- ℃ 11 تركيا
- 27 ديسمبر 2024
ملامح التغير المرتقبة في السياسة الداخلية والخارجية التركية
ملامح التغير المرتقبة في السياسة الداخلية والخارجية التركية
- 23 يناير 2023, 1:50:50 م
- 390
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشر موقع “إيكونوميست” عدة تقارير حول السياسة الخارجية التركية والاقتصاد التركي والتفاعلات الداخلية المرتبطة بالانتخابات المقبلة في تركيا، مع افتراض أن النظام التركي، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وفي إطار التغيرات الجيوسياسية العالمية والتحولات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية الداخلية، قد بدأ يتبنى سياسة خارجية جديدة، أقرب إلى سياسة “تصفير المشكلات” التي كانت تتبناها أنقرة قبل سنوات، في محاولة لتعزيز النفوذ التركي إقليمياً وعالمياً؛ حيث اتجه “أردوغان” إلى تبني سياسة جديدة في المنطقة، سواء عبر التراجع عن دعم جماعات الإسلام السياسي بشكل نسبي، أو تعزيز العلاقات مع بعض الدول العربية، علاوةً على قيام أردوغان بتصحيح العلاقات مع إسرائيل.
محفزات واسعة
يشير التقرير إلى أن دوافع تركيا نحو هذا التغيير تجاه الدول الإقليمية متنوعة، ويمكن تناول أبرزها على النحو التالي:
1- حاجة أنقرة إلى الدعم الاقتصادي من دول الخليج: بحسب التقرير، يحتاج أردوغان إلى أموال الخليج العربي لدعم الليرة، على الأقل حتى الانتخابات؛ فقد تعهدت الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا، ووافقت على مقايضة عملة بقيمة 5 مليارات دولار؛ ما يعزز احتياطيات الدولار المستنفدة، كما تجري المملكة العربية السعودية محادثات لإيداع خمسة مليارات دولار أخرى في البنك المركزي التركي.
2- إضعاف دعم بعض القوى الإقليمية لخصوم أنقرة: وفق التقرير، فإن تركيا تأمل عبر إعادة صياغة علاقاتها في المنطقة إلى إضعاف دعم إسرائيل ومصر لليونان في شرق البحر المتوسط، ووضع نفسها كطريق عبور لصادرات الغاز الطبيعي، وهو ما ستكون له عوائد مهمة على أنقرة في المديين المنظور والمتوسط.
3- توظيف الملف السوري كورقة انتخابية مهمة: يشير التقرير إلى أنه بتشجيع من روسيا، تتجه سوريا وتركيا نحو التقارب؛ ففي الشهر الماضي، عقد وزيرا الدفاع ورئيسا المخابرات في البلاد أول لقاء علني بينهم منذ أكثر من عقد من الزمان. وقد أعقب ذلك شائعات باجتماعات مماثلة لوزيرا الخارجية، وربما يعقب ذلك اجتماع بين “أردوغان والأسد”. وبحسب التقرير، فإن لدى الطرفين أسباباً كثيرة لطلب المصالحة؛ حيث يشير التقرير إلى أن سبب رغبة الرئيس السوري “بشار الأسد” في التواصل مع تركيا، التي تسيطر على أكثر من 5% من أراضي سوريا، هو أن الأسد يريد عودة جميع الأراضي السورية، كما أن التقارب سيكون أيضاً انقلاباً دبلوماسياً لإعادة العلاقات مع الدولة التي دعمت المعارضة، والتي هي أيضاً عضو في الناتو.
ومن جانبه، يرى التقرير أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان ” له أسبابه الخاصة؛ فقد أصبح ملايين اللاجئين السوريين غير مُرحَّب بهم في تركيا؛ لذلك تعد قضية اللاجئين مفيدة لأردوغان في مواجهة خصومه قبل الانتخابات المقبلة في غضون بضعة أشهر؛ إذ يرغب حزب العدالة والتنمية الحاكم في أن يعتقد الناخبون أن التطبيع مع الأسد سيحل مشكلة اللاجئين، حتى لو كان ذلك غير مرجح في الواقع، بحسب التقرير.
4- التطلع إلى نظام دولي جديد بعيداً عن الغرب: بحسب التقرير، يحتفل كثيرون في الدائرة المقربة من أردوغان بفكرة أن الغرب في حالة انحطاط، وأن نظاماً دولياً جديداً يتشكل. وأضحى هذا الاقتناع أحد أعمدة السياسة الخارجية الجديدة لتركيا؛ وذلك وفقاً لـ”جاليب دالاي” الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس. ويستدل التقرير على ذلك بالعلاقة الجيدة والمستمرة بين تركيا وروسيا.
