"معاريف": الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية.. المشكلة التي لن تختفي

profile
  • clock 28 يناير 2025, 10:40:08 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ليئور أكرمان - معاريف

في الحكومة الإسرائيلية الحالية ووسط قسم لا يُستهان به من الجمهور، توجد رؤية يختفي فيها تماماً الفلسطينيون من حياتنا ومن المنطقة، ولا وجود فيها للمشكلة الفلسطينية. بالنسبة إلى قسم من نواب الجمهور الإسرائيلي، هناك رؤية مكتوبة بشأن الموضوع والاستراتيجيا الواضحة التي يجب تطبيقها. لكن الحقيقة العملية هي أن خمسة ملايين فلسطيني في القطاع والضفة الغربية لن يذهبوا إلى أي مكان آخر، ولا يوجد أي حل مستدام للمسألة الفلسطينية لا يشمل بقاءهم هنا في كيان منفصل تماماً عن إسرائيل.

كان الاهتمام الدولي والشعبي في إسرائيل موجهاً أساساً في السنة الماضية نحو ما يجري في قطاع غزة بعد أحداث 7 أكتوبر، والحرب التي نشبت من بعدها. لكن في مناطق الضفة الغربية، بدأ ينشأ واقع لا يقل إثارة للقلق.

على الجانب الفلسطيني، يزداد ضعف السلطة الفلسطينية على كل الصعد، بسبب الضائقة الاقتصادية الآخذة في التفاقم. كما تتصاعد الاضطرابات وتشتد في الشارع الفلسطيني، ويتزايد الإحباط بسبب تفاقم الوضع. هذه التوجهات تقود إلى التطرف في الرأي العام، وإلى تصاعُد التأييد للمنظمات المعارضة كـ"حماس" وتنظيمات محلية تحظى بدعم إيران.

منذ بداية الحرب، لم يُسمح بدخول العمال الفلسطينيين إلى الأراضي الإسرائيلية، ومغزى ذلك أنه على الرغم من أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين يشقون طريقهم يومياً إلى العمل في إسرائيل، فإن أغلبية السكان عاطلة عن العمل، وليس لديها دخل، وعرضة لخطر وجودي حقيقي. لقد خسر الحُكم الفلسطيني أجزاء كبيرة من سيطرته على الأرض على خلفية الخلافات وسط قادة السلطة، وأيضاً في ضوء الخطوات التي اتخذتها إسرائيل في الميدان بقيادة الوزير سموتريتش، وسنتحدث عن هذه الأمور بإسهاب لاحقاً.

على صعيد "الإرهاب"، تكشف الأرقام انخفاضاً دراماتيكياً في حجم الهجمات التي جرى إحباطها انطلاقاً من أراضي الضفة الغربية في السنة الأخيرة، لكن هذا الانخفاض ليس ناجماً عن تراجع الحافز، إنما عن الزيادة الكبيرة في التواجد وعمليات الإحباط التي قام بها الشاباك والجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب. وفي المقابل، فقد ظهر التدخل الإيراني المتزايد في تمويل الخلايا "الإرهابية" في الميدان وتزويدها بالوسائل القتالية التي جرى تهريب معظمها عبر الحدود الأردنية.

ليس من المستبعَد أن جزءاً من الصراع على السلطة مستقبلاً في السلطة الفلسطينية سيؤدي إلى إضعاف فرض سلطة القانون في الشارع على يد زعماء التنظميات، ومن أجل إنشاء حالة من عدم الثقة في الزعامة الحالية. ومن الواضح للجمهور الفلسطيني أن "اليوم التالي" بعد أبو مازن يقترب، والصراع من أجل السيطرة على القيادة المقبلة تتجلى عبر تصريحات قِسم من القادة المستقبليين الممكنين، وكذلك دورهم في نقل الأموال والسلاح إلى الخلايا العاملة في مناطق متعددة كجزء من صراع القوى الذي يمكن أن يبدأ بعد ذهاب رئيس السلطة الحالي.

في مقابل هذا كله، تتطور مسارات مثيرة للقلق في الجانب اليهودي؛ فسيطرة الوزير سموتريتش من جهة على الإدارة المدنية، ومن جهة أًخرى سيطرة بن غفير على الشرطة في مناطق الضفة الغربية، يؤديان إلى إنشاء واقع يشهد زيادة كبيرة في حجم العمليات الإرهابية لنشطاء اليمين المتطرف [اليهودي] ضد المواطنين الفلسطينيين.

