- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ملامح الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة في عام 2023
ملامح الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة في عام 2023
- 19 نوفمبر 2022, 4:25:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يواجه العالم مجموعة واسعة من الحروب والأزمات المحتملة، لكن ما هو أقل وضوحاً هو مستوى المواجهة بين الولايات المتحدة وشركائها الاستراتيجيين مع كل من روسيا والصين، والمستويات المتزايدة لأنواع العنف الأخرى التي تظهر على المستوى العالمي، ومدى خطورة هذه الحروب والأزمات، وتأثيراتها المستقبلية. وفي ضوء هذا صدر عن مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)” تقرير أعده “أنتوني كوردسمان” الرئيس الفخري للاستراتيجية في المركز، بعنوان “عالم في أزمة: “حروب الشتاء” في 2022–2023″؛ إذ يعتبر التقرير أن العالم يواجه سلسلة من “حروب الشتاء” المحتملة والمستمرة، التي قد لا تتطور إلى صدامات عسكرية، لكنها حروب بأشكال متباينة في ظل التنافس على التسلح، سواء للردع أو لممارسة النفوذ السياسي. ويرى التقرير أن هذه “الحروب” تشكل بالفعل مخاطر جسيمة، ويمكن أن تتصاعد بطرق غير متوقعة على الأقل خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
الحرب الأوكرانية
يعتقد التقرير أن من المشكوك فيه حالياً أن أي حل للحرب في أوكرانيا سينتج أي شكل مستقر للسلام، بل من المتوقع استمرار الحرب في شتاء 2022–2023، وقد تؤدي إلى مواجهة دائمة بين روسيا والغرب واستمرار خطر ظهور أشكال جديدة من الصراع النشط، وهي المواجهات التي سيكون لها تأثيرات مدمرة إقليمية وعالمية؛ وذلك على النحو التالي:
1– تصاعد الصراعات السياسية والاقتصادية: يشير التقرير إلى أن روسيا والغرب يسعيان إلى “إخضاع العدو دون قتال”؛ فقد صعَّد الطرفان نزاعهما السياسي والاقتصادي بشكل مطرد منذ بدء الصراع في أوكرانيا في فبراير 2022؛ فقد ردَّ بوتين بتعبئة روسيا، وشن حملة سياسية كبيرة ضد الغرب، واتهم الولايات المتحدة بالسعي للهيمنة على أوروبا وعزل روسيا، فيما رد الغرب بتعزيز وجوده العسكري في المناطق الأمامية لحلف الناتو، وشن حرباً اقتصادية تعادل الحرب ضد روسيا وفقاً للتحليل، وهي الحرب التي تضمنت وقف استيراد الغاز وغيره من الواردات من روسيا، كما تقدِّم الولايات المتحدة وكندا والناتو ودول أخرى عمليات نقل أسلحة ومساعدات أمنية ومالية واقتصادية لأوكرانيا.
2– معركة صفرية مستمرة بين روسيا والغرب: يعتقد التقرير أنه لا روسيا ولا الغرب يفوزان حالياً بالجانبين الاقتصادي والسياسي من حرب أوكرانيا، ولا يبدو أن هناك فائزاً في المستقبل القريب؛ إذ لا شك في أن الشعب الروسي عانى بشدة من ردود الفعل الغربية والعقوبات. ومع ذلك، لم تكن هناك حتى الآن سوى مقاومة شعبية روسية محدودة للحرب، وصعَّد بوتين جهوده القتالية على الرغم من ردود الفعل السياسية والاقتصادية الغربية. ومن ناحية أخرى، أخطأ الغرب – بحسب التقرير – في الحسابات أيضاً؛ إذ لم يتوقع التأثير المستمر والمتصاعد لردود فعل روسيا على إمدادات الطاقة الأوروبية وغيرها، وعلى صادرات الغذاء العالمية، وعلى الانقسامات السياسية العالمية، وعلى السلوك العسكري الفعلي لروسيا.