تركيا الجديدة
رغم تأكيد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان لصحيفة أمريكية في وقت سابق أن بلاده ستسعى جاهدة من أجل السلام والاستقرار الدائم في المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة؛ شريكها الاستراتيجي وحليفها لأكثر من نصف قرن؛ فإن التقرير يرى أن سياسة أردوغان الخارجية تجاه الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام مختلفة عن تصريحاته؛ إذ لم تعد أنقرة ترى نفسها على أطراف أوروبا، أو جزءاً من منطقة واحدة للتأثير، بل ترى أنها دولة ذات مركز ثقل خاص بها؛ وذلك على النحو التالي:
1- بحث أنقرة عن تحالفات جديدة بمعزلٍ عن الناتو: يشير التقرير إلى أن عضوية الناتو تمنح تركيا “أفضل بوليصة تأمين”؛ إذ لا يمكن لحلف الناتو أن يخسر تركيا أيضاً. ولكن من ناحية أخرى، هناك شعور في أنقرة بأن “تركيا الجديدة” قوية بما يكفي لتجاهل أو اختبار مثل هذه التحالفات القديمة، وأحياناً تشكيل تحالفات جديدة والتصرف بشكل مستقل. وفي هذا السياق، قال إبراهيم كالين كبير المستشارين الأمنيين للرئيس طيب أردوغان: “تحاول تركيا إدارة سياسة خارجية بزاوية 360 درجة “، وأضاف: “ولا نريد تفضيل أي قضية أو فاعل أو منطقة أو بلد معين على آخر”. وعلى سبيل المثال، رفضت تركيا الانحياز إلى أي جانب في حرب أوكرانيا على عكس بقية أعضاء الناتو. وأكد أردوغان في نوفمبر قائلاً: “لسنا بحاجة إلى طلب الإذن من أي شخص”.
2- تحويل السياسة الخارجية إلى مسألة قومية لأنقرة: بحسب التقرير، أصبحت السياسة الخارجية في تركيا، التي كانت ذات يوم من اختصاص الجنرالات والدبلوماسيين المحترفين، قضية داخلية وجزءاً من سياسات الهوية؛ إذ إن تقريع الغرب من قبل أردوغان كان له نتائج إيجابية لدى الناخبين المتدينين والقوميين وحتى العديد من اليساريين. وكذلك فكرة تحول مصير تركيا لتكون قوة عالمية. فعلى سبيل المثال، حققت أنقرة تقدماً في إفريقيا وآسيا الوسطى على مدار العقد الماضي، بجانب شعبية المسلسلات التلفزيونية، مع نجاح الخطوط الجوية التركية، وتزايد عدد الدول المهتمة بشراء المُسيَّرات التركية.
3- التوجُّه نحو تعزيز العلاقات مع النظام الروسي: يؤكد التقرير أن سعي تركيا الحديثة لإقامة علاقات جيدة مع روسيا ليس بالأمر الجديد؛ فحتى خلال الحرب الباردة، تعاونت الحكومات في أنقرة مع الاتحاد السوفييتي، وبنى المهندسون الروس بعضاً من أكبر المصانع في تركيا، لكن يرى التقرير أن العلاقة بين البلدين الآن أقوى من أي وقت مضى. إذ تعتمد تركيا على روسيا في عائدات السياحة بمليارات الدولارات، وأكثر من 40% من وارداتها من الغاز. ورغم أن كلا البلدين متورطان في صراعات في القوقاز وليبيا، ترى تركيا أن العلاقات مع روسيا هي الأكثر أهميةً في سوريا؛ فلم تكن المناطق العازلة التي أنشأتها تركيا في شمال سوريا ممكنة بدون موافقة روسية. وعلى الرغم من ضعف روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، يعتقد التقرير أنه لا يزال بإمكانها إحداث فوضى لتركيا في سوريا؛ إذ يمكن أن يؤدي أي هجوم ضد إدلب، بدعم من موسكو، إلى إرسال مئات الآلاف من اللاجئين الجدد إلى حدود أنقرة.
