- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
نبيل عمرو يكتب: قبل أن يزورنا الوزير بلينكن
نبيل عمرو يكتب: قبل أن يزورنا الوزير بلينكن
- 26 مارس 2022, 2:43:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لاشك في أن الوزير بلينكن مرحب به عند السلطة، فهي إيجابية حد المبالغة في التعامل مع الذين يتذكرونها ولو بعد حين، وكانت قبل أيام من الزيارة، قد احتفلت بتصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل الذي قال كلاما معقولا بحق الشعب الفلسطيني، وتمسكه بحقوقه الأساسية، واستحالة شراءه بالتسهيلات، وقال كلاما معقولا كذلك حول الاستيطان الإسرائيلي المرفوض أمريكيا وان بصورة انتقائية، والذي يعتبره العالم بما في ذلك جزء كبير من الإسرائيليين اشبه بسلاح الدمار الشامل للسلام، الذي صار مجرد الحديث عنه في هذه الأيام اقرب الى الهلوسة واسألوا السيدة ايليت شاكيد توأم بينيت في الحكومة الحالية.
ما هي الملامح المميزة لصورتكم سيادة الوزير عندنا؟
بصراحة.. ما تزال ملتبسة، فإذا ما نظرنا الى سياستكم من زاوية ما فعل سلفكم ترمب، فلا يخلو الامر من إيجابيات. وإذا ما نظرنا من زاوية ومواقف بيل كلينتون مثلا وقبله جيمس بيكر، فأننا نراكم مختلفين بل متراجعين كثيرا في اللغة والجهد.
وأقول لك يا سيادة الوزير انني حين كنت عضوا في حكومة الرئيس محمود عباس أتيحت لي فرص لقاء مع العديد من المسؤولين الأمريكيين الكبار، سمعت من السيدة كونداليزا رايس قولا في الاستيطان لم يُسمع مثله من قبل ومن بعد، اذ وصفته بالسرطان الذي ينتشر في الجسد الفلسطيني، ذلك في الوقت الذي قال فيه الرئيس الجمهوري بوش الابن، ان امرا الهيا هبط عليه للعمل من اجل إقامة دولة للفلسطينيين، ولو عدت للأرشيف الرئاسي لوجدت اقوالا اكثر من ذلك ناهيك عن جيمس بيكر ما قال وما فعل.
التاريخ لا يعود الى الوراء، ولكن دروسه تعيد نفسها وها نحن امام واقع مختلف، ملامحه المجسدة تحول مشروع "السلام التاريخي" الذي رعته الإدارات المتعاقبة الى عكس غاياته وأهدافه، وكذلك تحول العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية من واقع التوجه نحو التعايش بعد انهاء الاحتلال، وتكريس مبدأ الدولتين لشعبين في الواقع، الى حالة حرب يومية تنتج فلسطينيين يقاتلون بما يتوفر لديهم من سلاح وعلى عاتقهم الخاص، وتنتج إسرائيليين لا همّ لهم الا صب الزيت على النار والنتيجة عودة الجنازات الضخمة بديلا عن وعود السلام والتعايش.
انت تعرف كل ذلك وبأدق التفاصيل، التي يكتظ بها الملف الفلسطيني المتداخل بالعمق مع الملف الإسرائيلي، ولكن ما يبدو ضبابيا هو غياب الفعل الجدي الذي يوقف التدهور عند حد معين وما يبدو غريبا حقا هو تقدم إسرائيل بدعم منكم في علاقاتها مع الإقليم من اقصى المغرب الى اقصى المشرق، ولا يرى الفلسطيني ولا حتى الأمريكي والعربي ولا قوى السلام في إسرائيل الا المزيد من التدهور في الشأن الفلسطيني ، وكأن الإحباط الفلسطيني صار هدفا مركزيا عند الحكومة الإسرائيلية وكل ما يجري على الأرض يصب في هذا الاتجاه.
وأقول لك يا سيادة الوزير انك لن تسمع جديدا من الرئيس محمود عباس لأن الجديد مطلوب منك، ولا اعرف هل بحوزتك بعض منه؟
سمعنا حكاية العمل على رفاهية الشعب الفلسطيني وسمعنا كذلك حكاية تطوير الاقتصاد ودعم المجتمع المدني مع عناوين كثيرة ليس من بينها الحل السياسي الذي يريده الفلسطينيون ولا يقبلون بغيره، وللتذكير فهو إزالة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحل جميع قضايا الوضع الدائم استنادا الى الشرعية الدولية.
ان غياب مسار سياسي فعال والاكثار من الحديث عن غيره يكون اشبه بحكايات الأمهات لاطفالهن من اجل النوم، وما أقوله لا يعني اننا كفلسطينيين مجرد مظلومين في الواقع ولا يأتينا الخطأ من أي باب، ولدينا من الشجاعة الأدبية ان ننظر مليا الى انفسنا وأن نقر بعيوبنا.
نحن الفلسطينيين مثخنين بالجراح الصديقة والعدوة ما يستوجب نهجا مختلفا في التعامل معنا والبداية من عندنا والتبني والدعم من العالم كله، نقر بأننا بحاجة الى تجديد نظامنا السياسي واساسه صندوق الاقتراع، حيث وجد الفلسطينيون على ارضهم وحيثما أتيح
ذلك في المنافي، وهذه مسؤوليتنا الأولى، وكذلك نحن بحاجة الى كل قرش من اموالنا التي تتحكم بها إسرائيل وفق مبدأ "وعاقبهم على كل شيء"، ونحن بحاجة الى إيجاد صيغة توازن لا يطغى فيها الحل الاقتصادي على السياسي، اذ لا جدوى من التسهيلات الاقتصادية دون ان تُحمى بحاضنة سياسية تفضي الى تحقيق الاماني القومية العادلة لشعب صار عديده يقارب الخمسة عشر مليونا، وهو الشعب الوحيد الذي ما يزال بلا دولة.
اعرف ان لا جديد في كل ما تقدم ولا يضر التذكير به مع كل إدارة تأتي الى البيت الأبيض، وما ينبغي الاهتمام به جيدا هو عامل الوقت الذي صار أساسيا وحاسما وان لم يستفاد منه تسير الأمور باتجاه آخر.