- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عميد أحمد رحال يكتب: هل تفعلها تركيا وتعلن الحرب في سورية؟!
عميد أحمد رحال يكتب: هل تفعلها تركيا وتعلن الحرب في سورية؟!
- 3 نوفمبر 2021, 9:15:44 ص
- 497
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في قراءة لتطوّرات المشهد العسكري على الساحات السورية، وما يحصل من رفع لدرجات الاستعداد القتالي والجاهزية القتالية على مختلف الجبهات ولمختلف الفرقاء، توشك على القول إن ساعة الصفر لإعلان الحرب هي أقرب إليك من إنهاء قراءة هذا المقال، لكن لو ابتعدت قليلًا لترى الصورة بمنظار أوسع، فستجد أن كل ما يقال ليس أكثر من زوبعة في فنجان، وأن المعارك متعذرة، والأسباب التي تمنعها أكثر من مسوّغات اندلاعها.
ما هي مسارح الأعمال القتالية المتوقعة؟
بجردة حساب، نجد أن معظم مناطق شمال غرب سورية وشمال شرقها مؤهلة لأن تكون ساحات لصراع وقتال.
جبل الزاوية:
ما يزال جبل الزاوية العقدةَ التي تؤرق جنرالات قاعدة “حميميم”، ومثلهم الضباط في أقبية غرف عمليات الأسد، لمعرفتهم وإدراكهم أن جغرافية هذا الجبل، مع امتداداته نحو “جبل الأربعين” شرقًا و”جبل شحشبو” غربًا، ومع إطلالته الكبيرة والواسعة على طريق (إم فور)، تجعل منه مطمعًا تحاول روسيا التوصل إليه، بينما تفعل تركيا كل شي للحفاظ عليه.
منّغ وتل رفعت:
لطالما آلمت تلك المنطقة الثورة، عندما تم الغدر بأكثر من مئة مقاتل من الجيش السوري الحر، معظمهم من أبناء حمص العدية، غُدر بهم في قرية “عين دقنة” وتم قتلهم وتحميلهم على شاحنات مكشوفة وطافوا بهم في الشوارع، ومع عملية (غصن الزيتون) تدخّل الروس ومعهم ميليشيات أسد، وشكلوا حاجزًا مانعًا لوصول الجيش الوطني والجيش التركي إلى تلك المنطقة، وبقي مطار “منغ” وبلدة “تل رفعت” وأكثر من 17 قرية محيطة بهما خنجرًا بخاصرة مناطق (غصن الزيتون)، وامتدادًا لقوات (قسد) تصلها عبر النظام إلى منبج وشرقي الفرات.
مدينة منبج:
تلك المدينة التي تناوبت على السيطرة فيها قوات عدة، من الجيش السوري الحر إلى تنظيم (داعش)، حتى سيطرت عليها قوات (قسد)، ومع اندلاع عملية (درع الفرات) شكلت عائقًا باستكمال وصول الجيش الوطني إليها، بعد تعهدات أميركية بتسليمها لاحقًا، ومع نفاد الصبر التركي، تدخّل الروس وقامت قوات (قسد) بتسليم بعض القرى بمحيط منبج إلى نظام الأسد، مما عقد المشهد، وأصبح الوصول إلى منبج يحتاج إلى تفاهمات وموافقات كبيرة تشمل على الأقل واشنطن وموسكو.
عين العرب (كوباني) وعين عيسى:
تلك المنطقة التي ارتكب فيها تنظيم (داعش) مجزرة كبيرة بحق سكانها، وتعاون الجميع على تطهيرها من التنظيم الإرهابي، حيث شارك في تحريرها إضافة إلى قوات (قسد) عناصر من الجيش السوري الحر، وبدعم أميركي وتركي وكوردستاني، لكن بعد عمليات (درع الفرات) و(نبع السلام)، شكلت عين العرب حاجزًا طبيعيًا يفصل مناطق النفوذ التركي، ويشلّ الوصل بينها، ويبقي مسمار جحا في تلك المدينة تستغله قوات (قسد) ومعها PKK، وكذلك نظام الأسد وإيران، بعد نشر استخباراتهما وعملائهما فيها، بلباس قوات حرس الحدود السورية.
شرق وجنوب مناطق (نبع السلام):
ما تزال تركيا تطالب موسكو وواشنطن بتنفيذ تعهداتهما، بما يخص الحدود السورية التركية، من حيث ضرورة إبعاد قوات (قسد) وPKK لمسافة 30كم على الأقل، مقابل توقف تركيا وحلفائها من الجيش الوطني عن استمرار عمليات العسكرية والهجوم على مناطق شرقي الفرات، لكن الجميع أخل بتعهداته، واليوم تركيا تعيد الطرح من بوابة القوة العسكرية، وليس عبر البوابات الدبلوماسية الفاشلة.
