- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
هل ما زالت تستحق لقب أكبر دولة ديمقراطية في العالم؟ جدل حول انتخابات الهند ودور إسرائيل بها
هل ما زالت تستحق لقب أكبر دولة ديمقراطية في العالم؟ جدل حول انتخابات الهند ودور إسرائيل بها
- 19 أبريل 2024, 4:56:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تستعد الهند لتنظيم ما قد يكون أكبر انتخابات ديمقراطية في التاريخ، وهي البلد الذي احتفظ منذ عقود بلقب أكبر ديمقراطية، ولكن الانتخابات الهندية العامة تجرى في ظروف تثير تساؤلات حول ما إذا كانت الهند ديمقراطية حقيقة، أم أنها تتجه لتصبح أكبر نظام للفصل العنصري بشكل قريب للنموذج الإسرائيلي.
ولم تعد التساؤلات تقتصر على توثيق العلاقات بين الهند وإسرائيل بل أيضاً بشأن دور تل أبيب الداعم لمودي في الانتخابات الهندية العامة التي سبتدأ غدا.
10% من سكان العالم مدعوون للمشاركة في الانتخابات الهندية العامة
ويسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (73 عاماً) للفوز بولاية ثالثة بعد فوزه الساحق في انتخابات عامَي 2014 و2019.
وأفاد استطلاع للرأي صادر عن مركز "بيو" الأمريكي للبحوث العام الماضي بأن 80% من الهنود لديهم نظرة إيجابية حيال مودي، حسبما ورد في تقرير لموقع "فرانس 24″.
970 مليون مواطن هندي مدعوون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الهندية العامة المقررة الجمعة 19 إبريل/نيسان 2024 لاختيار أعضاء برلمانهم الجديد. للبلد الذي يقطنه 1,4 مليار نسمة، أي أن الناخبين يمثلون هناك أكثر من 10% من سكان العالم، وهم يمثلون أكبر جمهور انتخابي في أي مكان، وسيضمون 18 مليون ناخب لأول مرة.
نظراً لجغرافيتها الهائلة، لا يتم التصويت في يوم واحد، بل يتم تقسيمه إلى سبع مراحل عبر الولايات المختلفة، وتستمر ما يقرب من ستة أسابيع في المجموع. وسيتم ذلك باستخدام الآلات الإلكترونية في أكثر من مليون مركز اقتراع، وستنشر لجنة الانتخابات الهندية 15 مليون شخص للإشراف على العملية. سيتم إغلاق التصويت في 1 يونيو/حزيران 2024، وسيتم أخيرًا فرز النتائج وإعلانها في 4 من الشهر ذاته، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وتعد الانتخابات الهندية العامة أيضًا من بين أغلى الانتخابات في العالم. ومن المتوقع أن تصل التكلفة هذا العام إلى 1.2 تريليون روبية (15 مليار دولار)، وهو ما يقرب من ضعف ما تم إنفاقه في انتخابات 2019.
وباعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، وواحدة من أسرع الاقتصادات نمواً، فإن نتيجة الانتخابات سيكون لها أيضاً تأثير على المستوى الدولي، حيث أصبحت الهند شريكاً متزايد الأهمية لدول بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، والتي وقعت جميعها مؤخراً صفقات وسعت إلى إقامة علاقات أوثق مع دلهي كثقل موازن للصين.
ويُنظر إلى موقف حزب بهاراتيا جاناتا على أنه قوي بسبب شعبية مودي الشخصية وتركيز السلطة الذي حدث تحت قيادته، والذي يتضمن آلية حزبية عالية التنظيم والاستخدام الرائد للتكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعية كوسيلة للوصول إلى الناخبين.
كما أن حزبه الهندوسي المتطرف بهاراتيا جاناتا أكثر ثراء بكثير من أي حزب آخر، ولديه موارد مالية أكبر بكثير للإنفاق على الانتخابات الهندية العامة، حيث أنفق ما يقدر بنحو 418 مليار روبية في انتخابات عام 2019.
ويحظى حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي بالفعل بأغلبية برلمانية قوية بعد اكتساحه انتخابات 2019، حيث فاز بـ 303 مقاعد، مع وصول أصوات الشريك في الائتلاف إلى 352 مقعداً. وهذه المرة، الحزب واثق جداً من النصر لدرجة أنه يهدف إلى الفوز بأكثر من 400 مقعد. في البرلمان المؤلف من 543 مقعداً – وهي أغلبية غير مسبوقة.
