- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ممر لاتشين وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية (تحليل)
ممر لاتشين وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية (تحليل)
- 15 يناير 2023, 9:39:36 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
- يربط ممر لاتشين بين مدينة "هانكندي" الأذربيجانية التي يسكنها أغلبية أرمينية، وبين أرمينيا.
- طوال احتلال أرمينيا محافظة لاتشين التي يحمل الممر اسمها، قامت بتوطين أرمينيين بطرق غير شرعية عبر استقدامهم، خاصة من سوريا ولبنان.
- استعادت أذربيجان السيطرة على لاتشين في أغسطس الماضي، بموجب الاتفاق الثلاثي المبرم بين باكو، وموسكو ويريفان، عقب معارك "قره باغ".
** الأهمية الإقليمية لممر "لاتشين"
تسبب انتصار أذربيجان بإقليم "قره باغ" في تغيير الديناميكيات الإقليمية والعالمية في جنوب القوقاز، وعلى الرغم من مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين الأذربيجاني والأرميني، إلا أن بنودها لم تنفذ بالكامل.
وشهدت منطقة لاتشين، جنوب غربي أذربيجان، احتجاجات شعبية منذ 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لمنع استثمار وتشغيل الانفصاليين الأرمن (الذين لايزالون يسيطرون على مدينة خانكندي في قره باغ) بعض المناجم بالمنطقة.
وبرز مجددًا اسم "قره باغ"، الذي ما فتئ يذكر خلال السنوات الماضية على أجندة الرأي العام العالمي، هذه المرة من خلال ممر لاتشين.
لاسيما أن المنطقة (جنوب القوقاز وقره باغ) اشتهرت عبر التاريخ بأهميتها من حيث الموقع الاستراتيجي والموارد الباطنية، وهو ما يدفع القوى الإقليمية والعالمية لاتخاذ إجراءات فورية حيال التطورات في المنطقة.
بالنظر إلى آخر التطورات، تشير الإدارة الأرمينية إلى أن هذه المنطقة كانت تحت سيطرة قوة حفظ السلام الروسية خلال الأزمة، وأن الأمن هناك يجب أن توفره روسيا وفقًا للاتفاقية الثلاثية الموقعة في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لكنها تؤكّد في الوقت نفسه أن روسيا لم تفِ بالتزاماتها حيال ضمان أمن المنطقة.
وفي 26 أغسطس/آب الماضي، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، عودة لاتشين في قره باغ، وقريتي زابوخ وسوس، لسيطرة بلاده (بموجب الاتفاق الثلاثي).
** الوجود الروسي
من ناحية أخرى، يرى الجانب الأذري أنه وفي مواجهة كل هذه التطورات، لم يظهر الجانب الأرميني الاحترام لوحدة أراضي أذربيجان في قضية قره باغ، وأن يريفان دأبت على استخدام هذه القضية كوسيلة لجذب انتباه العالم الغربي إلى المنطقة.
وبالنظر إلى الظروف الدولية، من الممكن تقييم الأحداث في المنطقة فيما يتعلق بممر لاتشين باعتبارها انعكاسات للتطورات العالمية في جنوب القوقاز.
كما يمكننا القول إن روسيا تسعى من خلال قوة حفظ السلام التابعة لها في المنطقة، لإيصال رسالة إلى الغرب تؤكد من خلالها على وجودها في المنطقة، وخاصة في ظل العقوبات الأخيرة التي فرضها الغرب على موسكو على خلفية الحرب التي شنتها الأخيرة على أوكرانيا.
لهذا السبب، يمكن تقييم موقف روسيا ووجودها في المنطقة على أنه إظهار لقوتها ونفوذها خاصة في جنوب القوقاز.
بالإضافة إلى ما سبق، كان لعلاقات أذربيجان الجيدة مع بعض الدول، وخاصة إسرائيل، دور مهم على المستوى الدولي، خاصة بعد حرب "قره باغ" وأثناء الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما أثار حفيظة موسكو التي أعربت عن انزعاجها من تقديم باكو مؤخرًا مساعدات إنسانية إلى كييف.
يُذكر أن الجيش الأذربيجاني أطلق في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم قره باغ، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنية.
وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر 2020، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.
