هشام توفيق يكتب: عام على الطوفان..أساس وسر في المقاومة قد نجهله

profile
هشام توفيق كاتب وباحث سياسي مغربي
  • clock 2 أكتوبر 2024, 11:25:26 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في غضون مراحل عصيبة يقع فيها  ما يقع من أحداث نحتاج إلى رؤية شمولية للنظر من الأعالي حتى لا نتشتت ونسقط في ذهنية الهزيمة وفخاخ الصهيوني والمطبع الجبان،  لذلك لن نستنكف عن النظر من حيث نظر الأوائل من منظار الوحي ومنظار الواقع ومنظار التاريخ.

 

المحور الأول: لماذا كتبت بهذه الطريقة، لعلي أكون شَائِحًا؟

لماذا كتبت بهذه الطريقة التي جمعت فيها بين التحليل الإيماني والتحليل الأرضي الواقعي والتاريخي، غايتي هو تثبيت جبهة أمتنا إلى الإنسان الحر، لعلها كلمات لا تعد إشاحةً للوجه عن الوضع هزيمة ويأسا وشكا، بل من باب الشيح والحرص والحذر وعن أبو ذؤيب الهدلى:

(وزعتهم حتى إذا ما تبددوا  سراعا ولاحت أوجه وكشوح ###بدرت إلى أولاهم فسبقتهم وشايحت قبل اليوم إنك شيح)

لعلي أكون من الشيح والشائح هو الجاد الحريص على فهم الأحداث دون انزلاقات نظر، ولا أطوي كَشحا على أمر وأُضْمِره خشية من نقد...

 

فإذا كان صديقا لي  في ميدان النصرة والبحث قد زُلزِل فكره بعد 7 أكتوبر، ثم زاد تشتت فكره إلى تشكك وشك أن عملية الطوفان هي مغامرة، فماذا سيقول الشاك حين تم اغتيال هنية ونصر الله وقادة مقاومتين كبيرتين ومع تحولات في لبنان واغتيالات من الصهاينة وضربات أقول أنها قاسية..

بطبيعة الحال لست كذلك ممن يفر هروبا من الواقع إن وظفت القرآن وأحاديث لقراءة في المعركة لجبهات مقاومة...( علما أن مصدر الوحي هو أساس في القراءة والتقويم)، لكن الباحث من واجبه دراسة الواقع والمستقبل بقراءة متوازنة جامعة دون أماني معسولة بل معقولة. 

 

المحور الثاني: العَجَاج والعَجَّاج نتياهو

حين ينهزم العدو في المكان الذي يمثل عمق المعركة أمام رجال أشداء، فإنه يُعَجِّج الغبار ويثيره ويملأ السماء دخانا وعَجَاجا وغبارا ليحجب العالم ومجتمعه الصهيوني عن حقيقة هزائمه في غزة، ويخفي خدوش وجهه التي أحدثتها كمائن الرجال في جباليا والزنة وبيت حانون والمغازي وخان يونس ورفح وغزة، آنذاك يخرج نتنياهو العَجَّاج(معناه كثير الصياح ) ليكثر من صياحه خارج غزة ويظهر قوته المزيفة في لبنان بعد فشل جيشه المكسور في غزة..

 

لكن السؤال هنا في حالة وجود هذا العَجَاج والصياح والدخان المفتعل للتشويش على النظرة الاستبشارية التي حققها الطوفان،  فكيف ننظر لهذه الأحداث الأخيرة في لبنان خصوصا بعد ضربات لبنان واغتيال السيد حسن نصر الله..

بطبيعة الحال وجهة غزة والطوفان وجهة مصفاة للأحداث، ومرآة للوجه المنهزم المتأزم لنتياهو والجيش الإسرائيلي الذي ترتفع صيحاته إلى المجتمع الصهيوني والنخب ليُنْقَذ ويُخْرَج من غزة..

إذن في هذه القراءة سأحاول تصفية هذه العجاجة بهذه النظرات لعلها تنفع وتبشر وتوضح الصورة الحقيقية للمشهد في الكيان الصهيوني والجيش الإسرائيلي وسياسة الاحتلال، وذاك من خلال هذه الكتابة.

 

المحور الثالث: كيف ننظر كما نظر رجال الأنفاق من الوحي والواقع؟ 

حين تتصاعد الأحداث وصور الحرب في المنطقة قد تكثر أعمال المطبعين والخونة للتشويش على العقل العربي والمسلم والحر الغربي، بادعاءات وأباطيل خصوصا بعد وجود هزيمة في منظومة التطبيع بعد طوفان الأقصى وحراك الشعوب العربية والإسلامية والعالم الغربي، لذلك قد يخرج المطبع في فرص بآلته من جديد لبث ثقافة الهزيمة واليأس، خصوصا بعد اغتيال نصر الله وهنية وضربات قاسية على حزب الله ولبنان،  لكن كلما شهدنا ورصدنا مثل هذه الردات للفعل للاحتلال، فالمطلوب التصدي لهذه الحملة الخبيثة للكذابين والمرجفين بكتابة توجه نحو البوصلة، وتفكير وثيق، ونظرة تبشر دون مبالغة وحماسة..

 

لذلك أكتب هنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الأمة للنظر مما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر والرؤية، أن ننظر من الأعالي والمعالي من الوحي والتاريخ والواقع، لا النظر من سفاسف الأمور بل من أشرفها. 