4- تبني سياسة برجماتية مزدوجة إزاء الحرب الأوكرانية: يقول المسؤولون الرسميون في أنقرة إن العلاقات الجيدة مع روسيا تسمح لتركيا بلعب دور الوسيط في أوكرانيا؛ إذ قام “أردوغان” بدور جيد في حمل روسيا على تخفيف حصارها البحري لأوكرانيا؛ ما سمح باستئناف صادرات الحبوب عن طريق البحر والتفاوض بشأن تبادل الأسرى. فيما يرى التقرير أن الوساطة منحت تركيا غطاءً للمعاملات التجارية، ورفضها الانضمام إلى العقوبات الغربية. ويشير التقرير إلى أنه “بينما ينسب أردوغان الفضل إلى بلده بشأن المُسيَّرات التي ساعدت في إنقاذ كييف وإغلاق الوصول إلى البحر الأسود أمام السفن الحربية الروسية، ويتوقع بناءً على ذلك الثناء على جهوده من قبل بروكسل وواشنطن، فإنه في الوقت ذاته يجني في موسكو ثمار التصرف كصديق لفلاديمير بوتين، وفي الداخل ينسب الفضل إلى تجارة تركيا المزدهرة مع روسيا”.
5- الضغط على أعضاء الناتو لتحقيق مصالح تركيا الذاتية: تمثل تركيا عضواً مهماً في الناتو؛ إذ انضم الجنود الأتراك إلى مهام في أفغانستان ودول البلطيق والبوسنة وكوسوفو ومقدونيا. وفي عام 1950؛ أي قبل عامين من انضمامها إلى التحالف، أرسلت أنقرة 15 ألف جندي للقتال إلى جانب الجنود الأمريكيين في كوريا، لكنها الآن تستغل عضويتها بشكل سيئ حسب التقرير؛ إذ تهدد بمنع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو؛ وذلك للضغط على البلدين لترحيل المشتبه بهم من حزب العمال الكردستاني وأعضاء جماعة جولن.
تعثُّر اقتصادي
يواجه الاقتصاد التركي أزمات خانقة في الفترة الأخيرة، وبما يتطلب ضرورة إصلاحه بشكل عاجل؛ وذلك على النحو التالي:
1-خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم: يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن علاج التضخم هو جعل الأموال أرخص، لكن خلال العام الماضي، وُضعت نظريته على المحك. وبينما سعت البنوك المركزية الأخرى إلى كبح جماح التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، فعلت تركيا العكس؛ حيث خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة القياسي بمقدار عشر نقاط مئوية بالكامل، منذ سبتمبر عام 2021، إلى 9%. وقد أدى هذا إلى استمرار النمو، الذي بلغ نحو 5% العام الماضي، بعد أن كان 11% في عام 2021، لكنه دفع التضخم أيضاً إلى ثاني أعلى مستوى في مجموعة العشرين بعد الأرجنتين، وما يقرب من 13 ضعفاً للهدف الظاهري للبنك المركزي.
2- عجز الحساب الجاري بشكل ملحوظ: تزعم الحكومة التركية أن سياستها تجعل السلع أكثر قدرة على المنافسة، من خلال خفض تكاليف العمالة، مضيفةً أن تعزيز الناتج المحلي سيقلل التضخم. ولقد ارتفعت الصادرات التركية بنسبة 13%، في عام 2022 إلى مستوى قياسي جديد. ولكن لأن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على المواد الخام من الخارج، ارتفعت الواردات أيضاً، بنسبة 34% في العام نفسه؛ لذلك تضخم عجز الحساب الجاري إلى 40 مليار دولار، أي نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح تمويل هذا العجز الضخم أكثر صعوبةً.
3- مواجهة تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر: بسبب السياسة النقدية غير العادية للحكومة، وكذلك المخاوف بشأن الفساد وسيادة القانون، يتجنب المستثمرون الغربيون تركيا؛ فلقد جف الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك تدفقات الحافظة. ولتعويض النقص، لجأت تركيا إلى أصدقاء جدد؛ حيث قام البنك المركزي التركي بمقايضة العملات مع الصين وقطر وكوريا الجنوبية والإمارات بقيمة 28 مليار دولار. كما أرسلت روسيا مليارات الدولارات إلى تركيا لتمويل بناء محطة للطاقة النووية، من قبل شركة تابعة لمؤسسة روس آتوم الحكومية التركية. كذلك تستعد شركة غازبروم عملاق الطاقة الروسي، للسماح لتركيا بتأجيل مدفوعات واردات الغاز الطبيعي.