ويربط ممر لاتشين بين مدينة "هانكندي" الأذربيجانية التي يسكنها أغلبية أرمينية، وبين أرمينيا، إذ أن هذا الممر يمر من محافظة لاتشين نفسها.
وخلال الأعوام الـ 30 التي خضعت فيها لاتشين للاحتلال الأرميني (منذ 1992)، شهدت المحافظة توطين أرمينيين بطرق غير شرعية عبر استقدامهم، خاصة من سوريا ولبنان.
** دور موسكو في ممر لاتشين
إن عدم الامتثال للاتفاقية الثلاثية، والارتفاع المتكرر في التوترات، لا سيما في المنطقة التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ، يكشف أن روسيا لم تقم بواجبها على النحو المناسب لضمان الأمن في المنطقة، ومع ذلك، لابد من التأكيد على أن موسكو لازالت تملك دورا مهما في إدارة دفة التطورات بالمنطقة.
يبدو في الواقع أن روسيا تحرص على التفاوض بشكل متكرر مع زعماء أذربيجان وأرمينيا من أجل إحداث توافق بين الجارين المتنازعين، لذلك حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عقد اجتماع مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وكذلك مع قادة أرمينيا وأذربيجان، عقب قمة بلدان رابطة الدول المستقلة (في أستانا خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي).
وأكد الجانب الروسي خلال الاجتماع على أن المشكلة الرئيسية بالنسبة لموسكو هي "السياسات التي تنتهجها بريطانيا والولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب في أوكرانيا".
وبينما تستهدف روسيا الغرب عبر منطقة القوقاز، تحاول موسكو تأكيد وجودها ونفوذها التاريخي في المنطقة، إلا أن الجهود الدبلوماسية والقفزات التي حققتها أذربيجان في العقدين الماضيين، خاصة في البحث عن طرق بديلة لنقل الطاقة والانفتاح على العالم وتطوير علاقاتها مع العالم الغربي، جعلت مهمة موسكو أكثر صعوبة ودفعها إلى التعاطي بحذر مع الملفات المشتركة مع باكو.
ولابد من الإشارة إلى أن السياسات التي تتبعها روسيا فيما يتعلق بممر لاتشين تنعكس في جوهرها أيضًا على العلاقات التركية الأرمينية.
هذا الوضع دفع وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، للتصريح سابقا، بأن "التطورات الأخيرة في ممر لاتشين ستكون اختبارًا لإخلاص أرمينيا تجاه تعهداتها"، لافتًا أن استمرار هذه المشكلة بدون حل، سينعكس بشكل سلبي على العلاقات التركية الأرمينية.
** موقف دول أوروبا وإيران من قضية قره باغ
تعتبر وجهات نظر الغرب والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن قره باغ ذات أهمية حيوية في تشكيل المشكلة، خاصة خلال فترة الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية والتي استمرت 30 عاما.
لم تتخذ مجموعة مينسك (تأسست عام 1992) التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا زمام المبادرة من أجل إيجاد حل لقضية قره باغ، لكن سعت القوى الغربية إلى تغيير سياساتها بشأن المنطقة، بعد تحرير القوات الأذربيجانية أراضيها المحتلة وبدء مرحلة النزاع في ممر لاتشين، وإرسال الاتحاد الأوروبي بعثة إلى الحدود الأذربيجانية الأرمينية للوقوف على آخر التطورات.
بدورها إيران، اعتبرت قضية "ممر لاتشين" إحدى القضايا الحاسمة التي تؤثر على مستقبلها في جنوب القوقاز، لاسيما أن طهران قدمت جميع أنوع الدعم الممكن إلى أرمينيا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
في هذا السياق، يمكن القول إن دور الوساطة التركية ونفوذ أنقرة الجيوسياسي ازداد في المنطقة مع حرب قره باغ وكذلك الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى أن التحيز التاريخي ضد الأتراك في كل من الاتحاد الأوروبي وإيران، زاد من التقارب بين تركيا وأذربيجان وعزز أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين فيما يتعلق بقضايا وسياسات المنطقة.
** تحليل البروفيسورة يلدز دوه جي بوزقوش، عضو الهيئة التدريسية في جامعة أنقرة.