3– تأثير حرب الطاقة سلباً على الاقتصادات الغربية: أشار التقرير إلى أن روسيا قد نجحت في الرد على الناتو من خلال شن حرب طاقة تسببت في أضرار جسيمة للعديد من الاقتصادات الغربية؛ فقد تفاعلت حرب الطاقة هذه مع تأثيرات كوفيد 19 والمشاكل الاقتصادية الغربية الأخرى، والنتيجة النهائية هي أن الغرب ربما عانى بقدر ما عانت روسيا. علاوة على ذلك، حققت روسيا بعض النجاح في العمل مع أوبك لفرض قيود على الصادرات العالمية التي تساعد في دعم موقفها. وقد ساعد هذا في رفع أسعار الطاقة تقريباً في كل الدول الغربية والدول المستوردة للطاقة، ونجح في خلق مستوى من التضخم والأضرار الاقتصادية الأخرى للغرب، وهو ما يعادل تقريباً الضرر الذي ألحقه الغرب بروسيا. وكان لحرب الطاقة أيضاً العديد من التأثيرات السلبية على بقية العالم؛ فمع استمرار تأثيرات الجائحة، والوضع المالي العالمي غير المؤكد، وأضرار تغير المناخ العالمي، نشأت أزمة عالمية أوسع نطاقاً في الإمدادات الغذائية، ومستويات الفقر الدولية المتزايدة، والحروب الداخلية على أساس عالمي.
4– دخول العالم في أزمة طاقة غير مسبوقة: يشير التقرير إلى أنه لا توجد طريقة واضحة للتنبؤ بالتأثيرات المستقبلية لحرب الطاقة هذه خلال شتاء 2022–2023، أو كيف يمكن أن تتطور في الأشهر والسنوات التالية. ومع ذلك، كان تأثير الحرب على صادرات الطاقة الروسية، والتكلفة العالمية للنفط والغاز حرجاً بالفعل، وقد يؤدي إلى تغييرات استراتيجية كبيرة في تدفق صادرات الطاقة؛ فقد حذرت وكالة الطاقة الدولية (IEA)، في تقرير آفاق الطاقة العالمي السنوي لشهر أكتوبر 2022، من أن العالم في خضم أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة، وبينما تقع أوروبا في قلب هذه الأزمة، سيكون لها تداعيات كبيرة على الأسواق والسياسات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
حروب التسلُّح
يُشير التقرير إلى أن الحرب في أوكرانيا تسلط الضوء – مرة أخرى – على حقيقة أن هناك نوعاً آخر من حروب الشتاء، ويتمثل في تحديث القوة التقليدية والنووية، وتعزيز الردع بين القوى الكبرى، بالإضافة إلى تطوير هذه القوة قدرات الضربات الدقيقة والدفاع الجوي والتقنيات الناشئة، التي من المحتمل أن تكون أكثر خطورة من الحرب السياسية والاقتصادية، ومن أهم مؤشراتها ما يلي:
1– زيادة التنافس على الإنفاق العسكري: مع استمرار الحرب الأوكرانية، زادت المنافسة بين القوى الكبرى على الإنفاق العسكري، وبالنظر إلى بعض أفضل تقديرات الإنفاق العسكري وأكثرها قابليةً للمقارنة، فإن منظمة حلف الناتو تشير إلى أن الولايات المتحدة أنفقت 793.99 مليار دولار على القوات العسكرية في عام 2021، وأن حلف الناتو في أوروبا أنفق 361.29 مليار دولار لإجمالي ناتو يبلغ نحو 1096.6 مليار دولار. في المقابل، يقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن روسيا أنفقت 62.2 مليار دولار وفقاً لتعريف الناتو للإنفاق الدفاعي، وهو ما يمثل 5.7% من الإجمالي المُبلَّغ عنه لحلف الناتو. ويرجح التقرير أن شتاء 2022–2023 سيشكل بداية مواجهة عسكرية دائمة بين روسيا وحلف الناتو، وسباق لتحديث وتحسين القوات العسكرية سيستمر على الأقل ما دام بوتين في السلطة.
2– السعي لتطوير القدرات الصاروخية الفائقة: بحسب التقرير، تعمل جميع القوى الكبرى في العالم على تطوير الصواريخ الباليستية الجديدة البعيدة المدى، وقدرات الضربات الدقيقة ضد الأنظمة المدنية والعسكرية، ونشر المزيد من طائرات الجيل الخامس المتقدمة. ويعتقد الكاتب أن هذه التطورات في أنظمة الضربات تعني أن الدفاعات الصاروخية والجوية ستكون مصدراً مطابقاً للمنافسة بين الدول الكبرى، وشكلاً آخر من أشكال “الحرب”، كما أن التقدم في الضربات الدقيقة يخلق أيضاً خطراً بأن العديد من الأنظمة الجديدة قد تكتسب قدرة مزدوجة ورؤوساً حربية نووية؛ لذلك يرى التقرير أن من غير المُرجَّح أن يعود العالم إلى أيٍّ من مستويات استقرار ما قبل حرب أوكرانيا، ومكاسب السلام، واتفاق تحديد الأسلحة منذ عام 1992.