ساحات الصراع بمنظار عسكري:
المتتبع للحشود التي تتقاطر على الجبهات يدرك أن الحرب قائمة لا محالة، وأن الجميع -على كافة الجبهات المرشحة للاشتعال- يستعد بأقصى طاقاته ويسابق الزمن لتدارك النواقص وسد الثغرات وتدعيم المواقع وزيادة التدريبات.
في مناطق قوات (قسد) شرقي الفرات، تسارعت وتيرة التعزيزات العسكرية الأميركية عبر التحالف الدولي، ويبدو أن واشنطن حولت وجهة كل محتويات مستودعاتها المسحوبة من العراق باتجاه الأردن إلى شرقي الفرات، وزادت عليها بتكثيف المناورات والدورات التدريبية مع قوات (قسد)، على عربة القتال الأميركية “برادلي”، والتدريب المشترك مع قوات التحالف الدولي على عمليات الإنزال الجوي، والدخول بمعطيات استطلاعية مشتركة في القتال، بزيادة عمليات التعاون والتنسيق بين (قسد) وعناصر قوات التحالف.
وبتسليط الضوء على مناطق منغ وتل رفعت، نجد الأرتال المعززة لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية، وهي تدخل بلدة “منغ” التي يوجد فيها الروس أيضًا، وتنتشر في بلدتي “نبل والزهراء”، وعلى كامل خطوط التماس مع الجيش التركي والجيش الوطني، وتخرج قناة “الميادين” التابعة لإيران لتنقل بثًّا مباشر مع ضباط الأسد وهم يقفون في القاعدة الجوية في “منغ”، وعلى بعد مئات الأمتار من المشفى الوطني في “عفرين” الذي يظهر بكادر التصوير، وليحدثنا هذا الضابط بلغة ركيكة عن الجاهزية والتعاون لصدّ أي عدوان، بل تحدث عن الاستعداد القتالي لتحرير المنطقة حتى الحدود التركية.
لو انتقلنا إلى المعابر التي تصل (المحرر) بالحدود التركية، لوجدنا ضخامة ونوعية الأرتال العسكرية التركية العابرة التي تغص بها طرق الوصول إلى أطراف جسر الشغور وجبل الزاوية وريف حلب الغربي، لتضاف إلى أكثر من 15 ألف جندي تركي ينتشرون داخل سورية، إضافة إلى أكثر من أربعة آلاف عربة عسكرية ثقيلة مع أربع منظومات صاروخية وتشويش وحرب إلكترونية ومدفعية، تنتشر عبر (79) نقطة قتالية تتموضع على التلال الحاكمة وخطوط التماس بشكل أقرب لأن تكون نقاط مواجهة لا نقاط مراقبة، ويضاف إلى ذلك كثير من الاحتياطات العسكرية المنتشرة على حدود تركية الجنوبية، لتكون جاهزة للزج بأي لحظة، وتلك القوات مدعومة بمهابط حوامات ميدانية، تم تجهيزها على كامل حدود ولاية هاطاي مع إدلب، وتدعمها كل القواعد الجوية التركية الضخمة التي توجد في ولاية ديار بكر وولاية غازي عنتاب.
فصائل الجيش الوطني، وإن كانت لا تملك قرار الحرب والسلام شأنها شأن قوات الأسد، تلقّت تعليمات واضحة، عقب اجتماع عسكري عُقد في أنقرة لقادة الفصائل مع القيادة العسكرية والسياسية التركية، برفع جاهزية قواتها على الأرض مطلقة الكثير من التصريحات التي تتماشى مع تصريحات القيادات السياسية والعسكرية التركية، ولا تخرج عنها.
ساحات الصراع بمنظار سياسي:
من حيث التوافقات والتفاهمات التي تتحكم في وجود خمسة جيوش أجنبية على الأراضي السورية، يمكن القول إنها اتفقت عبر تواصلات مباشرة، أو عبر وسطاء، على خطوط حمراء رسمها كل طرف لمناطق نفوذه، جعلت الجميع يتوقف ويراجع حسابته قبل الإقدام على أي خطوط يمكن أن تهدد تلك التوافقات أو تغير من قواعد الاشتباك المعمول بها والمتوافق عليها.
من هذا الباب، يمكننا العبور للساحات الملتهبة والمهددة باندلاع المعارك فيها، لنسأل عن إمكانية اندلاع الحرب فيها، لو بدأنا من جبل الزاوية:
رغم كل تحشيدات نظام الأسد وإيران وحتى روسيا عبر قوات سهيل الحسن بالفرقة 25، لا يمكن لهؤلاء القيام بأي عملية عسكرية على جبل الزاوية للوصول إلى أوتوستراد حلب-اللاذقية (إم فور)، بسبب طبيعة الانتشار العسكري للجيش التركي الكثيف، بمعنى أن أيّ هجوم -مهما حاذر جيش الأسد وإيران أو الروس من عدم الاصطدام مع النقاط التركية أو القيام بعملية التفاف حولها، كما فعلوا سابقًا بالنقاط الثمانية في “مورك” وغيرها- لن ينجح بتاتًا، وسيكون هناك صدام لا محالة، والنقاط التركية تلقت أوامر أخيرًا بفتح النار على أي قوة عسكرية تهدد وجودها أو تتجاوزها، وزاد بالأمر أن خرج وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، منذ أقل من أسبوع، ليغير باستراتيجية التواجد التركي في سورية، عندما قال: “نحن في سورية لأسباب ثلاثة: منع المجازر بحق المدنيين، منع تهجير المدنيين، ومحاربة التطرّف”.
