الغربيون للسيطرة على العالمين العربي والإسلامي.

لا مفر من أن يستمر تهميش الرياض خلال عام 2022، فلا وجود لما يدل على أنها ستعود إلى ممارسة دورها المحوري كدولة وكيلة للولايات المتحدة تقوم على خدمة وتيسير المصالح الأمريكية في المنطقة، وذلك بعد أن خطفت دول أخرى صغيرة ذلك الدور، وبالذات الإمارات العربية المتحدة وقطر، بالإضافة إلى حلفاء قدماء للولايات المتحدة، مثل إسرائيل والمغرب والأردن ومصر؛ ولهذا تبدو الرياض غير مهمة في هذا الوقت، الذي تسعى الولايات المتحدة فيه إلى النأي بنفسها شيئاً فشيئاً عن الشرق الأوسط.

لقد واجهت العلاقات السعودية الأمريكية صعوبات منذ أن استلم الرئيس جو بايدن مقاليد الأمور في يناير/ كانون الثاني 2021. وكانت السعودية قد تنفست الصعداء، بعد أن أعطى الإذن بنشر تقرير السي آي إيه السري حول جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، ولكن أخفق في اتخاذ أي إجراء تجاه ما خلص إليه التقرير. إلا أن شهر العسل كان قصيراً جداً، إذ قوضه تفضيل الولايات المتحدة التعامل بشكل انتقائي مع محمد بن سلمان.

يبدو أن ولي العهد لم يعد مرحباً به في واشنطن، ولا في أي منصة دولية أخرى تحتل الولايات المتحدة فيها مكان الصدارة؛ فقد غاب محمد بن سلمان عن قمة العشرين الأخيرة، وعن اجتماعات قمة المناخ، نظراً لأنه لم يضمن التمكن من أن يصافح بايدن أو أن يحظى بالتقاط صورة تذكارية بجانبه وفي معية زعماء العالم الآخرين. كما لم يحظ ولي العهد السعودي بشرف مساعدة الولايات المتحدة أثناء أزمة الصيف في أفغانستان بينما كانت قواتها المسلحة تنحسب منها.

هذا لا يعني بالضرورة أن محمد بن سلمان سيظل منبوذاً إلى الأبد؛ فالولايات المتحدة مستمرة في تعاملها الانتقائي مع المملكة العربية السعودية. ومع اقتراب عام 2021 من نهايته، رغبت الولايات المتحدة في ضمان استمرار تدفق النفط السعودي بكميات كافية؛ حتى لا تستمر أسعار النفط في الارتفاع بما يلحق الضرر بعملية تعافي الاقتصاد الغربي بعد عامين من الاضطراب الذي غذته جائحة كوفيد-19، وتراجع الطلب على الطاقة. إلا أن ارتفاع عدد الإصابات بمتحور أوميكرون يعد بأن يكون عام 2022 عاماً آخر مشوباً بعدم اليقين.

أزمة جديدة

في هذه الأثناء، نشبت أزمة جديدة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ومرجعها نضوب الذخيرة التي تحتاجها المملكة للدفاع عن نفسها ضد الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي تشن عليها من اليمن. وحسبما جاء في تقرير نشرته صحيفة وال ستريت جورنال، تدنى لدرجة خطيرة مخزون الذخيرة التي تحتاجها منظومة صواريخ باتريوت أرض جو السعودية، والتي تزودها بها الولايات المتحدة.

في الشهر الماضي، هزم تصويت أجري داخل مجلس الشيوخ بنسبة 67 إلى 30 مشروع قرار يحظر بيع 280 صاروخ جو – جو إلى المملكة. كثير من مؤيدي بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية في واشنطن يفضلون الاستمرار في تسليح البلد دون قيد أو شرط، أي دون التعهد بإنهاء الحرب في اليمن، وهو التعهد الذي كان بايدن قد اعتبره واحداً من أولوياته.

سوف يواجه جميع حلفاء المملكة العربية السعودية الدوليين في عام 2022 أسئلة تثار في بلدانهم فيما لو حاولوا طي صفحة الماضي وتناسي كل الدسائس والجرائم. وقد يجد محمد بن سلمان صعوبة في إعادة المملكة العربية السعودية إلى مجدها التليد 


من المؤكد أن المملكة العربية السعودية سوف تتعرض لهجمات أخرى يشنها عليها الحوثيون باستخدام الطائرات المسيرة، بعد أن اختبروا قدراتهم على استهداف الحقول السعودية، وتعطيل إنتاج النفط. يحتاج محمد بن سلمان بشدة إلى إنهاء هذه الحرب الضارة والمكلفة. ولكن يتوقع أن تبقى علاقته مع بايدن فاترة خلال عام 2002.