ويحاول مودي أن يصرف الانتباه عن المشكلات في نموذجه التنموي مثل شبهات المحاباة والفساد والبطالة واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وغضب الفلاحين من سياسته الاقتصادية، إضافة للبيروقراطية المتأصلة في الإدارة الحكومية الهندية.
سياسة الهند باتت تقوم على عبادة الفرد
وقد تراكمت عبادة الشخصية حول رئيس الوزراء، ناريندا مودي الذي يُنظر إليه على أنه زعيم قوي ولكنه أيضًا رجل الشعب. وساعدت خلفيته المتواضعة -نشأته في أسرة فقيرة من الطبقة الدنيا في ولاية غوجارات حيث كان يساعد والده في بيع الشاي- في إبرازه على أنه نقيض النخبة السياسية الفاسدة، حسبما ورد في تقرير صحيفة the Guardian البريطانية.
ولا مفر من وجه مودي أيضًا في جميع أنحاء البلاد، حيث يتم لصقه على اللوحات الإعلانية، والحصص الغذائية التي يتلقاها الناس، وحتى على شهادات لقاح كوفيد، في حين تحمل معظم خطط الرعاية الاجتماعية التي قدمتها حكومته اسمه.
لقد استخدم مودي أيضًا وسائل الإعلام بشكل استراتيجي للمساعدة في بناء الأسطورة حوله.
وقد نال تقدير شعبه لأنه رأى أنه رفع الهند إلى قوة عالمية يتودد إليها الغرب، ويقول العديد من أنصاره إن مودي جعلهم فخورين بكونهم هنديين، كما أنه يتخذ سياسة عدوانية تجاه باكستان خصم بلاده اللدود، بشكل يهدد بتفجير حرب نووية في شبه القارة الهندية، ولكن هذا أمر يكسبه مزيداً من الشعبية.
مودي حوّل الهند من علمانية توصف بالمتسامحة مع الأقليات إلى نظام هندوسي شبه عنصري
ويُنظر على نطاق واسع إلى السياسات القومية الهندوسية التي ينتهجها مودي وحكومة حزب بهاراتيا جاناتا على أنها أعادت تشكيل المشهد السياسي والثقافي للبلاد على مدى العقد الماضي، حيث حولتها بعيداً عن العلمانية المنصوص عليها في الدستور -والتي تضمن المساواة لجميع الأديان- نحو حكم الأغلبية الهندوسية.
فعلى غرار الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، بنى حزب مودي شعبيته حتى قبل وصوله للحكم المركزي على التحريض ضد المسلمين.
مودي راهن على النعرة الهندوسية
وقد أكسبته أجندته القومية الهندوسية الدعم بين قطاعات واسعة من الأغلبية الهندوسية التي تبلغ 80% في البلاج، مما مكنه في كثير من الأحيان من تجاوز الطبقات التقليدية والحواجز الطبقية للفوز بالأصوات بين المجتمعات الفقيرة والريفية والطبقات الدنيا وكذلك الناخبين الأثرياء في المناطق الحضرية والطبقات الوسطى الصاعدة، المستفيدين من إصلاحاته الاقتصادية المحابية للقطاع الخاص.
وصعد حزب بهاراتيا جاناتنا جراء دوره في هدم مسجد بابر عام 1991، متسبباً في مذبحة راح ضحيتها ألفا شخص معظمهم من المسلمين، وبرأ القضاء الهندي مؤخراً زعماء الحزب من المسؤولية عنها، كما منح القضاء موقع المسجد للهندوس ليعيدوا بناء معبد قديم عليه رغم إدانته لعملية هدمه في مواقف تشبه مواقف المحاكم الإسرائيلية تجاه القضايا الفلسطينية.
وبعد وصوله للحكم، نفذ مودي سلسلة من الإجراءات التمييزية المتصاعدة ضد المسلمين، منها قانون يمنح الجنسية للمهاجرين من البلدان المجاورة باستثناء المسلمين، وهو قانون ينظر له أنه يستهدف المسلمين الذين ليس لديهم الجنسية، وشجع فرض قيود على الحجاب، وهدم منازل النشطاء المسلمين، إضافة إلى طرد المسلمين من مدينة غوروغرام لإقامة قمة مجموعة العشرين، وتقييد وحظر منظمات إسلامية وصولاً مؤخراً لإغلاق مدارس إسلامية كبرى.
