- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة!! (19) ناصر 56
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة!! (19) ناصر 56
- 7 يوليو 2021, 1:41:18 م
- 837
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حملت الولايات المتحدة الأمريكية رايات الغرب, وصاغت منهجا جديدا لنهب ثروات الأمم والشعوب التى تحررت من الاستعمار.. قام "المنهج الأمريكى" الجديد على اعتماد قاعدة تقضى باستخدام "خدم الاستعمار" داخل كل دولة مستهدفة.. فى الطليعة يقف "رجال المال" ولتخفيف المعنى أطلقوا عليهم "المستثمرين" ولتجميل المعنى أسموهم "رجال الأعمال"!!
كان "المنهج الأمريكى" غامضا.. تكشفت ملامحه عاما بعد الآخر.. حتى أصبح مكشوفا بما لا يقبل أدنى شك.. حدث ذلك حين راحت أمريكا لتغزو "فيتنام", وعندما لقيت هزائم قاسية.. أخذت خطوة للخلف.. ثم ركزت على سلاح "خدم الاستعمار" وعملت على تطويره, بعقد شراكة بين "رجال سياسة" مع "رجال مال" وللطرفين توظيف الإعلام والقانون والثقافة بما يخدم وجودهم والمصالح الغربية.. تتقدمها المصالح الأمريكية.
نجح "المنهج الأمريكى" فى تفكيك الاتحاد السوفيتى.. تحقق هذا النجاح بفضل نظام مالى واقتصادى سىء السمعة.. فاسد.. كان لقيطا.. بلا نسب.. قام على "الأوف شور" الذى تطور وانتشر كالسرطان.. ثم بدأت عملية "غسيل سمعة" لهذا النظام اللقيط, حتى تحول إلى أساس يمكن بناء مجتمعات بأكملها عليه.. وانزلقت عشرات الدول إلى تلك "المصيدة" بعد أن دارت ماكينات الإعلام, لكى تقدم للعالم قصص نجاح نموذج "سنغافورة" و"تايوان" ثم "دبى" وبعدها "الدوحة" لاصطياد "السعودية".. هذا غير ولايات بعينها داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.. وحى المال داخل بريطانيا, الذى أصبح دولة فوق الدولة.. أو قل هو عقل بريطانيا وقلبها النابض.. إضافة إلى جزر منها "كايمان" و"جيرسى" وغيرها.
يقوم "المنهج الأمريكى" على أنه إذا انكشفت حقيقة, وأصبح الدفاع عنها صعبا أو مستحيلا.. يجب خلق حقيقة جديدة, تفرض نسيان ما سبق.. فإذا كان اغتصاب "فلسطين" حقيقة تكشفت تفاصيلها.. يتم الذهاب إلى اغتصاب "العراق" ثم "سوريا" ولا مانع من محاولات أخرى.. ومبررات اغتصاب الدول جاهزة منها "الحرب على الإرهاب" أو "الدفاع عن الديمقراطية" إضافة إلى "حماية حقوق الإنسان" وكل هذه العناوين تستهدف الدول الإسلامية, بعد خلق حالة "الإسلاموفوبيا"!! وللحرب على الصين أو روسيا مبررات وعناوين أخرى تدور حول الاقتصاد, والصراع على احتكار التكنولوجيا.. مع اصطياد حالات بدعاوى منع استخدام السلاح النووى, كما فى حالة "كوريا الشمالية" التى امتلكت هذا السلاح فعلا.. وحالة "إيران" التى تسعى لذلك!!
"المنهج الأمريكى" هو نفسه المنهج الغربى.. يختلفان فقط فى الوسائل وأساليب تنفيذه أو فرضه.. نجح الطرفان فى جعل تفاصيل المنهج سرية.. وبقيت الصحافة ووسائل الإعلام مع كبار المفكرين, هم القادرين على مناقشته عندهم.. إتفاقا أو رفضا.. إعتراضا أو تأييدا.. أما مؤسسات الديمقراطية – البرلمان والرئاسة – فهما يظهران الاختلاف على طرق التطبيق!!