كانت النبوة دوما تعلم الصحابة رضي الله عنهم الارتشاف من المعالي في كل شيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم  ( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها)الراوي : الحسين بن علي بن أبي طالب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

 

ما يحدث وحَدَث في غزة هو خير وبركة وصنع من الله، جعل العالم يكشف بركة من بركات الأمة، وكنزا من كنوز الأمة هو مغمور في أرض اسمها غزة،  كان أهلها سلاحهم قبل طوفان الأقصى، هو مشروع القرآن يدورون حوله بدوران بتربية وعلم وجوس وفعل في الأرض، دون انكفاء ودروشة وعزلة، يريدها دين الخطة الأبراهامية..

 

مع دوران رجال الأنفاق مع القرآن إيمانا يربي، وقوة علمية ومعلوماتية وعملية، كانت النتيجة "طوفان الأقصى" وكان النجاح وكان الثقب الأول في 7 أكتوبر، هجموا قبل هجوم العدو..، وفقهوا عقلية المتطرف الصهيوني الذي يمثل الإفساد الثاني الذي ترعرع رواده في الجيتو،  ووعوا مشروعه التصفوي وما كان يخطط له للتعجيل بضربة لغزة ثم هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، وسبق الرجال في الضربة وصدقوا..

 

 الرجال نقبوا في تاريخ الأمة والأمم والمعارك، ووجدوا أن أشد مراحل الإفساد لأتباع بني إسرائيل، هو زمن النبوة والصحابة رضي الله عنهم، حين أسس أرباب الإفساد اليهودي الأول للتطبيع مع مؤسسة الأحزاب، ومؤسسة قريش الاستبدادية العربية ومؤسسة المنافقين المُطبعة الخونة..

 

المحور الرابع: كيف استفاد رجال الأنفاق من التاريخ ؟ 

بطبيعة الحال وفي زمن الإفساد الثاني لأتباع بني إسرائيل من الصهاينة، استفاد رجال الأنفاق من المرحلة، وقالوا لن نحقق الانتصار والتقدم، إلا بما تقدم به النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم مشروع في التاريخ، مع أشد عدو وإفساد في التاريخ، وكان ظفر رجال الأنفاق بمشروع النبوة والصحب رضي الله عنهم، وتنزيل مشروع النبي صلى الله عليه وسلم الذي استأصل به شأفة اليهود والأحزاب والمنافقين والعرب، وهو مشروع القرآن والفقه الجامع الشامل ذكرا وتنظيما وميدانا..

 

هكذا تعلم رجال الأنفاق وغزة من العلم والتاريخ والوحي بثلاثية مشروع  العبودية المُرَبِّيَة، والبأس العلمي والتنظيري والسياسي في كل المجالات، والجوس الميداني الحركي﴿وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا ۝٤ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادࣰا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدࣰا مَّفۡعُولࣰا ۝٥﴾ [الإسراء ٤-٥

 

المحور الخامس: كيف نفقه حقيقة جهاز المنافقين والجواسيس؟ 

تعلم رجال الأنفاق من التاريخ وأشد فترة على مشروع المقاومة الأولى والنبوة، أن عنصرا خطيرا توظفه الصهيونية وهو جهاز المنافق للتأثير على الحاضنة الشعبية لرجال الأنفاق وجبهات الإسناد واختراقها تجسسا، وتعلم رجال الأنفاق أن تخذيل المنافقين قد أُصيب بمثله سلف هذه الأمة وكان الدواء هو العودة للأسوة وهو النبي صلى الله عليه وسلم والنظر من المعالي؛ فإن عاقبة ذلك نصر وتمكين لهم؛ ولذا فإن الله تعالى لما ذكر أوصاف المنافقين وأفعالهم في غزوة الأحزاب ذيَّل ذلك بقوله سبحانه ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]، حين تكون هناك أخطاء في صفوف أي عمل فلا بد من العودة إلى الأسوة لتقويم النفس والعقل والتنظيم والعمل والرؤية...

 

اكتشف رجال الأنفاق مشروع المنهاج النبوي من سيرة النبوة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعرف كل المعرفة بعقل العدو والإفساد الأول والثاني، وتعلموا كيف يواجهون مراحل المعارك إن واجهتهم صعاب أو  اغتيالات أو  مصائب خونة  ومنافقين، ويلاحظ أن الآيات الكريمة التي عرضت لغزوة الأحزاب لم يأت فيها تفصيل لهذه الغزوة العظيمة، وما جرى فيها من أحداث، بقدر ما ذكر فيها من أوصاف المنافقين ومرضى القلوب وأفعالهم، ثم وصف المؤمنين وأفعالهم، ومجموع الآيات التي وردت في غزوتي الأحزاب وقريظة تسع عشرة آية، منها تسع آيات في وصف المنافقين ومرضى القلوب، وحكاية أقوالهم، وأربع آيات في وصف المؤمنين وحكاية أقولهم، فلم يبق إلا ست آيات فيها وصف المعركتين، وما جرى على أحزاب المشركين وبني قريظة؛ مما يدل على أن معرفة أحوال المنافقين ومرضى القلوب للحذر منهم أمر مطلوب  وهو تفصيل وتحذير الوحي ﴿ وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب:12].

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)