ونالت ولاية كشمير ذات الغالبية المسلمة المتنازع عليها مع باكستان النصيب الأكبر من الاضطهاد، حيث ألغى الحكم الذاتي للولاية في عام 2019 والإجراءات الخاصة بالحفاظ على أغلبيتها الديموغرافية مما يوحي بتشجيعه للهجرة والاستيطان الهندوسي، وعند تنفيذه لهذه الإجراءات اعتقل القادة السياسيين المحليين في الولاية حتى المؤيدين لبقاء كشمير ضمن الهند، وقطع الإنترنت عن الولاية.
بينما يتجه النظام السياسي الهندي بقوة ليؤكد الطابع الهندوسي للدولة على حساب المسلمين تحديداً ليصبح أقرب للنظام الإسرائيلي الذي يقوم على الطابع اليهودي للدولة، فإن مودي لم يكن فقط أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، بل جعل سياسة الهند منحازة تماماً لإسرائيل في مواجهة المذبحة التي أوقعها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مخالفاً السياسة الهندية التقليدية وموقف أغلب دول الجنوب العالمي.
وقبل ذلك عزز العلاقات العسكرية مع إسرائيل، حيث باتت الهند أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك الرادار الموجود على متن المقاتلة الهندية الوحيدة محلية الصنع تيجاس، ومؤخراً عمد لتعزيز العلاقات الاقتصادية بتشجيع الاستثمارات الهندية في مجال النقل البحري في إسرائيل لتكون بديلاً للصين، بتشجيع من الولايات المتحدة التي دمغت هذه التوجهات بإطلاق الرئيس الأمريكي خلال قمة العشرين الأخيرة التي عقدت بالهند لمشروع الممر الهندي للنقل بين آسيا إلى أوروبا عبر الهند ودول الخليج وإسرائيل.
المعارضة الهندية تتهم إسرائيل بدعم مودي سراً في الانتخابات
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، إذ تتهم المعارضة مودي بالحصول على دعم إسرائيلي سري للفوز في الانتخابات الهندية العامة، حسبما ورد في تقرير نشر بموقع "الجزيرة.نت".
ويتم تداول شائعات حول صفقات سرية بين حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وشركات التكنولوجيا الإسرائيلية.
واتهم بعض من زعماء المعارضة مودي بطلب المساعدة من إسرائيل لتحقيق الفوز في الانتخابات الهندية العامة، كما يعتقد قادة المعارضة أن الحملات الانتخابية للحزب الحاكم الذي يتزعمه مودي على الإنترنت مدعومة بتكنولوجيا متقدمة لا يمكن لأي طرف آخر أن يضاهيها؛ ما دفعهم إلى اتهام إسرائيل بدعمها بالقول: "إن شركات إسرائيلية أو مجموعات سرية مدعومة مسؤولة عن نشر الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل فيسبوك، إنستغرام ومنصة "إكس". كما لاحظت وحدة الإعلام والنشر في حزب المؤتمر نمطًا يبدو فيه أن الحزب الحاكم يستخدم التكنولوجيا المتطورة للتأثير في الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكشف مصدر داخل حزب المؤتمر للجزيرة مباشر أن الطريقة التي تستخدمها إسرائيل تكنولوجيًا للتأثير في الشعب العربي لدعم إسرائيل، هي ذاتها التي يستخدمها حزب بهاراتيا جاناتا، وبالطريقة نفسها.
وأشارت التقارير الدولية إلى طلب الهند المساعدة من إسرائيل في مراقبة الصحفيين وقادة المعارضة باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" في اختراق الهواتف النقالة الذكية لمسؤولين وناشطين ومعارضين وصحفيين حول البلاد للتجسس ومراقبة المواطنين، ويعد "بيغاسوس" برمجية تجسس تطورها وتبيعها شركة "إن إس أو غروب"، ومقرها إسرائيل.
المعارضة تدخل الانتخابات متناحرة داخلياً، ومحاصرة من قبل الحكومة
وتدخل المعارضة الانتخابات الهندية العامة، وهي متضعضعة القوى سواء بسبب المشكلات الداخلية أو استقواء الحزب الحاكم، الأمر الذي يطرح شكوكاً حول سلامة الديمقراطية الهندية.