يمكن لولي العهد في الرياض أن يعول على روسيا والصين للمساعدة في إعادة تأهيله على المسرح الدولي، لكنهما لا يشكلان بديلاً عن التحالف الأمريكي السعودي. يتركز اهتمام روسيا بالرياض على النفط، وعلى تجارة سلاح نامية، وإن كانت قليلة. إلا أن ذلك لا يكفي للاستعاضة عن الدور الذي تلعبه واشنطن. وبالقدر ذاته، ترحب الصين بالمزيد من الفرص الاقتصادية السانحة في المملكة العربية السعودية، لكنها تبقى نائية سياسياً وثقافياً.

لا يمكن لمحمد بن سلمان التوجه فجأة نحو الشرق، وذلك لأسباب كثيرة. أولها أن ترسانة سلاحه غربية في الأساس، وما زال يتطلع إلى إعادة علاقات بلاده مع الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه في حقبة ترامب. بإمكانه أن يقعد وينتظر في الرياض إجراء الانتخابات الأمريكية القادمة، التي قد تأتي إلى البيت الأبيض برئيس أكثر مودة.

وجه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اهتمامه نحو الرياض وغيرها من الممالك الخليجية؛ سعياً منه لتجميع رأسمال لصندوقه الاستثماري الجديد. لم يستجب له سوى محمد بن سلمان، بينما تردد أمراء الخليج الآخرون في المراهنة على كوشنر وصفقاته المالية. أما محمد بن سلمان، فهو على استعداد لاستخدام صندوق الاستثمار العام التابع له لتأمين مستقبل سياسي لنفسه في واشنطن فيما لو وصل رئيس جمهوري إلى السلطة في عام 2024.

النظر باتجاه أوروبا

كما يمكن لمحمد بن سلمان أن يوجه انتباهه إلى بريطانيا وأوروبا، فكلاهما انتهازي، وعلى استعداد لاستيعاب ولي العهد، دون السماح لسجله البائس في مجال حقوق الإنسان أن يعيق إبرام صفقات سلاح في المستقبل. تحتفظ بريطانيا بعلاقات وثيقة مع الرياض، وليست الحكومة المحافظة الحالية على استعداد لتبديد الفرص المستقبلية بحجة الانتصار لحقوق الإنسان؛ وبذلك ستبقى بريطانيا ثاني أكبر مورد للسلاح إلى المملكة العربية السعودية، كما هو العهد بها.

في فرنسا، احتضن الرئيس إيمانويل ماكرون ولي العهد خلال زيارته الأخيرة، التي سعى خلالها التجار ورجال مبيعات السلاح، وحتى المفكرون، إلى إثارة إعجاب الأمير بهم، وتأمين الفوز بالفرص المالية. كان ماكرون أول زعيم أوروبي يصل الرياض منذ جريمة قتل خاشقجي في عام 2018.

كانت أحد أهم مشاغله حل الأزمة السعودية اللبنانية بطريقة تضمن توفير المساعدة المالية للاقتصاد اللبناني المنهار. لا يُعلم بعد ما إذا كانت جهود ماكرون بهذا الصدد تكللت بالنجاح أم لا، وذلك لأن الخلاف السعودي مع لبنان لا يمكن برؤه دون التوصل إلى تفاهم مع إيران التي تدعم حزب الله، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية.

قد يتردد الزعماء الأوروبيون الآخرون في احتضان ولي العهد السعودي، أخذاً بالاعتبار الطريقة التي تنظر بها شعوبهم لسجله، وقد لا تؤيد برلماناتهم عقد شراكات أوثق، أو إبرام صفقات سلاح جديدة.

سوف يواجه جميع حلفاء المملكة العربية السعودية الدوليين في عام 2022 أسئلة تثار في بلدانهم فيما لو حاولوا طي صفحة الماضي، وتناسي كل الدسائس والجرائم. وقد يجد محمد بن سلمان صعوبة في إعادة المملكة العربية السعودية إلى مجدها التليد، عندما كانت أول بلد يلجأ إليه المجتمع الدولي لحل الكثير من المشاكل التي تواجه العالم العربي.


* مضاوي الرشيد أكاديمية ومعارضة سعودية، أستاذة علم الأنثروبولوجيا في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بكلية الملوك بجامعة لندن.


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "180 تحقيقات"

التعليقات (0)