3– انخراط القوى الدولية في التحديث النووي: يشير التقرير إلى أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين انخرطت في جهد كبير للتحديث النووي؛ فقد أفادت تقارير بأن الصين قامت ببناء ثلاثة حقول جديدة لما لا يقل عن 250 صومعة صواريخ جديدة، ولديها الآن ثلاثة مفاعلات سريعة التوليد يمكن استخدامها لزيادة إنتاجها من البلوتونيوم والأسلحة النووية، كما تُظهر بيانات عام 2022 أن الحرب في أوكرانيا أعطت الجهود النووية الروسية مكانة أعلى فيما ناقش الكونجرس الأمريكي الحاجة إلى صواريخ كروز جديدة مسلحة نووياً كمقاومة محتملة لمثل هذه الأسلحة الروسية.
وتشير التقديرات إلى أن روسيا لديها ما يقرب من 2000 سلاح نووي تكتيكي من أصل مخزون يصل إلى ما يقرب من 4500 قطعة سلاح مخزنة، وأن الولايات المتحدة لديها نحو 3750، فيما أشار اتحاد العلماء الأمريكيين (FAS) إلى أن روسيا لديها نحو 6257 سلاحاً نووياً في مخزونها الإجمالي في عام 2021، وهذا مقارنة بـ5550 بالنسبة إلى الولايات المتحدة، و350 للصين و225 لبريطانيا، و290 لفرنسا. ومن ثم، فإن من الواضح أيضاً أن مستقبل الحد من التسلح غير مؤكد إلى حد كبير.
صدام القوى
يشير التقرير إلى أن مستوى التوتر بين الصين والغرب قد زاد بشكل حاد مع دخول العالم شتاء 2022–2023؛ وذلك على النحو التالي:
1– الصراع حول تشكيل الشؤون العالمية: يشير التقرير إلى أن المنافسة الأمريكية مع بكين ترتكز في منطقة الهندو–باسيفك، لكنها أيضاً عالمية بشكل متزايد؛ إذ يدور الصراع حول تشكيل العلاقات التي تحكم الشؤون العالمية في كل منطقة وعبر الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية والتنمية والأمن والحوكمة العالمية. ويعتقد الكاتب أن السنوات العشر القادمة ستكون العقد الحاسم في المنافسة.
2– التحذير من التحالف الروسي الصيني: يرى الخبراء أن هناك حدوداً خطيرة لمستوى “الصداقة” والتحالف بين موسكو وبكين؛ فعلى سبيل المثال، يشير الكتاب الأبيض للدفاع الياباني لعام 2022 إلى أن التحليقات الجوية الروسية والصينية والتدريبات البحرية قد زادت بشكل حاد في المناطق الواقعة شمال اليابان، وتعاملها على أنها تهديد محتمل خطير. وتوضح استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، الصادرة في أكتوبر 2022، أن الولايات المتحدة تعتبر الصين وروسيا من التهديدات الرئيسية للنظام الدولي، على الرغم من أنها تنظر إلى هذه التهديدات على أنها مختلفة في طبيعتها.
3– توسيع بكين قدراتها العسكرية والنووية: بالإضافة إلى توسيع قواتها التقليدية، تتقدم الصين بسرعة وتدمج قدراتها في مجال الفضاء، والفضاء المضاد، وقدرات الحرب الإلكترونية والمعلوماتية لدعم نهجها الشامل للحرب المشتركة، كما تعمل على توسيع البصمة العالمية لجيش التحرير الشعبي الصيني، وتعمل على إنشاء بنية تحتية خارجية وقواعد أكثر قوةً للسماح لها بإبراز القوة على مسافات أكبر، كما تعمل بالتوازي على تسريع تحديث وتوسيع قدراتها النووية. ومن ثم، قد تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها التحدي المتمثل في ردع قوتين رئيسيتين بقدرات نووية حديثة ومتنوعة (بكين وموسكو)؛ ما يخلق ضغطاً جديداً على الاستقرار الاستراتيجي.