وبذلك، تكون تركيا قد أرسلت رسالة واضحة إلى دمشق وموسكو وطهران، بأن أي تقدم سيواجه من قبل الجيش التركي والجيش الوطني معًا.
وبجولة سريعة على بقية الساحات، نجد أنالمنطق العسكري والسياسي يقول لا يمكن لتركيا خوض أي عملية عسكرية على منغ وتل رفعت ومحيطها، في ظل وجود نقاط عسكرية روسية في قاعدة “منغ”، وكذلك وجود جيش الأسد، لأنه لا يمكن أن يخرق الأتراك قواعد الاشتباك، ويدخلون بحرب مع روسيا أو مع نظام الأسد.وفي منبج أيضًا، هناك جنود للأميركان والروس ولجيش الأسد، وبالتالي لا يتوقع دخول تركيا بحرب بتلك الساحة.وفي عين العرب “كوباني”، يوجد الروس وجيش الأسد، شأنها شأن “منغ وتل رفعت”.وفي شرقي مناطق (نبع السلام) هناك نقاط تمركز وخطوط دوريات للأميركان والتحالف الدولي، والموقف الأميركي كالموقف الروسي يرفض أي عمل عسكري تركي في شمال وشمال شرق سورية.
أين ستكون الحرب التي يهدد بها الأتراك إذًا؟؟
أرسلت موسكو، عبر طائرات قاعدة “حميميم”، خلال الشهر الأخير، أكثر من رسالة دموية إلى أنقرة، بدأت بقصف مواقع للجيش الوطني بقريتي “براد وباسوطة” في مناطق (غصن الزيتون)، ثم رسالة أخرى بقصف “سرمدا” على الحدود السورية التركية مباشرة، ثم رسالة قصف “أريحا”، ثم الرسالة الأخيرة بقرار نقل سرب طائرات مقاتلة سو35 إلى مطار القامشلي، وصلت منه طائرة واحدة فقط حتى الآن، لتضاف إلى سرب حوامات (مي25 و مي17) ومنظومة دفاع جوي كانت موسكو قد نشرتها هناك سابقًا، وكل تلك الرسائل تقول: لا عملية تركية في أرياف حلب الشمالية ولا الشرقية ولا في شرقي الفرات، وكذلك قال الأميركان.
الولايات المتحدة الأميركية التي خذلتها (مسد) و(قسد)، بعد تسريبات من واشنطن عن رفض طلب أميركي قُدم إلى “إلهام أحمد” بضرورة فكّ ارتباط (قسد) مع PKK، والانفتاح على الجانب التركي، منحَت الضوءَ الأخضر (على إثر الرفض القسدي، حسب التسريب)، لطائرات الدرون التركية، للعمل في مناطق شرقي الفرات واصطياد عناصر PKK، مقابل عدم قيام تركيا وحلفائها بأي عملية عسكرية في شرقي الفرات أو منبج.
بالفلسفة العسكرية، يقال: القوة اليوم لأحد الأطراف في ظلّ تشابك جيوش عدة لا تقاس فقط بحجم قدراته العسكرية الموجودة على الأرض، وإن كل معركة لا تملك مظلة سياسية وازنة هي معركة خاسرة، مهما تكن النتائج، والمنطق السياسي بالوضع الحالي يقول لا مظلة سياسية خارجية لأي عملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية، بالرغم من التفويض الذي منحه البرلمان التركي لقيادته السياسية بحق استخدام الجيش التركي لعامين داخل سورية والعراق، وأنقرة تعلم أيضًا أنها قد تمتلك قرار إعلان الحرب، لكنها بالتأكيد لا تملك قرار وقفها، في ظل وجود الأميركان والروس.
وأمام هذا الواقع، هل تفعلها تركيا وتتجاوز كل الخطوط الحمراء المرسومة، أميركيًا وروسيًا، وتخرق كل قواعد الاشتباك، وتطلق معارك توعّدت بها؟ أم ستمسك العصا من منتصفها، وتتابع حكمتها السياسية والعسكرية، وتكتفي بما حققته تهديداتها من عطايا سياسية داخلية وخارجية، وتوقف عمل العسكر، وتعيد القرار لأصحاب الحنكة من السياسيين؟ المنطق السياسي والعسكري يقول إن الخيار الثاني هو المرجح والقابل للتطبيق.
المصدر: مركز حرمون للدراسات