على الجانب الآخر.. سنجد ما يسمونه "الدول النامية" وهى مكتوب عليها أن تبقى نامية.. والأفضل أن تكون "نايمة"!! ذلك يتحقق بتحويلها إلى مجتمعات "أوف شور" وأبرز ملامح هذه المجتمعات, أن تكون بلا مؤسسات سياسية.. بلا مؤسسات ثقافية.. بلا مؤسسات إعلامية.. المهم أن يحدث ذلك تحت لافتة "الديمقراطية" وهذا يعنى الحرص على تدوير عجلة الانتخابات كمظهر يدل على "الديمقراطية" حتى لو أنتجت أبشع صور الديكتاتورية.. فالغرب يوافق ويبارك كل حاكم يرضون عنه.. ويوافق ويبارك قتل الثقافة, شريطة أن يتم التنفيذ بمهارة.. ويوافق ويبارك عمليات خنق أو حتى قتل الإعلام, طالما أن ذلك يحدث دون رفع بصمات القاتل!!
عندهم فى الغرب ستجد صحفا ومفكرين وساسة, يحذرون من خطورة "المنهج الأمريكى" ويذهبون إلى حد القتال ضده بالكلمة والفعل السلمى الديمقراطى الحقيقى.. لكن فى الدول المطلوب أن تبقى "نايمة" فهذه ممنوعات.. بل قل أنها جرائم!
عشرات الخبراء والمفكرين فى الغرب, كشفوا عن أن "الأوف شور" كنظام اقتصادى ومالى لقيط!! تم تبنيه ورعايته بسبب ما حدث فى مصر.. تحديدا بعد نجاح ضربة تأميم شركة قناة السويس, لتمويل بناء "السد العالى" بعيدا عن "البنك الدولى" و"صندوق النقد" باعتبارهما أذرع الغرب.. حدث ذلك ومازال يحدث ويلقى رواجا فى المناقشة والدراسة.. أما فى الدول النامية, فيجب أن يشطب من ذاكرة شعوبها ما ترسب من زمن التصدى للاستعمار وتحقيق الاستقلال.. أصبح مطلوبا تدمير كل الرموز الوطنية, أو على الأقل التعتيم عليها حسب ظروف كل دولة من الدول التى تدور فى الفلك "الأمريكى"!!
يعتقد البعض أن هذا يحدث صدفة.. ويعتقد آخرون أنه ناتج عن محاولات تضخيم ذات هذا النظام السياسى أو ذاك.. ويرى البعض أن ضعف الثقافة وغياب الوعى, هم السبب.. والحقيقة قد يكون كل هذا صحيحا.. لكن الحقيقة ترتكز على "المنهج الأمريكى" الذى لا يترك شىء للصدفة أو عوامل التعرية!! فهذا المنهج إكتملت فصوله, وأصبح الالتزام به حرفيا ونصا واجب لا يقبل نقاش أو اجتهاد مع نصوصه وصياغاته.
كل ما سبق هو رؤية قائمة على معلومات ووقائع.. يراها من لا يفرط فى نعمة البصر والعقل.. وإذا نجحت عمليات خداع البصر وتجميد العقل, فهذا مؤشر على نجاح "المنهج الأمريكى" الذى قام على استيعاب ما حدث فى منتصف القرن العشرين.. وتم وضعه للالتفاف على حركات التحرر الوطنى, وإعادة دول حصلت على استقلالها إلى "حظيرة الغرب" بقيادة أمريكية.. فهذا حق لأمريكا التى تسلمت الراية, بعد انهيار امبراطوريتى انجلترا وفرنسا.
يبقى كل ما تقدم كلام نظرى.. لكن إعادة القراءة المتأنية لما حدث, رغم مرور عشرات السنوات عليه تجعل الصورة واضحة.. وقد تدفعك إلى مراجعة ما يحدث حولك.. وتكشف أسرار الحرب على "جمال عبد الناصر" الزعيم الذى غادر الدنيا منذ أكثر من نصف قرن.. لكنه بقى خطرا على الغرب, بما تركه من فكر وتجربة وإنجازات.. لم تنجح بحسم كل المعارك التى يتم شنها ضده ميتا.. كما لم تنجح المعارك التى خاضوها ضده حيا!