4– نمو ملحوظ بالقوة البحرية الصينية: تظهر التقديرات نمو القوة البحرية الصينية بالنسبة إلى القوة البحرية الأمريكية، وتوضح أن الصين لم تصبح فقط قوة بحرية كبيرة، بل يمكنها أيضاً أن تتفوق على البحرية الأمريكية في الأرقام. وتظهر التقديرات أيضاً أن القوات العسكرية الصينية من جانب والقوات التايوانية والأمريكية من جانب آخر، مستعدة بالفعل لحرب محتملة على تايوان، كما يشير التقرير إلى أن الصين تزيد إنفاقها العسكري بسرعة أكبر بكثير من روسيا، كما تقوم الأولى باستثمار سنوي أكبر بكثير في التكنولوجيا ومستوى أعلى بكثير من القدرة التصنيعية.
5– مخاوف الصراع في المحيط الهادئ أو آسيا: يشير التقرير إلى أنه بالنظر إلى استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، فإن واشنطن ترى أن توسع النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج وبقية الشرق الأوسط وأفريقيا، هو تهديد معاد وأوسع نطاقاً. ومن ثم، لا يمكن لأي شخص على أيٍّ من الجانبين استبعاد خطر نشوب صراعات في مكان آخر في المحيط الهادئ أو آسيا، أو التأكد من مستوى التصعيد على مستوى مسرح العمليات أو شدة القتال الذي قد يحدث.
6– الاستعداد لغزو صيني محتمل لتايوان: بحسب التقرير، تقوم الولايات المتحدة بإعادة تشكيل سلاح البحرية ومشاة البحرية للتعامل مع التهديد الصيني الناشئ، كما توضح تقارير وسائل الإعلام أنها تجري مجموعة واسعة من المناورات والدراسات الحربية للتعامل مع إمكانية الحرب للدفاع عن تايوان من الغزو الصيني وكذلك لدعم اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وشركاء آخرين ودول صديقة. وباختصار، يرى الكاتب أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي وتصريحات الرئيس “شي” بجانب استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، قد جعلت الصين بالفعل جزءاً من “حرب الشتاء”، التي لا تقل مخاطرها عن “حرب الشتاء” مع روسيا.
7– سباق التسلح المتزايد بين الدول الآسيوية: يبدو أن أخطر المخاطر الحالية لحدوث صراع كبير في المنطقة – من وجهة نظر الكاتب – هو ارتفاع مستوى التوتر وسباق التسلُّح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، الذي يمكن أن يتصاعد بسهولة ليشمل الولايات المتحدة واليابان، وربما روسيا والصين، كما يرجح التقرير أن مستوى القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية سيتغير بسرعة كبيرة إذا بدأت معركة جادة بحيث لا يوفر مثل هذا الشكل سوى رؤية محدودة للمخاطر. فيما تتسلح الهند وباكستان بشكل مطرد لجولة أخرى محتملة من الحرب، يمكن أن تشمل استخدام الأسلحة النووية.
8– تصاعد الخطر الإقليمي لكوريا الشمالية: طبقاً للمقال، أطلقت كوريا الشمالية بالفعل 86 صاروخاً – وهو رقم قياسي سنوي – وأطلقت 23 صاروخاً في يوم واحد. وقد أظهرت اختبارات الصواريخ الكورية الشمالية تهديدها المحتمل لليابان، والقواعد العسكرية الأمريكية في اليابان، كما يبدو أن كوريا الشمالية اختبرت صاروخاً يشبه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في نوفمبر 2022، على الرغم من فشل الاختبار.
حالة الإقليم
بحسب التقرير، هناك مجموعة واسعة من “حروب الشتاء” الأخرى النشطة والمحتملة، التي سبق معظمها الحرب في أوكرانيا، التي تنطوي على تهديدات وصراعات فعلية ستستمر حتى شتاء 2022–2023، ولسنوات قادمة، كما أن تأثيرها التراكمي يضع عبئاً كبيراً آخر على موارد وقدرات الولايات المتحدة وشركائها، ومنها ما يلي:
1– تعدُّد مراكز عدم الاستقرار في المنطقة: يشير التحليل إلى أن أحد المراكز الرئيسية لهذه “الحروب الشتوية” هو شمال أفريقيا والشرق الأوسط والخليج العربي؛ إذ تعتبر الجزائر وليبيا من المراكز الرئيسية لعدم الاستقرار والتوتر المدني في شمال أفريقيا، كما أن سوريا وإيران مركزان رئيسيان لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بجانب العراق. ويرجح الكاتب أن السودان واليمن سيظلان بؤرتَي اشتعال في المستقبل.