فعلى مدى السنوات العشر الماضية، واجهت أحزاب المعارضة في الهند هجوماً متواصلاً من قِبَل أجهزة الدولة القوية، الأمر الذي جعلها في موقف ضعيف للغاية. وقد تم التحقيق مع العشرات من شخصيات المعارضة أو اعتقالهم في قضايا مالية وفساد يزعمون أن لها دوافع سياسية، حسبما ورد في تقرير صحيفة the Guardian.
ولم يعد حزب المؤتمر، وهو حزب المعارضة الرئيسي الذي حكم الهند لعقود من الزمن، ينظر إليه في نظر كثيرين باعتباره بديلاً قابلاً للتطبيق، بعد أن خسر بشكل مدوٍّ في الانتخابات الهندية العامة السابقة، ثم سجل أداء سيئاً مؤخراً في موجة من استطلاعات الرأي في الولايات، أمام حزب بهاراتيا جاناتا. حزب سلالة نهرو غاندي، ويواجه الآن اتهامات بأنه حزب نخبوي من سلالة غاندي.
وفي محاولة للإطاحة بحزب بهاراتيا جاناتا، اجتمع 27 حزبًا معارضًا، بما في ذلك المؤتمر الوطني الهندي العام الماضي لتشكيل ائتلاف تحت الاسم المختصر "الهند". ومع ذلك، تم تقويض الجهود بسبب الخلافات حول القيادة وتقاسم المقاعد، وبعد أن تحول العديد من قادة الأحزاب للانضمام إلى حزب بهاراتيا جاناتا، انهارت محاولة خوض الانتخابات ككتلة متماسكة في معظم الولايات. كما أن الائتلاف لم يطرح بعد مرشحه لرئاسة الوزراء.
وقد تصاعدت حملة القمع المزعومة التي شنتها الحكومة على المعارضة عندما ألقي القبض على آرفيند كيجريوال، رئيس وزراء دلهي وأحد القادة الرئيسيين في ائتلاف "الهند"، في مايو/أيار الماضي في قضية فساد. ولا يزال خلف القضبان. وتنفي الحكومة أن يكون لها أي دور في الاعتقال.
وادعى حزب المؤتمر أيضاً أن سلطات الضرائب الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية جمّدت حسابات الحزب، مما منعه من القدرة على تنظيم حملته بشكل صحيح، وأنه تلقى إخطارات ضريبية بمليارات الروبيات من قضايا عمرها عقود من الزمن.
ومع ذلك، فإن الدعم الذي يحظى به مودي ليس متساوياً في جميع أنحاء الهند. وكما يشير خصومه، فقد فاز بالأغلبية في انتخابات عام 2019 بنسبة 37٪ فقط من الأصوات (يستفيد من تفتت أصوات خصومه).
وبينما يهيمن حزب بهاراتيا جاناتا على الولايات الشمالية المكتظة بالسكان والمعروفة باسم الحزام الهندي، فقد كافح الحزب من أجل شق طريق في العديد من الولايات الشرقية والجنوبية، لا سيما في ولاية كيرالا وتاميل نادو، حيث السياسة الإقليمية قوية، والمجتمع أكثر تماسكًا دينياً والسياسة القومية الهندوسية ليست بذات القوة.
وفي هذه الانتخابات، ركز حزب بهاراتيا جاناتا قدراً كبيراً من اهتمامه على الفوز بمقاعد في الجنوب.
ومع ذلك، في حين أن فوز حزب بهاراتيا جاناتا يعتبر أمراً محتملاً للغاية، لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كان الحزب سيكون قادراً على الحفاظ على نفس الأغلبية البرلمانية الساحقة التي تمتع بها، مع وجود عدد قليل من الولايات الحاسمة التي لا تزال في الهواء وسط استياء متزايد بشأن البطالة والتضخم.
ويؤكد قادة الحزب الحاكم أنهم سيفوزون بأغلبية الثلثين في مجلس النواب.
ومن شأن نتيجة مماثلة أن تسمح للحزب بتعديل دستور الهند العلماني والمضي قدماً في مشاريع أيديولوجية قديمة مثل القانون المدني المثير للجدل الذي يهدف إلى توحيد عدد من القوانين بما فيها المتعلقة بالزواج والطلاق التي تختلف بين الأديان، حسب موقع فرانس 24.