ستضبط نفسك منفعلا ورافضا لتلك الرؤية, إذا كنت تقضى فترة تجنيدك لخدمة "المنهج الأمريكى" أو كنت تمارس وظيفة خدمة الاستعمار.. لأن "خدم الاستعمار" فى بلادنا يلعنون النظام الجمهورى, دون إدراك أن فرنسا مثلا جمهورية.. ويمجدون الملكية دون التفات إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست ملكية.. وقد يكون تقديمهم لأنفسهم على أنهم "خدم للاستعمار والملكية" إحتراما لممارستهم الخيانة على الطريقة البريطانية!! فمازالت بريطانيا تحترم النظام الملكى وتتشبث به.. ولكل منهم أن يمارس دوره فى الحرب على تجربة مصر خلال الخمسينات والستينات بحرية.. المهم أن يستمر إطلاق النيران على اسم "جمال عبد الناصر" وكل ما له علاقة به.. تاريخا وفكرا.. وأيضا الذين يدافعون عنه, مع إغراء بعضهم بمراودتهم عن أنفسهم.. وقد يكون سبب ذلك أن هناك من رفعوا رايات الدفاع عن "عبد الناصر" كمشروع تجارى, يمكن أن يحقق أرباحا سياسية أو مالية!!
دعنا من كل هؤلاء.. وتعالى نقف بهدوء مع "ناصر 56"!
كان هذا اسم الفيلم الذى قدم عنوان الحقيقة فقط.. قدم الشكل وابتعد عن المضمون.. ربما لأن المضمون وعرضه أصبح "خط أحمر" محظور إعادة إحيائه, لأسباب كثيرة.. أهمها الحرص على اكتمال زحف "الأوف شور" الذى انتقل من نظام مالى إلى نظرية حكم سياسى.. ستكتشف ذلك بوضوح إذا عدت لتفاصيل ما حدث ونتائجه التى كانت وبالا على الاستعمار.
قبل أن يعلن "جمال عبد الناصر" عن تأميم "شركة قناة السويس" بساعات.. ألقى كلمة قصيرة يوم 24 يوليو 1956.. كانت بمناسبة افتتاح خط أنابيب بترول جديد.. لم يتحدث "عبد الناصر" هذا العام يوم 23 يوليو باعتباره العيد الرابع للثورة.. لأنه كان قد عاد فى هذا اليوم رفقة "نهرو" الزعيم الهندى الكبير من "يوغسلافيا" التى شهدت قمة جمعتهما مع الرئيس "تيتو".. وكان العالم كله يتابع هذه القمة, وينتظر ما يمكن أن يترتب عليها.
يوم 24 يوليو.. إكتفى "جمال عبد الناصر" بالحديث بالأرقام عن ارتفاع الدخل القومى لمصر, وأكد على عزم مصر على الذهاب إلى التصنيع إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعى.. ثم قال بالنص: "لن نمكن القوة.. لن نمكن الدولار من بلادنا.. وهاقول لكم ازاى يوم الخميس إن شاء الله.. هاقول لكم ازاى تكون مشروعات مصر كلها.. مشروعات عزة وكرامة.. لا مشروعات ذل واستعباد.. لا مشروعات ذل واستعباد وتحكم وسيطرة.. مشروعات نشعر فيها بأننا نبنى اقتصادنا الوطنى.. وفى نفس الوقت نبنى عزتنا.. نبنى كرامتنا.. نبنى استقلالنا"
كان الكلام واضحا وغامضا فى الوقت نفسه.
سر الغموض كان سببه قوله: "لن نمكن الدولار من بلادنا" والوضوح لا يحتاج إلى تفسير حين تحدث عن: "مشروعات عزة وكرامة"
سر الغموض كان يرجع إلى قوله: "سنبنى ونتجه نحو التصنيع ورفع مستوى الإنتاج" إلى جانب وضوح ما ذكره: "نحن ننتج إنتاجا حقيقيا بعزيمة وجد واجتهاد" وكان يتحدث عن الإنتاج الزراعى.
كانت "مطابخ السياسة" فى الغرب تتوقف عند كل كلامه.. لكن إشارته إلى أنه سيشرح يوم الخميس – 26 يوليو – جعلتهم يتعجلون عقارب الساعة, لحل أغاز كان يقصد إثارتها.. واتضح أن هدفه كان زراعة ألغام, حول المنطقة التى عقد العزم على اقتحامها.. ولأنه كان – ومازال – شديد التفرد, فى توظيف إعلام أعدائه لخدمة قضاياه.. فقد أراد تركيز أنظار الدنيا على ما سيقوله يوم 26 يوليو.. أما الخطاب نفسه فقد كان نموذجا يستحق إعادة قراءته, ووضع الخطوط تحت الكثير مما تناوله.. فهذا خطاب استمر لنحو أربع ساعات.. وقبل نهايته بدقائق أعلن تأميم شركة قناة السويس, بعد أن شرح للشعب المصرى والعالم العربى وكل شعوب الدنيا أصل الحكاية وتفاصيلها وأسرارها بالوقائع والأرقام.. يتبع