- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: هل تقترب فرنسا من الجزائر والمغرب؟
نزار بولحية يكتب: هل تقترب فرنسا من الجزائر والمغرب؟
- 9 أغسطس 2023, 4:54:04 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ما الذي بقي لها في افريقيا إن فقدت النيجر؟ «حديقتها الخلفية» في الشمال الافريقي قد يقول البعض، ومع أنه لم تتردد حتى الآن أسماء القادة العسكريين لمالي وبوركينا فاسو والنيجر بقوة في المنطقة المغاربية، إلا أن ذلك لا يعني أن كثيرين في ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، لا يعرفون آسيمي غويتا وإبراهيم تراوري وعبد الرحمن تشياني، ولا يبدون اهتماما متزايدا، بل حتى إعجابا بما تحمله مواقفهم وخطاباتهم من نبرة تحد قوية لهيمنة باريس، ورغبة في التحرر والتخلص من سيطرتها ونفوذها القويين في القارة.
لكن شعبية أولئك العسكريين باتت تمثل هاجسا حقيقيا بالنسبة للبعض، فهل إنهم بالفعل دمى صنعها الروس ونجحوا في تحريكها مثلما يلمح إلى ذلك الفرنسيون؟ أم أنهم ليسوا سوى ثمرة طبيعية لعقود طويلة من التجاهل والنهب والاستغلال الفرنسي المفرط للقارة الافريقية؟ لقد سألت إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية مؤخرا باحثا من أصول نيجيرية عن تفسيره للإقبال الشعبي الكبير على تلبية دعوة «الانقلابيين» الأحد الماضي، للحضور إلى ملعب كرة قدم في العاصمة نيامي، تعبيرا عن مساندة السلطات الجديدة في مواجهة التهديد بالتدخل العسكري الخارجي، فكان رده شديد الدبلوماسية، إذ قال، إن جزءا من تلك الحشود جاء فقط ليس لأنه يؤيد الانقلاب العسكري، بل لأنه يرفض التدخل العسكري الخارجي في بلاده، قبل أن يضيف بأنه لا وجود لمقياس واضح يمكن الاستدلال به لمعرفة إن كان النيجيريون الآن يقفون مع الانقلاب أم ضده.
أكبر دولتين مغاربيتين، الجزائر والمغرب، لا تتقاسمان الآن مع فرنسا تقييمها ورؤيتها لما يحصل في المنطقة من تطورات، وهذا وحده يحمل الكثير من الدلالات
ولعل ما ذكره ذلك الباحث حول رد الفعل الشعبي داخل النيجر على إزاحة الرئيس بازوم، قد ينطبق إلى حد ما على الموقف الشعبي المغاربي من التطورات التي حصلت هناك في السادس والعشرين من الشهر الماضي، فاللامبالاة التامة التي قابلت بها شعوب الشمال الافريقي ذلك الحدث، حجبت في الواقع مسألتين وهما، معارضتها المبدئية لأي تدخل عسكري أجنبي تقوده، أو تشرف عليه فرنسا من وراء الستار، وتعاطفها مع مظاهر الرفض للوجود الفرنسي في افريقيا، التي تمثلت آخر صوره في حرق العلم الفرنسي ومحاولة حرق مقر السفارة الفرنسية في العاصمة النيجيرية. ومن المؤكد أن ذلك يسبب حرجا للسلطات في الدول المغاربية. فالجميع يعلم أن العلاقات المغاربية الفرنسية ليست الآن في أفضل حالاتها، كما أن الصفعات التي تلقتها باريس في الشهور الأخيرة في أكثر من مكان في القارة الافريقية، تجعل التساؤل حول مستقبل علاقاتها بتلك الدول مطروحا بقوة. فإذا كانت بعض دول جنوب الصحراء قد فعلتها وتعاملت مع الفرنسيين بحزم، فهل يمكن لدول افريقيا الشمالية أن تفعلها أيضا وتنتفض في وجههم وتضع حدا لوجودهم داخل ما يتبجحون ويعتبرونها حديقتهم الخلفية؟ ثم إن كانت دولتان جارتان للنيجر وهما، مالي وبوركينا فاسو قد تضامنتا معها واعتبرتا أن أي تدخل عسكري أجنبي فيها سيعد بمثابة الاعتداء المباشر عليهما، فهل من الممكن أن يحدث الأمر نفسه، إن اعتدت قوة خارجية ـ لا سمح الله ـ على بلد مغاربي ويتضامن بالتالي بلدان مغاربيان أو أكثر معه بالشكل نفسه؟ إن أكبر دولتين مغاربيتين، أي الجزائر والمغرب، لا تتقاسمان الآن مع فرنسا تقييمها ورؤيتها لما يحصل في المنطقة من تطورات، وهذا وحده قد يحمل الكثير من الدلالات، ففيما امتنع المغرب عن التعليق الفوري على انقلاب النيجر، فإنه فضل وفي أول رد رسمي عليه، وبعد أربعة أيام من وقوعه أن يقول، على لسان سفيره لدى الاتحاد الافريقي، إنه «يثق في حكمة شعب النيجر وقواه الحية للحفاظ على المكتسبات وعلى دوره الإقليمي البناء والمهم»، ما قد يعني أنه يتفهم وإلى حد ما الدوافع التي كانت وراءه. ومع أن الجزائر بادرت إلى إصدار بيان عبرت فيه عن «تمسكها العميق بالعودة إلى النظام الدستوري بالنيجر واحترام متطلبات دولة القانون.. ودعمها لمحمد بازوم كرئيس شرعي لجمهورية النيجر»، إلا أن هناك أمرين مهمين شدد عليهما الرئيس الجزائري في المقابلة التي أجراها مع بعض وسائل الإعلام المحلية، وبثت السبت الماضي، أي ساعات فقط قبل انتهاء مهلة وضعتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا للسلطات الجديدة في النيجر حتى تتراجع عما وصفتها وزيرة الخارجية الفرنسية في وقت سابق بـ»المغامرة» الانقلابية وهما، رفض التدخل العسكري في النيجر تحت مسمى إعادة الشرعية الدستورية، لأن «أي عمل عسكري لا تنجر عنه إلا المشاكل»، وسيؤدي إلى «إشعال الساحل بأكمله»، على حد وصفه، ثم نفيه التام لأن تكون الزيارة التي كان مفترضا أن يقوم بها إلى باريس قد ألغيت بعد تأجيلها لأكثر من مرة، وتأكيده أنه لن يقبل بأن تتحول زيارة الدولة «إلى مجرد زيارة سياحية يطوف فيها شارع الشانزليزيه ويتلقى التحية من الحرس الجمهوري»، على حد تعبيره، وأنه لا بد من الخروج منها بنتائج ملموسة بفتح صفحة جديدة في علاقة البلدين، مشيرا إلى زياراته إلى روسيا والصين والبرتغال وإيطاليا، التي حققت نتائج ملموسة وفق تقديره. وظاهريا فلا يبدو أن هناك رابطا مباشرا بين الاثنين، لكن من الواضح أن موقف الجزائر مما يحدث في جارتها النيجر ينعكس بشكل صريح على علاقتها بباريس، فالجزائريون يقولون الآن للفرنسيين إن سياساتهم الفاشلة في القارة تعرض أمنهم القومي للخطر، وإن أي حل للمشاكل والأزمات الموجودة في المنطقة لا يمكنه أن ينجح أو يمر من دون موافقتهم. وما يفعلونه معهم أشبه بالتلويح بالعصا والجزرة، فهم يعلنون صراحة عن رفضهم للتدخل العسكري الذي تدعمه باريس بقوة، ويحذرونها من أن تلك الطريق ليست سالكة، ثم يعرضون عليها مساعدة ما للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، لكن على شرط أن تدفع الثمن المناسب، وهو أن تعيد بناء العلاقات معهم على أسس جديدة، وهو ما قصده الرئيس تبون حين تحدث عن النتائج المنتظرة من زيارته إلى باريس. غير أن الصمت المغربي قد يحمل بدوره إشارة قوية للفرنسيين، فالمغاربة الذين باتوا يوسعون من شراكاتهم مع قوى أخرى مثل، روسيا والصين قد يعتبرون أن أفضل رد على البرود الفرنسي نحوهم هو ليس التجاهل فقط، بل العمل على احتوائه والحد من آثاره من خلال تنويع العلاقات والشراكات. وهم يعلمون جيدا أنه لا يمكن للفرنسيين أن يستمروا طويلا في ذلك النهج، ولذا فإنهم يعولون على تراجعهم عنه بمرور الوقت.
وبالنسبة إلى باريس فإن التطورات التي تحصل في النيجر تدق أكثر من ناقوس خطر على المصالح الفرنسية في الشمال الافريقي، فإفشال الانقلاب بعمل عسكري خارجي قد يزيد في تلطيخ صورتها المشوشة أصلا لدى الرأي العام المغاربي، أما نجاحه فقد يشجع دولا أخرى على التمرد عليها ويقوي موقف الجارتين المغاربيتين في التعامل معها. ولأجل ذلك فإنه لا مفر لها في كلا الحالتين من الاقتراب من الجزائر والمغرب معا. أما هل أنها ستكون قادرة على فعل ذلك؟ فهذا ما لن نتأخر في رؤيته.