4- تبني أدوات مختلفة لمواجهة تراجع العُملة: في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، حقق بند “صافي الأخطاء والسهو” في حسابات البنك المركزي، الذي يُظهر تدفقات الأموال الداخلة والخارجة من مصدر غير مؤكد، فائضاً قدره 28 مليار دولار؛ فلقد استخدمت تركيا الاحتياطيات الأجنبية لدعم الليرة؛ لتحقيق مكاسب سريعة. ويُعتقد أن البنك باع ما لا يقل عن 100 مليار دولار من احتياطياته خلال العام الماضي. صحيح أن ذلك ساهم في التخفيف من بعض ضغوط السوق، لكن بنسبة ضئيلة، كما انخفضت قيمة الليرة بنسبة 30% أخرى تقريباً، مقابل الدولار، في عام 2022.
وبسبب عدم قدرتهم على تحدي أردوغان، حاول البنك المركزي وهيئة الرقابة المصرفية، تفادي تراجع آخر لليرة التركية، من خلال لوائح جديدة؛ تمثلت إحدى هذه اللوائح في منع الشركات التي لديها ممتلكات بالعملات الأجنبية، من الحصول على قروض جديدة. كذلك تُجبر البنوك التي يُعتقد أن لديها ودائع بالليرة غير مدروسة، على شراء سندات الخزانة ذات العائد 10%، وهي نسبة أقل بكثير من معدلات التضخم.
5- التوجه نحو الإنفاق لتنشيط الاقتصاد الوطني: مع عدم توافر الائتمان بسهولة، لجأ أردوغان إلى الإنفاق لتنشيط الاقتصاد قبل الانتخابات؛ حيث يبلغ الدين العام لتركيا 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر أقل مما هو عليه في معظم دول الاتحاد الأوروبي. وقد أعلنت الحكومة التقاعد المبكر لـ2.3 مليون عامل، وتعهدت بتقديم 600 مليار ليرة لدعم الطاقة، ووعدت ببناء 500 ألف منزل جديد في غضون خمس سنوات، كما رفعت هذا الشهر الحد الأدنى للأجور بنسبة 55%، وأجور موظفي الخدمة المدنية بنسبة 30%. ومع ذلك سوف يقضي التضخم على معظم هذه المنح الجديدة، قبل يونيو. ولعل ذلك هو أحد الأسباب التي جعلت أردوغان يعتزم تقديم الانتخابات إلى مايو.
المشهد الانتخابي
تشهد تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية قد تُعقَد في مايو 2023. ويمكن تناول أبرز ملامح التفاعلات الداخلية المرتبطة بالانتخابات على النحو التالي:
1- سعي “أردوغان” للاستمرار في السلطة: مع بقائه في الحكم على مدار 20 عاماً كاملة، ومنذ أن أصبح رئيساً للوزراء لأول مرة في مارس 2003، نجح “رجب طيب أردوغان”، الذي يسعى لولاية رئاسية جديدة، في تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي لبلد كان يفتقر لذلك لعقود، وفي مقابل خشية العلمانيين من توجهه الإسلامي المفرط، فإنه وحزبه “العدالة والتنمية” مارسوا ذلك باعتدال، بل حقق سلاماً مهماً مع الأكراد أكبر أقلية عرقية في تركيا، الذين عانوا لفترة طويلة من الاضطهاد على يد الجيش، بل نجح في عام 2005 في إنجاز ما استعصى على جميع أسلافه، بافتتاح المحادثات الرسمية حول انضمام تركيا ذات يوم إلى الاتحاد الأوروبي.
2-تراجع المعارضة التركية رغم تحركاتها النشطة: رغم تراجع نفوذ الرئيس التركي في الحكم، وتنامي الانتقادات الموجهة لسياساته الاقتصادية والسياسية الداخلية، وخاصةً في المدن التركية؛ حيث خسر حزبه قبل ثلاث سنوات الانتخابات البلدية في أكبر ثلاث مدن؛ هي أنقرة وإسطنبول وإزمير، وفيما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد يخسر الرئاسة في غضون أربعة أشهر، إذا اتحدت المعارضة خلف أفضل مرشح لها.. رغم كل ذلك فإن فرص المعارضة التركية لاستغلال ذلك الوضع تبدو متراجعة، بالرغم من خططها السياسية المستقبلية في حال فوزها في الانتخابات. ذلك أن “تحالف الأمة” المعارض برئاسة “حزب الشعب الجمهوري” لديه خطط لإجراء العديد من التغييرات الدستورية فيما بعد “أردوغان”، وهي التغييرات التي تتضمن إعادة سلطات البرلمان التي استحوذت عليها مؤسسة الرئاسة إثر التعديلات الدستورية التي تبناها “أردوغان”، مع إعادة منصب رئيس الوزراء، وخفض عتبة الانتخابات من 7% إلى 3% لدعم مشاركة الأحزاب الصغيرة.