ومن جهة أُخرى، لا تقوم الشرطة المولجة لتطبيق القانون بأي عمل ضدهم. وهناك شهادات تشير إلى الارتفاع الكبير في البناء غير القانوني [اليهودي]، وفي تأهيل بؤر استيطانية غير قانونية على الأرض، بينما يجري الحرص على هدم البناء الفلسطيني غير القانوني. وفي غضون ذلك، يتحدث وزراء حزبَي الصهيونية الدينية وقوة يهودية علناً عن نيتهم الضم الكامل لكل أراضي الضفة الغربية، وتحويل الفلسطينيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وإنشاء واقع أبارتهايد كامل في دولة إسرائيل.

وتترافق كل هذه المعطيات مع تزايُد زيارات بن غفير إلى حرم المسجد الأقصى التي تزيد في حدة كراهية الجمهور العربي في إسرائيل وفي المناطق، وتزيد من فرص نشوب انتفاضات فلسطينية حادة ضد إسرائيل. وتتوقع التقديرات الأمنية العديدة في إسرائيل إمكان انزلاق صراع القوى في داخل السلطة الفلسطينية في اليوم التالي لأبو مازن أيضاً إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وأن يشكل هذا تهديداً على أمنها في سنياريوهات معيّنة.

وينتظر الطرفان بفارع الصبر استلام ترامب منصبه، ويفترضان أنه ما إن يبدأ في تولي مهماته، فإنه سيعلن سياسة واضحة في هذا الاتجاه أو ذاك. وجزء من نواب الجمهورالإسرائيلي يعلّقون على ترامب آمالاً كبيرة من أجل الدفع قُدُماً بالضم الكامل للضفة الغربية، لكن ليس من المؤكد البتة أنهم يقدّرون بصورة صحيحة نياته التي لها علاقة بمستوى استراتيجي أكبر كثيراً من أراضي الضفة الغربية.

ومن جهتها، لا تقدم إسرائيل ومَن يتولى رئاستها أي رؤية أو استراتيجيا واضحة تتعلق بأراضي الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية، لكن من الواضح من الآن فصاعداً أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة والسعودية، فإنه لا مجال للتقدم من أجل توقيع اتفاق استراتيجي في الشرق الأوسط من دون تقديم حل للقضية الفلسطينية.

ومن المهم أن ندرك أن حل المسألة الفلسطينية هو شرط أساسي من أجل المضي قُدُماً نحو أي اتفاق إقليمي استراتيجي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة ومع السعودية. وهو أيضاً شرط تأييد الولايات المتحدة لأي خطوة يمكن أن تقوم بها دولة إسرائيل في المستقبل ضد إيران وأذرعها في المنطقة.

وانسجاماً مع ذلك، يتعين على دولة إسرائيل صوغ وتقديم استراتيجيا واضحة وبعيدة الأمد تتعلق بهذا الموضوع، ويجب أن تتضمن سلسلة خطوات واتفاقات إزاء السلطة الفلسطينية في المجالات المدنية والأمنية المتعددة بهدف إنشاء الثقة من جديد إزاء الزعامة الفلسطينية والعالم العربي عموماً، وأيضاً تشكيل مسار يسمح بالانفصال الكامل عن الفلسطينيين، سواء في أراضي غزة أو أراضي الضفة الغربية.

وفي الموازاة، يتعين على إسرائيل بناء مشاريع تسمح بتطوير الاقتصاد الفلسطيني، ومنح تصاريح عمل تحت مراقبة شديدة عبر الوسائل التكنولوجية، وبشرط إغلاق الجدار الفاصل بين إسرائيل والسلطة إغلاقاً محكماً.

يجب على إسرائيل أن توقف فوراً كل خطوات الضم الكامل للأراضي التي تتعارض مع القانون الدولي، ومنْع شرعنة المستوطنات غير القانونية. وفي المقابل، يجب على الشرطة الإسرائيلية أن تتشدد في فرض النظام والقانون ضد نشطاء اليمين المتطرف في الضفة الغربية، وإحباط كل عملياتهم بالطريقة نفسها التي يعمل بها الشاباك في مواجهة السكان الفلسطينيين.

وبهذه الطريقة فقط، تستطيع إسرائيل المشاركة في العمليات الاستراتيجية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية التي تُعدّها الولايات المتحدة لقيادة الشرق الأوسط في السنوات المقبلة، وأيضاً من أجل التوصل إلى اتفاقات أمنية جديدة مع السعودية ودول عربية أُخرى.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)