- ℃ 11 تركيا
- 27 ديسمبر 2024
هادي جلو مرعي يكتب: من قال إن الله معنا؟
هادي جلو مرعي يكتب: من قال إن الله معنا؟
- 26 ديسمبر 2024, 11:23:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قوله تعالى : ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/40.
هذه الآية الكريمة فيها العديد من الدلالات، ولكن مايعنيني منها قوله تعالى: لاتحزن إن الله معنا، أي سيحمينا وينصرنا، ويخرجنا من هذه المحنة، ونصل الى المبتغى الذي يريد سبحانه وهو تعريف الناس بالرسالة والتوحيد ونشر الدين..
وهنا يكمن السؤال: هل يجوز الجزم بأن الله معنا على أية حال، أم إن هناك شروطا للمعية والنصر وخذلان الأعداء الذين هم بلاشك أعداء لله، معاندين له سبحانه؟ فالرسول الذي بعث بالإسلام، وأمر بأن يقاتل عليه لينشره، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون كان بحاجة الى المدد والعون المباشر من الله خاصة في بدايات الدعوة عندما كان لوحده إلا من بعض مؤيديه، وكان لابد من العناية المباشرة من السماء، مع عدم تجاهل الأسباب الطبيعية في المواجهة مع الظالم والكافر من تحد، وصبر، ومعاناة، وخوف، وهجرة، وبحث عن مصادر القوة للمواجهة، وتحقيق النصر، وإنسحب ذلك الى ماقبل الإنتصار النهائي قبيل فتح مكة كما في معركتي بدر حين أنزل الله الملائكة ليقاتلوا مع المسلمين في قوله( جنودا لم تروها) وعند الحاجة وقلة الناصر، وكما في هجوم إبرهة على الكعبة لتدميرها عندما أرسل الله طيورا ترمي ذلك الجيش بحجارة من نار دمرتهم، وحولتهم الى بقايا متناثرة في الوديان، وفي معركة الخندق في قوله ( وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا) حينها أرسل الله ريحا باردة قلبت القدور، وأطفأت النيران، وعبثت بالخيام وجعلت مشركي مكة يفرون على غير هدى بعد أن كانوا قاب قوسين، أو ادنى من دخول المدينة، وإحتلالها، لكن المشيئة تريد غير ذلك، وتحكم بما لابد أن يتحقق رغما عن الظالمين والمتجبرين، ولعل من الدواهي أن يظن المتحاربون، وكل على حدة إن الله معهم كما في زماننا هذا حيث يرى اليهود إن إلههم معهم، والمسلمون الذين لكل مذهب منهم وطائفة إله يتميز عن الإله الذي لدى الآخر، وكما لدى المسيحيين الذين يعيشون فكرة أن المسيح إبن الله، وهو الرب، ولكل من هولاء تفسيره للأمر، وإعتقاده به، عدا عن أمم وشعوب شتى تفسر، وتغير ، وتتعبد كما تشتهي، وكما ترغب، وكما يريد هواها، وهنا يريد الله من عباده التأني، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام في تكفير الآخر، ونبذه، والإعتقاد بإعتلال فكرته، وخراب عقيدته، وبطلانها لأسباب يسوقها كل مناويء ليحبط المعتقد بغير إعتقاده..
عندما تمت النعمة، وثبت الدين، ورحل الرسول الى جوار ربه، وإختلف المسلمون على التفسير والتأويل، وتنازعوا على الحكم والسلطان وألفت الكتب، ووضعت الآراء، وترسخت الأهواء وتلاقت مصلحة الحاكم بعالم الدين, وصارا يتقاسمان النفوذ في القصور والقلوب لم يكن من خيار لدى العوام إلا أن يتحولوا إلى أتباع للسلاطين ووعاظهم، بينما يسخر البعض من عقيدة البعض، ويسوق الحجج والبراهين على بطلان عقيدة المناوئين، وفي مواجهة اليهود والصهيونية، وأرباب المال والأعمال، وتجار السلاح، والسلطة في هذا العالم حيث الشعوب مغلوبة على أمرها، وهي خليط من ديانات وأقوام مختلفة تنقلت من جغرافيا الى اخرى طلبا للعيش والأمان فإن الموجه والحاكم هي النخب الفاسدة المتسلطة التي ينبغي الصبر في مواجهتها، والتحسب لمؤامراتها، وإعداد العدة لها كما في قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال/ 60. حينها سيكون الله معنا، أما أن نخلط بين رغباتنا وشهواتنا وطموحاتنا، وبين مايريده الله. فهذا يؤدي بنا الى التهلكة. لأنك حين تعلن أنك مع الله فينبغي أن يكون ذلك خالصا له، لاتشوبه شائبة، منقى من الرغبات الخاصة، والشهوات، والأطماع، والمنافسة وجمع الأموال، وإبتغاء المكاسب، والمنافع، وترسيخ السلطة الغاشمة، وتجاهل الناس، والترفع عليهم، والغفلة عن الواجبات التي فرضها الله..
فاليهود والغرب من ورائهم هم قوى غاشمة، متجبرة، ينزاح معظم الناس والحكام معهم خوفا وطمعا، وحين تقرر أن تواجه فإنك ستواجه العالم كله، وينبغي أن تستعد فإن لم يكن لديك كامل الأدوات فستهزم، وتشيطن، ويبحث الناس عن الخلاص منك، وتكون عبئا على البشرية التي إختارت طريق الشيطان، والخشية إنك قد تكون إخترت ذلك دون أن تدرك خاصة وإن غالب الكوكب خرج من دائرة الله، ودخل في دائرة الشيطان..