2– معضلة التهديد الإيراني غير التقليدي: من وجهة نظر عسكرية بحتة، يرى التقرير أن إيران هي التهديد الإقليمي الأكثر خطورة حالياً في المنطقة؛ فهي أيضاً قوة نووية محتملة، وربما تكون قد أكملت التصميم والاختبار السلبي للأسلحة النووية غير الانشطارية. ويمكن أن تقترب بشكل مطرد من إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، وهذا قد يُشكِّل روابط أمنية واقتصادية جادَّة مع روسيا والصين. وهناك أيضاً خطر أن تتمكن إيران من تشكيل تحالف أمني أكثر جدية مع سوريا والعراق واليمن وحتى حزب الله الذي يسيطر على لبنان.
3– استمرار التنافس الدولي على المنطقة: تتنافس كلٌّ من الصين وروسيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على النفوذ العسكري والنفوذ في المنطقة؛ إذ تمتلك الصين الآن قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتلعب دوراً رئيسياً في تطوير موانئ دول أخرى، وقد تسعى إلى إقامة علاقات أكثر جديةً مع إيران تشمل منشآت موانئ على أراضيها.
الحروب الرمادية
يُشير التقرير إلى أنه لا طريقة للتنبؤ بالمناطق الرمادية أو التحركات بالوكالة الحالية أو الجديدة التي ستتصاعد إلى الحد الذي تصبح فيه مشاكل خطيرة للولايات المتحدة أو شركائها، ولكن توجد بالفعل العديد من المخاطر. ومنها ما يلي:
1– تزايد مخاطر الحروب التجارية العالمية: تعتبر الحرب التجارية الروسية مع الغرب مستوى خطيراً من عمليات المنطقة الرمادية، كما هو الحال مع حرب الغرب بالوكالة في أوكرانيا، ودور روسيا بالوكالة بشكل مباشر في سوريا وليبيا. وكذلك الأمر بالنسبة لجهود الصين للتحكم في الموارد المعدنية والتصنيعية الهامة في الأجهزة والبطاريات وغيرها من المجالات.
2– خطورة التجسس الصناعي والتكنولوجي: يُشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة وشركاءها الاستراتيجيين قد أدركوا مدى خطورة التجسس الصناعي والتكنولوجي والجهود المبذولة للسيطرة على المجالات الرئيسية للتجارة، وأن هذه أشكال خطيرة من حرب المنطقة الرمادية، وقد اتخذوا إجراءات لمعالجة هذا النهج في الحرب الاقتصادية.
3– الاستحواذ المتزايد على المعادن الاستراتيجية: هناك جهود صينية للسيطرة على المعادن الاستراتيجية وأنماط الاستثمار التي تم تصميمها لمنح الصين نفوذاً اقتصادياً إضافياً، لا سيما في مجالات مثل المواد التي تحتاج إلى بطاريات متقدمة وأجهزة صلبة، وهي منطقة مهمة لكل من المدنيين والعسكريين.
أزمات متراكمة
تُواجِه معظم الدول النامية مشاكل متزايدة من حيث الإمدادات الغذائية وواردات الطاقة والفقر هذا الشتاء، فضلاً عن الأضرار الجسيمة الناتجة من تغير المناخ والاحتباس الحراري. وتُقِر استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة بوجود أزمة غذاء عالمية ومشاكل طاقة متزايدة. وهذه المخاطر كالتالي:
1– تزايد عدد الدول الهشَّة: تعكس قوائم المُنظَّمات غير الحكومية المختلفة ارتفاع أعداد “الدول الهشَّة”، أو “الدول الفاشلة”، وهو ما يُؤكِّده تصنيفات الفساد الخاصة بمنظمة الشفافية الدولية وتصنيفات البنك الدولي الخاصة بالحوكمة. وتحذِّر تقديرات الأمم المتحدة للنمو السكاني، من أن هذه مشكلة كبيرة للدول الأكثر فقراً والأقل نمواً التي لا تحظى باهتمام عملي كبير.
2– تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: يتوقَّع التقرير أن يظلَّ النمو العالمي دون تغيير في عام 2022 عند 3.2%، وأن يتباطأ إلى 2.7% في 2023، كما يتوقَّع أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سوف ينكمش هذا العام أو القادم، في حين أن الاقتصادات الثلاثة الأكبر – الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين – سوف تستمر في التباطؤ.
3– استمرار ضغوط التضخم العالمي: أدَّت ضغوط التضخُّم المستمرة والمتسعة إلى تشديد سريع للأوضاع النقدية، إلى جانب الارتفاع القوي للدولار الأمريكي مقابل معظم العملات الأخرى؛ ما يؤثر على الطلب ويزيد معدلات التضخُّم. ومن المُتوقَّع، حسب التقرير، أن يبلغ التضخُّم العالمي ذروته في أواخر عام 2022، لينخفض إلى 4.1% بحلول عام 2024.
4– تزايد معدلات الفقر عالمياً: يشير تقرير الفقر والازدهار لعام 2022 إلى أن “ما يقرب من نصف العالم – أكثر من 3 مليارات شخص – يعيشون على أقل من 6.85 دولار أمريكي في اليوم، وهو متوسط خطوط الفقر الوطنية في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، وأن 574 مليون شخص – ما يقرب من 7% من سكان العالم – سيظلون يعيشون على أقل من 2.15 دولار أمريكي في اليوم في عام 2030.
5– انتشار الاستقطاب السياسي: يشير تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2022 إلى مستويات قياسية من الاستقطاب السياسي، والآراء السلبية للعالم، وأن أكثر من 6 من كل 7 أشخاص شملهم الاستطلاع يشعرون بعدم الأمان بشأن مستوى التقدم العالمي. ويُشير إلى أن الانخفاضات في مؤشر التنمية البشرية (HDI) كانت واسعة الانتشار؛ حيث عانى أكثر من 90%من البلدان من انخفاض في عام 2020 أو 2021. وكانت هذه الاتجاهات السلبية مدفوعة جزئياً بتأثير الجائحة، والتضخُّم وأزمة الغذاء التي سبَّبتها الحرب في أوكرانيا، لكنَّها كانت مدفوعة أيضاً بالحوكمة الوطنية الفاشلة على مدى فترات.
6– توسُّع أزمة اللاجئين في العالم: يُشير التقرير إلى زيادة بنسبة 100% في عدد اللاجئين منذ عام 2011، وزيادة بنسبة 8% في عام 2021. ويُفِيد تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن الاتجاهات العالمية للاجئين لعام 2022 بأنه بحلول نهاية عام 2021، كان هناك 27.1 مليون لاجئ على مستوى العالم و53.2 مليون نازح داخل بلدانهم الأصلية.
7– خطورة انتشار التطرف العالمي: بحسب التقرير، ينتشر التطرف عالمياً، لا سيما في الدول ذات الدخل المنخفض؛ وذلك نتيجة الحكم السيئ، والفساد، وجهود التنمية الفاشلة، والقمع؛ إذ تشير التقديرات إلى أن حربه المدعومة من روسيا لإعادة تأسيس سلطته وسيطرته قد تسبَّبت في مقتل ما يصل إلى 499700 إلى 600 ألف بحلول مارس 2022. وتشير التقديرات الأكثر تحفظاً إلى أن الرقم يزيد عن 350 ألف شخص.
ختاماً، يشير التقرير إلى أن العالم قد تحوَّل من “العولمة”، في ظل عالم يُقارِب “قرية عالمية” سلمية وتعاونية إلى عالم به الكثير من التوترات والمخاطر؛ إذ إن انتشار الأسلحة النووية، وسلاسل التوريد العالمية المتكاملة، وأشكال القتال التقليدية الأكثر فتكاً، قد زادت بشكل كبير من الضرر الذي تسببه حرب كبرى، كما يُظهر التقرير أن القوى الكبرى والدول المتقدمة تشارك بنشاط في محاولة تحقيق “فن الحرب الأسمى”؛ إذ توضح قائمة “حروب الشتاء” أن القوى الكبرى تركز الآن على الصراعات والمواجهات السياسية والاقتصادية وعلى جهود استخدام القوة العسكرية التي تقتصر على استغلال النفوذ السياسي والعسكري دون الانخراط في القتال