3-غياب توافق المعارضة على مرشح رئاسي واحد: تتمثل العقبة الكبرى في سبيل تفعيل دور المعارضة المطلوب في مواجهة سلطة “أردوغان”، في المعارضة ذاتها التي لم تتفق حتى الآن على مرشح رئاسي واحد لخوض غمار الانتخابات المقررة بعد أشهر قليلة، وفيما يبدو أن رئيس “حزب الشعب الجمهوري” “كيليجدار أوغلو” مصمم على الترشح، مستغلاً دوره في إنجاح المعارضة في الانتخابات المحلية لعام 2019، التي شهدت هزيمة مرشحي “حزب العدالة والتنمية” في أكبر ثلاث مدن في تركيا، فإنه يواجه على الجهة الأخرى مقاومة من “ميرال أكشينار” زعيمة “الحزب الجيد” المنشق عن “حزب الحركة القومية”؛ وذلك فضلاً عن نفوذه الشعبي المتواضع على الصعيد الشخصي مقارنةً بـ”أردوغان”، وانحداره من الأقلية الدينية العَلَوية التي تواجه تحيزاً من المحافظين السنة واليمين المتطرف.
4- تباين المعارضة حول التعاطي مع الملف الكردي: يضاف إلى الأسباب الأخرى لتراجع زخم المعارضة التركية، حاجتها إلى أصوات الأكراد في الدولة حتى تكون لها فرصة أكبر في الإطاحة بـ”أردوغان”، ومع ذلك فهي لم تتعامل بحماس مع “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي يمثل ثالث أكبر مجموعة في البرلمان، ويتمتع بنحو 6 ملايين ناخب، ويزداد امتعاضه من سياسات “أردوغان” بعد إيداع عشرات من رؤساء البلديات والبرلمانيين الأكراد في السجون منذ عام 2016، لكن أعضاءه مع ذلك محبطون من “تحالف الأمة” الذي يتجنب الحديث عن حقوق الأكراد. وحتى إن كان “حزب الشعب الجمهوري” يواصل محاولته استمالة دعم “الشعوب الديمقراطي”، فإن القوميين في “الحزب الجيد” يرونه مجرد جناح سياسي لـ”حزب العمال الكردستاني”، ويرفضون الجلوس معه على طاولة واحدة.
5-مخاوف تدخل “أردوغان” لتوجيه مسار الانتخابات: في ظل حكم “أردوغان”، نادراً ما كانت الانتخابات نزيهة تماماً، لكنها مع ذلك كانت حرة على نطاق واسع، وشارك فيها عدد كبير من الناخبين، لكن مع تخوف “أردوغان” من احتمالات الهزيمة، فقد لا يُضمن أن تكون الانتخابات نزيهة وحرة تلك المرة. ومقابل ذلك، امتنعت القوى الغربية في كثير من الأحيان عن انتقاد “أردوغان” تحسباً من تنفير حليف محوري، وإن كان مزعجاً؛ فلا أحد يريد أن تصبح دولة مهمة مثل تركيا مارقة تماماً، وفي ظل الدور الإقليمي المؤثر الذي تقوم به أنقرة بالفعل؛ حيث يمكن للرئيس التركي إثارة نزاعات إقليمية أكثر شراسةً مع اليونان وقبرص، ويمكن أن يخلق المزيد من الفوضى في سوريا، ويمكنه أيضاً السماح لخمسة ملايين مهاجر ولاجئ في تركيا بالإبحار إلى جنوب أوروبا، بل يمكنه تجاوز رفضه الحالي للانحياز إلى جانب في الحرب الأوكرانية رغم كونه عضواً في “الناتو”، مع الاستمرار في منع انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف.
وختاماً، أوضح التقرير أن تركيا بحاجة أيضاً إلى الغرب؛ على الأقل لاستعادة بعض الاستقرار لاقتصادها المنهك؛ حيث لا تزال تأمل في اتحاد جمركي مطور وموسع مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يعزز النمو، حتى إن كانت محادثات العضوية لا تزال عالقة، وهي بحاجة إلى إيجاد طريقة لإنعاش الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي تعثر نتيجة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، مع حاجتها أيضاً لبعض الأسلحة الغربية، ولا سيما الطائرات المقاتلة الأمريكية؛ كل ذلك قد يمنح “أردوغان” حافزاً قوياً لعدم إثارة امتعاض الغرب، والحفاظ على انتخابات حرة إلى حد ما؛ الأمر الذي قد يمنح قادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المزيد من القدرة على المساومة مع أنقرة لضمان تحقيق ذلك الهدف.